responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : فتح القدير نویسنده : الشوكاني    جلد : 4  صفحه : 213
مِنَ السَّرْدِ، وَهُوَ الْمُتَابَعَةُ، فَالْمِيمُ زَائِدَةٌ، وَمِنْهُ قول طَرَفَةُ:
لَعَمْرُكَ مَا أَمْرِي عَلَيَّ بِغُمَّةٍ ... نَهَارِي ولا ليلي عليّ بِسَرْمَدِ
وَقِيلَ: إِنَّ مِيمَهُ أَصْلِيَّةٌ، وَوَزْنُهُ فَعْلَلٌ لَا فَعْمَلٌ، وَهُوَ الظَّاهِرُ، بَيَّنَ لَهُمْ سُبْحَانَهُ أَنَّهُ مَهَّدَ لَهُمْ أَسْبَابَ الْمَعِيشَةِ لِيَقُومُوا بِشُكْرِ النِّعْمَةِ. فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ الدَّهْرُ الَّذِي يَعِيشُونَ فِيهِ لَيْلًا دَائِمًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَمْ يَتَمَكَّنُوا مِنَ الْحَرَكَةِ فِيهِ، وَطَلَبِ مَا لَا بُدَّ لَهُمْ مِنْهُ مِمَّا يَقُومُ بِهِ الْعَيْشُ، مِنَ الْمَطَاعِمِ، وَالْمَشَارِبِ، وَالْمَلَابِسِ، ثُمَّ امْتَنَّ عَلَيْهِمْ فَقَالَ:
مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِياءٍ أَيْ: هَلْ لَكُمْ إِلَهٌ مِنَ الْآلِهَةِ الَّتِي تَعْبُدُونَهَا يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَرْفَعَ هَذِهِ الظُّلْمَةَ الدَّائِمَةَ عَنْكُمْ بِضِيَاءٍ، أَيْ: بِنُورٍ تَطْلُبُونَ فِيهِ الْمَعِيشَةَ، وَتُبْصِرُونَ فِيهِ مَا تَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ، وَتَصْلُحُ بِهِ ثِمَارُكُمْ، وَتَنْمُو عِنْدَهُ زَرَائِعُكُمْ، وَتَعِيشُ فِيهِ دَوَابُّكُمْ أَفَلا تَسْمَعُونَ هَذَا الْكَلَامَ سَمَاعَ فَهْمٍ، وَقَبُولٍ، وَتَدَبُّرٍ، وَتَفَكُّرٍ. ثُمَّ لَمَّا فَرَغَ مِنَ الِامْتِنَانِ عَلَيْهِمْ بِوُجُودِ النَّهَارِ، امْتَنَّ عَلَيْهِمْ بِوُجُودِ اللَّيْلِ فَقَالَ: قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهارَ سَرْمَداً إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ أَيْ: جَعَلَ جَمِيعَ الدَّهْرِ الَّذِي تَعِيشُونَ فِيهِ نَهَارًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَيْ: تَسْتَقِرُّونَ فِيهِ مِنَ النَّصَبِ، وَالتَّعَبِ، وَتَسْتَرِيحُونَ مِمَّا تُزَاوِلُونَ مِنْ طَلَبِ الْمَعَاشِ، وَالْكَسْبِ أَفَلا تُبْصِرُونَ هَذِهِ الْمَنْفَعَةَ الْعَظِيمَةَ إِبْصَارَ مُتَّعِظٍ مُتَيَقِّظٍ، حَتَّى تَنْزَجِرُوا عَمَّا أَنْتُمْ فِيهِ مِنْ عِبَادَةِ غَيْرِ اللَّهِ، وَإِذَا أَقَرُّوا بِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ إِلَّا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، فَقَدْ لَزِمَتْهُمُ الْحُجَّةُ، وَبَطَلَ مَا يَتَمَسَّكُونَ بِهِ مِنَ الشُّبَهِ السَّاقِطَةِ، وَإِنَّمَا قَرَنَ سُبْحَانَهُ بِالضِّيَاءِ قَوْلَهُ: أَفَلا تَسْمَعُونَ لِأَنَّ السَّمْعَ يُدْرِكُ مَا لَا يُدْرِكُهُ الْبَصَرُ مِنْ دَرْكِ مَنَافِعِهِ وَوَصْفِ فَوَائِدِهِ، وَقَرَنَ بِاللَّيْلِ قَوْلَهُ: أَفَلا تُبْصِرُونَ لِأَنَّ الْبَصَرَ يُدْرِكُ مَا لَا يُدْرِكُهُ السَّمْعُ مِنْ ذَلِكَ [1] وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ أَيْ: فِي اللَّيْلِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ أَيْ: فِي النَّهَارِ، بِالسَّعْيِ فِي الْمَكَاسِبِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ أَيْ: وَلِكَيْ تَشْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ، وَهَذِهِ الْآيَةُ مِنْ بَابِ اللَّفِّ وَالنَّشْرِ، كَمَا فِي قَوْلِ امْرِئِ الْقَيْسِ:
كَأَنَّ قُلُوبَ الطَّيْرِ رَطْبًا وَيَابِسًا ... لَدَى وَكْرِهَا الْعُنَّابُ وَالْحَشَفُ الْبَالِي
وَاعْلَمْ أَنَّهُ وَإِنْ كَانَ السُّكُونُ فِي النَّهَارِ مُمْكِنًا، وَطَلَبُ الرِّزْقِ فِي اللَّيْلِ مُمْكِنًا، وَذَلِكَ عِنْدَ طُلُوعِ الْقَمَرِ عَلَى الْأَرْضِ، أَوْ عِنْدَ الِاسْتِضَاءَةِ بِشَيْءٍ بِمَا لَهُ نُورٌ كَالسِّرَاجِ، لَكِنَّ ذَلِكَ قَلِيلٌ نَادِرٌ مُخَالِفٌ لِمَا يَأْلَفُهُ الْعِبَادُ، فَلَا اعْتِبَارَ بِهِ وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ كَرَّرَ سُبْحَانَهُ هَذَا لِاخْتِلَافِ الْحَالَتَيْنِ لِأَنَّهُمْ يُنَادَوْنَ مَرَّةً، فَيَدْعُونَ الْأَصْنَامَ، وَيُنَادَوْنَ أُخْرَى، فَيَسْكُتُونَ، وَفِي هَذَا التَّكْرِيرِ أَيْضًا تَقْرِيعٌ بَعْدَ تَقْرِيعٍ، وَتَوْبِيخٌ بَعْدَ تَوْبِيخٍ، وَقَوْلُهُ: وَنَزَعْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَطْفٌ عَلَى يُنَادِي، وَجَاءَ بِصِيغَةِ الْمَاضِي لِلدَّلَالَةِ عَلَى التَّحَقُّقِ، وَالْمَعْنَى: وَأَخْرَجْنَا مِنْ أكل أُمَّةٍ مِنَ الْأُمَمِ شَهِيدًا يَشْهَدُ عَلَيْهِمْ. قَالَ مُجَاهِدٌ: هُمُ الْأَنْبِيَاءُ، وَقِيلَ:
عُدُولُ كُلِّ أُمَّةٍ، والأوّل: أولى.

[1] الصواب: أنه قرن السمع بالليل لأن الليل يتطلب حاسة السمع أكثر من غيرها. وقرن البصر مع النهار لأنه يعتمد على الضياء.
نام کتاب : فتح القدير نویسنده : الشوكاني    جلد : 4  صفحه : 213
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست