responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : فتح القدير نویسنده : الشوكاني    جلد : 4  صفحه : 180
عَلَى أَنَّ الْمَوْصُولَ صِفَةٌ لِلْبَلْدَةِ، وَمَعْنَى «حَرَّمَهَا» جَعَلَهَا حَرَمًا آمِنًا لَا يُسْفَكُ فِيهَا دَمٌ، وَلَا يُظْلَمُ فِيهَا أَحَدٌ، وَلَا يُصْطَادُ صَيْدُهَا، وَلَا يُخْتَلَى خَلَاهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ مِنَ الْأَشْيَاءِ خَلْقًا وَمِلْكًا وَتَصَرُّفًا، أَيْ: وَلِلَّهِ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَيِ: الْمُنْقَادِينَ لِأَمْرِ اللَّهِ الْمُسْتَسْلِمِينَ لَهُ بِالطَّاعَةِ، وَامْتِثَالِ أَمْرِهِ، وَاجْتِنَابِ نَهْيِهِ، وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: «أَنْ أَكُونَ» أَنْ أَثْبُتَ عَلَى مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَنْ أَتْلُوَا الْقُرْآنَ أَيْ: أُدَاوِمَ تِلَاوَتَهُ وَأُوَاظِبَ عَلَى ذَلِكَ. قِيلَ: وَلَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ تِلَاوَةِ الْقُرْآنِ هُنَا إِلَّا تِلَاوَةَ الدَّعْوَةِ إِلَى الْإِيمَانِ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ لِأَنَّ نَفْعَ ذَلِكَ رَاجِعٌ إِلَيْهِ، أَيْ: فَمَنِ اهْتَدَى عَلَى الْعُمُومِ، أَوْ فَمَنِ اهْتَدَى بِمَا أَتْلُوهُ عَلَيْهِ، فَعَمِلَ بِمَا فِيهِ مِنَ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ، وَالْعَمَلِ بشرائعه. قرأ الجمهور وَأَنْ أَتْلُوَا بِإِثْبَاتِ الْوَاوِ بَعْدَ اللَّامِ عَلَى أَنَّهُ مِنَ التِّلَاوَةِ وَهِيَ الْقِرَاءَةُ، أَوْ مِنَ التِّلْوِ، وَهُوَ الِاتِّبَاعُ. وَقَرَأَ عَبْدُ اللَّهِ «وَأَنِ اتْلُ» بِحَذْفِ الواو أمرا له صلّى الله عليه وَسَلَّمَ كَذَا وَجَّهَهُ الْفَرَّاءُ. قَالَ النَّحَّاسُ: وَلَا نَعْرِفُ أَحَدًا قَرَأَ هَذِهِ الْقِرَاءَةَ، وَهِيَ مُخَالِفَةٌ لِجَمِيعِ الْمَصَاحِفِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّما أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ أَيْ: وَمَنْ ضَلَّ بِالْكُفْرِ، وَأَعْرَضَ عَنِ الْهِدَايَةِ، فَقُلْ لَهُ: إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ، وَقَدْ فَعَلْتُ بِإِبْلَاغِ ذَلِكَ إِلَيْكُمْ، وَلَيْسَ عَلَيَّ غَيْرُ ذَلِكَ. وَقِيلَ: الْجَوَابُ مَحْذُوفٌ، أَيْ: فَوَبَالُ ضَلَالِهِ عَلَيْهِ، وَأُقِيمَ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ مَقَامَهُ لِكَوْنِهِ كَالْعِلَّةِ لَهُ وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى نِعَمِهِ الَّتِي أَنْعَمَ بِهَا عَلَيَّ مِنَ النُّبُوَّةِ وَالْعِلْمِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَقَوْلُهُ: سَيُرِيكُمْ آياتِهِ هُوَ مِنْ جُمْلَةِ مَا أُمِرَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَقُولَهُ، أَيْ:
سَيُرِيكُمُ اللَّهُ آيَاتِهِ فِي أَنْفُسِكُمْ، وَفِي غَيْرِكُمْ فَتَعْرِفُونَها أَيْ: تَعْرِفُونَ آيَاتِهِ، وَدَلَائِلَ قُدْرَتِهِ وَوَحْدَانِيَّتِهِ، وَهَذِهِ الْمَعْرِفَةُ لَا تَنْفَعُ الْكُفَّارَ، لِأَنَّهُمْ عَرَفُوهَا حِينَ لَا يُقْبَلُ مِنْهُمُ الْإِيمَانُ، وَذَلِكَ عِنْدَ حُضُورِ الْمَوْتِ. ثُمَّ خَتَمَ السُّورَةَ بِقَوْلِهِ: وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ وَهُوَ كَلَامٌ مِنْ جِهَتِهِ سُبْحَانَهُ، غَيْرُ دَاخِلٍ تَحْتَ الْكَلَامِ الَّذِي أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَقُولَهُ، وَفِيهِ تَرْهِيبٌ شَدِيدٌ، وَتَهْدِيدٌ عَظِيمٌ. قَرَأَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَالشَّامِ وَحَفْصٌ عَنْ عَاصِمٍ «تَعْمَلُونَ» بِالْفَوْقِيَّةِ عَلَى الْخِطَابِ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالتَّحْتِيَّةِ.
وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: داخِرِينَ قَالَ: صَاغِرِينَ.
وَأَخْرَجَ هَؤُلَاءِ عَنْهُ فِي قَوْلِهِ: وَتَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً قَالَ: قَائِمَةً صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ قَالَ: أَحْكَمَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ أَيْضًا فِي قَوْلِهِ: صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ قَالَ: أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ، وَأَوْثَقَهُ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها قَالَ: هِيَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ قَالَ: هِيَ الشِّرْكُ، وَإِذَا صَحَّ هَذَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَالْمَصِيرُ إِلَيْهِ فِي تَفْسِيرِ كَلَامِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ مُتَعَيَّنٌ، وَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ بِحَقِّهَا، وَمَا يَجِبُ لَهَا، فَيَدْخُلُ تَحْتَ ذَلِكَ كُلُّ طَاعَةٍ، وَيَشْهَدُ لَهُ مَا أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْكُنَى عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ:
جَاءَ الْإِيمَانُ وَالشِّرْكُ يَجْثُوَانِ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ، فَيَقُولُ اللَّهُ لِلْإِيمَانِ: انْطَلِقْ أَنْتَ وَأَهْلُكَ إِلَى الْجَنَّةِ، وَيَقُولُ لِلشِّرْكِ: انْطَلِقِ أَنْتَ وَأَهْلُكَ إِلَى النَّارِ، ثُمَّ تَلَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها يعني قول:
لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ يَعْنِي الشِّرْكَ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ» . وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ

نام کتاب : فتح القدير نویسنده : الشوكاني    جلد : 4  صفحه : 180
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست