responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : فتح القدير نویسنده : الشوكاني    جلد : 4  صفحه : 355
فَيَكُونُ عَلَى هَذَا مَعْنَى عَرَضْنَا أَظْهَرْنَا. قَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ: وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْجَمَادَ لَا يَفْهَمُ وَلَا يُجِيبُ، فَلَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيرِ الْحَيَاةِ فِيهَا، وَهَذَا الْعَرْضُ فِي الْآيَةِ هُوَ عَرْضُ تَخْيِيرٍ لَا عَرْضَ إِلْزَامٍ. وَقَالَ الْقَفَّالُ وَغَيْرُهُ: الْعَرْضُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ ضَرْبُ مثل، أي: إن السموات وَالْأَرْضَ وَالْجِبَالَ عَلَى كِبَرِ أَجْرَامِهَا لَوْ كَانَتْ بِحَيْثُ يَجُوزُ تَكْلِيفُهَا لَثَقُلَ عَلَيْهَا تَقَلُّدُ الشَّرَائِعِ لِمَا فِيهَا مِنَ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ، أَيْ: أَنَّ التَّكْلِيفَ أَمْرٌ عَظِيمٌ حَقُّهُ أَنْ تَعْجِزَ عَنْهُ السموات وَالْأَرْضُ، وَالْجِبَالُ، وَقَدْ كُلِّفَهُ الْإِنْسَانُ وَهُوَ ظَلُومٌ جَهُولٌ لَوْ عَقَلَ، وَهَذَا كَقَوْلِهِ: لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ [1] إِنَّ عَرَضْنَا بِمَعْنَى عَارَضْنَا، أَيْ: عَارَضْنَا الْأَمَانَةَ بالسموات وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ، فَضَعُفَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ عَنِ الْأَمَانَةِ، وَرَجَحَتِ الْأَمَانَةُ بِثِقَلِهَا عَلَيْهَا. وَقِيلَ: إِنَّ عَرْضَ الأمانة على السموات وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ إِنَّمَا كَانَ مِنْ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَأَنَّ اللَّهَ أَمَرَهُ أَنْ يَعْرِضَ ذَلِكَ عَلَيْهَا. وَهَذَا أَيْضًا تَحْرِيفٌ لَا تَفْسِيرٌ، وَمَعْنَى وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ أَيِ: الْتَزَمَ بِحَقِّهَا، وَهُوَ فِي ذَلِكَ ظَلُومٌ لِنَفْسِهِ جَهُولٌ لِمَا يَلْزَمُهُ، أَوْ جَهُولٌ لِقَدْرِ مَا دَخَلَ فِيهِ، كَمَا قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، أَوْ جَهُولٌ بِرَبِّهِ، كَمَا قَالَ الْحَسَنُ: وَقَالَ الزَّجَّاجُ: مَعْنَى حَمَلَهَا: خَانَ فِيهَا، وَجَعَلَ الْآيَةَ فِي الْكُفَّارِ، وَالْفُسَّاقِ، وَالْعُصَاةِ، وَقِيلَ مَعْنَى حَمَلَهَا: كُلِّفَهَا وَأُلْزِمَهَا، أَوْ صَارَ مُسْتَعِدًّا لَهَا بِالْفِطْرَةِ، أَوْ حَمَلَهَا عِنْدَ عَرْضِهَا عَلَيْهِ فِي عَالَمِ الذَّرِّ عِنْدَ خُرُوجِ ذُرِّيَّةِ آدَمَ مِنْ ظَهْرِهِ وَأَخْذِ الْمِيثَاقِ عَلَيْهِمْ، وَاللَّامُ فِي لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكاتِ متعلق بحملها، أَيْ: حَمَلَهَا الْإِنْسَانُ لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْعَاصِيَ، وَيُثِيبَ الْمُطِيعَ، وَعَلَى هَذَا فَجُمْلَةُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولًا مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ الْجُمْلَةِ وَغَايَتِهَا لِلْإِيذَانِ بِعَدَمِ وَفَائِهِ بِمَا تَحْمِلُهُ. قَالَ مُقَاتِلُ بْنُ سُلَيْمَانَ وَمُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ: لِيُعَذِّبَهُمْ بِمَا خَانُوا مِنَ الْأَمَانَةِ، وَكَذَّبُوا مِنَ الرُّسُلِ، وَنَقَضُوا مِنَ الْمِيثَاقِ الَّذِي أَقَرُّوا بِهِ حِينَ أُخْرِجُوا مِنْ ظَهْرِ آدَمَ. وَقَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ: هَؤُلَاءِ الْمُعَذَّبُونَ هُمُ الَّذِينَ خَانُوهَا، وَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ هُمُ الَّذِينَ أَدَّوْهَا. وَقَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: أَيْ عَرَضْنَا ذَلِكَ لِيَظْهَرَ
نِفَاقُ الْمُنَافِقِ، وَشِرْكُ الْمُشْرِكِ فَيُعَذِّبُهُمَا اللَّهُ، وَيَظْهَرَ إِيمَانُ الْمُؤْمِنِ فَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَيْهِ، أَيْ: يَعُودُ عَلَيْهِ بِالْمَغْفِرَةِ وَالرَّحْمَةِ إِنْ حَصَلَ مِنْهُ تَقْصِيرٌ فِي بَعْضِ الطَّاعَاتِ، وَلِذَلِكَ ذُكِرَ بِلَفْظِ التَّوْبَةِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُؤْمِنَ الْعَاصِيَ خَارِجٌ مِنَ الْعَذَابِ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً أَيْ: كَثِيرَ الْمَغْفِرَةِ وَالرَّحْمَةِ لِلْمُؤْمِنِينَ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا قَصَّرُوا فِي شَيْءٍ مِمَّا يَجِبُ عَلَيْهِمْ. وَقَدْ قِيلَ إِنَّ الْمُرَادَ بِالْأَمَانَةِ الْعَقْلُ، وَالرَّاجِحُ مَا قَدَّمْنَا عَنِ الْجُمْهُورِ، وَمَا عَدَاهُ فَلَا يَخْلُو عَنْ ضَعْفٍ لِعَدَمِ وُرُودِهِ عَلَى الْمَعْنَى الْعَرَبِيِّ، وَلَا انْطِبَاقِهِ عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ الشَّرْعُ، وَلَا مُوَافَقَتِهِ لِمَا يَقْتَضِيهِ تَعْرِيفُ الْأَمَانَةِ.
وَقَدْ أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ وغيره مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ: «إِنَّ مُوسَى كَانَ رَجُلًا حَيِيًّا سِتِّيرًا لَا يُرَى مِنْ جِلْدِهِ شَيْءٌ اسْتِحْيَاءً مِنْهُ، فَأَذَاهُ مَنْ أَذَاهُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَقَالُوا مَا تَسَتَّرَ هَذَا السِّتْرَ إِلَّا مِنْ عَيْبٍ بِجِلْدِهِ، إِمَّا بَرَصٌ، وَإِمَّا أُدْرَةٌ، وَإِمَّا آفَةٌ، وَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَرَادَ أَنْ يُبَرِّئَ مُوسَى مِمَّا قَالُوا:
فَخَلَا يَوْمًا وَحْدَهُ، فَخَلَعَ ثِيَابَهُ عَلَى الْحَجَرِ ثُمَّ اغْتَسَلَ، فَلَمَّا فَرَغَ أَقْبَلَ عَلَى ثِيَابِهِ لِيَأْخُذَهَا وَإِنَّ الْحَجَرَ عَدَا بِثَوْبِهِ، فَأَخَذَ مُوسَى عَصَاهُ فَطَلَبَ الْحَجَرَ فَجَعَلَ يَقُولُ: ثَوْبِي حَجَرُ ثَوْبِي حَجَرُ، حَتَّى انْتَهَى إلى ملأ من

[1] الحشر: 21.
نام کتاب : فتح القدير نویسنده : الشوكاني    جلد : 4  صفحه : 355
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست