responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : فتح القدير نویسنده : الشوكاني    جلد : 4  صفحه : 263
لِأَنَّهُ حَالٌ مِنْ شَيْءٍ الْمَذْكُورِ بَعْدَهُ، وَمِنْ فِي «مِنْ شَيْءٍ» مَزِيدَةٌ لِلتَّوْكِيدِ، وَأَضَافَ الشُّرَكَاءَ إِلَيْهِمْ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُسَمُّونَهُمْ آلِهَةً، وَيَجْعَلُونَ لَهُمْ نَصِيبًا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ بَيَّنَ سُبْحَانَهُ أَنَّ الشِّرْكَ وَالْمَعَاصِيَ سَبَبٌ لِظُهُورِ الْفَسَادِ فِي الْعَالَمِ.
وَاخْتُلِفَ فِي مَعْنَى ظُهُورِ الْفَسَادِ الْمَذْكُورِ، فَقِيلَ: هُوَ الْقَحْطُ، وَعَدَمُ النَّبَاتِ، وَنُقْصَانُ الرِّزْقِ، وَكَثْرَةُ الْخَوْفِ، وَنَحْوُ ذَلِكَ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَعِكْرِمَةُ: فَسَادُ الْبَرِّ: قَتْلُ ابْنِ آدَمَ أَخَاهُ، يَعْنِي: قَتْلَ قَابِيلَ لِهَابِيلَ، وَفِي الْبَحْرِ: الْمَلِكُ الَّذِي كَانَ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا.
وَلَيْتَ شِعْرِي أَيُّ دَلِيلٍ دَلَّهُمَا عَلَى هَذَا التَّخْصِيصِ الْبَعِيدِ وَالتَّعْيِينِ الْغَرِيبِ؟ فَإِنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ عَلَى مُحَمَّدٍ صلّى الله عليه وَسَلَّمَ، وَالتَّعْرِيفُ فِي الْفَسَادِ: يَدُلُّ عَلَى الْجِنْسِ، فَيَعُمُّ كُلَّ فَسَادٍ وَاقِعٍ فِي حَيِّزَيِ الْبَرِّ، وَالْبَحْرِ، وَقَالَ السُّدِّيُّ: الْفَسَادُ:
الشِّرْكُ، وَهُوَ أَعْظَمُ الْفَسَادِ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ الشِّرْكَ وَإِنْ كَانَ الْفَرْدُ الْكَامِلُ فِي أَنْوَاعِ الْمَعَاصِي، وَلَكِنْ لَا دَلِيلَ عَلَى أَنَّهُ الْمُرَادُ بِخُصُوصِهِ. وَقِيلَ: الْفَسَادُ كَسَادُ الْأَسْعَارِ، وَقِلَّةُ الْمَعَاشِ، وَقِيلَ: الْفَسَادُ قَطْعُ السُّبُلِ، وَالظُّلْمُ، وَقِيلَ: غَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ تَخْصِيصٌ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ. وَالظَّاهِرُ مِنَ الْآيَةِ ظُهُورُ مَا يَصِحُّ إِطْلَاقُ اسْمِ الْفَسَادِ عَلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَ رَاجِعًا إِلَى أَفْعَالِ بَنِي آدَمَ مِنْ مَعَاصِيهِمْ، وَاقْتِرَافِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَتَقَاطُعِهِمْ، وَتَظَالُمِهِمْ، وَتَقَاتُلِهِمْ، أَوْ رَاجِعًا إِلَى مَا هُوَ مِنْ جِهَةِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ بِسَبَبِ ذُنُوبِهِمْ، كَالْقَحْطِ، وَكَثْرَةِ الْخَوْفِ، وَالْمَوْتَانِ، وَنُقْصَانِ الزَّرَائِعِ، وَنُقْصَانِ الثِّمَارِ. وَالْبَرُّ وَالْبَحْرُ: هُمَا الْمَعْرُوفَانِ الْمَشْهُورَانِ، وَقِيلَ الْبَرُّ: الْفَيَافِي، وَالْبَحْرُ: الْقُرَى الَّتِي عَلَى مَاءٍ قَالَهُ عِكْرِمَةُ، وَالْعَرَبُ تُسَمِّي الْأَمْصَارَ: الْبِحَارَ. قَالَ مُجَاهِدٌ: الْبَرُّ: مَا كَانَ مِنَ الْمُدُنِ وَالْقُرَى عَلَى غَيْرِ نَهْرٍ، وَالْبَحْرُ: مَا كَانَ عَلَى شَطِّ نَهْرٍ، وَالْأَوَّلُ: أَوْلَى. وَيَكُونُ مَعْنَى الْبَرِّ: مُدُنُ الْبَرِّ، وَمَعْنَى الْبَحْرِ:
مُدُنُ الْبَحْرِ، وَمَا يَتَّصِلُ بِالْمُدُنِ مِنْ مَزَارِعِهَا وَمَرَاعِيهَا، وَالْبَاءُ فِي بِمَا كَسَبَتْ: لِلسَّبَبِيَّةِ، وَمَا: إِمَّا مَوْصُولَةٌ أَوْ مَصْدَرِيَّةٌ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا اللَّامُ مُتَعَلِّقَةٌ بِظَهَرَ، وَهِيَ لَامُ الْعِلَّةِ، أَيْ: لِيُذِيقَهُمْ عِقَابَ بَعْضِ عَمَلِهِمْ، أو جزاء بعض عَمَلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ عَمَّا هُمْ فِيهِ مِنَ الْمَعَاصِي، وَيَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ لَمَّا بَيَّنَ سُبْحَانَهُ ظُهُورَ الْفَسَادِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي الْمُشْرِكِينَ، وَالْعُصَاةِ بَيَّنَ لَهُمْ ضَلَالَ أَمْثَالِهِمْ مِنْ أَهْلِ الزَّمَنِ الْأَوَّلِ، وَأَمَرَهُمْ بِأَنْ يَسِيرُوا لِيَنْظُرُوا آثَارَهُمْ، وَيُشَاهِدُوا كَيْفَ كَانَتْ عَاقِبَتُهُمْ، فَإِنَّ مَنَازِلَهُمْ خَاوِيَةٌ، وَأَرَاضِيَهُمْ مُقْفِرَةٌ مُوحِشَةٌ، كَعَادٍ وَثَمُودَ، وَنَحْوِهِمْ مِنْ طَوَائِفِ الْكُفَّارِ، وَجُمْلَةُ كانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ مُسْتَأْنَفَةٌ لِبَيَانِ الْحَالَةِ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا، وَإِيضَاحِ السَّبَبِ الَّذِي صَارَتْ عَاقِبَتُهُمْ بِهِ إِلَى مَا صَارَتْ إِلَيْهِ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ هَذَا خِطَابٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم وأمته وأسوته فِيهِ، كَأَنَّ الْمَعْنَى: إِذًا قَدْ ظَهَرَ الْفَسَادُ بِالسَّبَبِ الْمُتَقَدِّمِ فَأَقِمْ وَجْهَكَ يَا مُحَمَّدُ إِلَخْ.
قَالَ الزَّجَّاجُ: اجْعَلْ جِهَتَكَ اتِّبَاعَ الدِّينِ الْقَيِّمِ، وَهُوَ الْإِسْلَامُ الْمُسْتَقِيمُ «مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ» يَعْنِي: يَوْمَ الْقِيَامَةِ «لَا مَرَدَّ لَهُ» لَا يَقْدِرُ أَحَدٌ عَلَى رَدِّهِ، وَالْمَرَدُّ: مَصْدَرُ رَدَّ، وَقِيلَ الْمَعْنَى: أَوْضِحِ الْحَقَّ، وَبَالِغْ فِي الأعذار، و «من الله» يتعلق بيأتي، أَوْ بِمَحْذُوفٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ الْمَصْدَرُ، أَيْ: لَا يَرُدُّهُ مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ، وَقِيلَ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى: لَا يَرُدُّهُ اللَّهُ لِتَعَلُّقِ إِرَادَتِهِ الْقَدِيمَةِ بِمَجِيئِهِ، وَفِيهِ مِنَ الضَّعْفِ وَسُوءِ الْأَدَبِ مَعَ اللَّهِ مَا لَا يَخْفَى يَوْمَئِذٍ

نام کتاب : فتح القدير نویسنده : الشوكاني    جلد : 4  صفحه : 263
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست