responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : فتح القدير نویسنده : الشوكاني    جلد : 4  صفحه : 152
عَنِّي، حَتَّى لَا أَنْفَكَّ شَاكِرًا لَكَ، انْتَهَى. قَالَ الْوَاحِدِيُّ: أَوْزِعْنِي أَيْ: أَلْهِمْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ، يُقَالُ: فُلَانٌ مُوزَعٌ بِكَذَا، أَيْ: مُولَعٌ بِهِ، انْتَهَى. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَأَصْلُهُ مِنْ وَزِعَ، فَكَأَنَّهُ قَالَ:
كُفَّنِي عَمَّا يُسْخِطُكَ انْتَهَى. وَالْمَفْعُولُ الثَّانِي لِأَوْزِعْنِي هُوَ: أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ:
إِنَّ مَعْنَى أَوْزِعْنِي: امْنَعْنِي أَنْ أَكْفُرَ نِعْمَتَكَ، وَهُوَ تَفْسِيرٌ بِاللَّازِمِ، وَمَعْنَى وَعَلَى وَالِدَيَّ: الدُّعَاءُ مِنْهُ بِأَنْ يُوزِعَهُ اللَّهُ شُكْرَ نِعْمَتِهِ عَلَى وَالِدَيْهِ، كَمَا أَوْزَعَهُ شُكْرَ نِعْمَتِهِ عَلَيْهِ، فَإِنَّ الْإِنْعَامَ عَلَيْهِمَا إِنْعَامٌ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ يَسْتَوْجِبُ الشُّكْرَ مِنْهُ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ، ثُمَّ طَلَبَ أَنْ يُضِيفَ اللَّهُ لَهُ لَوَاحِقَ نِعَمِهِ إِلَى سَوَابِقِهَا، وَلَا سِيَّمَا النِّعَمُ الدِّينِيَّةُ، فَقَالَ:
وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ أَيْ: عَمَلًا صَالِحًا تَرْضَاهُ مِنِّي، ثُمَّ دَعَا أَنْ يَجْعَلَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ فِي الْآخِرَةِ دَاخِلًا فِي زُمْرَةِ الصَّالِحِينَ، فَإِنَّ ذَلِكَ هُوَ الْغَايَةُ الَّتِي يَتَعَلَّقُ الطَّلَبُ بِهَا، فَقَالَ: وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبادِكَ الصَّالِحِينَ وَالْمَعْنَى: أَدْخِلْنِي فِي جُمْلَتِهِمْ، وَأَثْبِتِ اسْمِي فِي أَسْمَائِهِمْ، وَاحْشُرْنِي فِي زُمْرَتِهِمْ إِلَى دَارِ الصَّالِحِينَ، وَهِيَ الْجَنَّةُ، اللَّهُمَّ وَإِنِّي أَدْعُوكَ بِمَا دَعَاكَ بِهِ هَذَا النَّبِيُّ الْكَرِيمُ فَتَقَبَّلْ ذَلِكَ مِنِّي وَتَفَضَّلْ عَلَيَّ بِهِ، فَإِنِّي وَإِنْ كُنْتُ مُقَصِّرًا فِي الْعَمَلِ فَفَضْلُكَ هُوَ سَبَبُ الْفَوْزِ بِالْخَيْرِ، فَهَذِهِ الْآيَةُ مُنَادِيَةٌ بِأَعْلَى صَوْتٍ، وَأَوْضَحِ بَيَانٍ بِأَنَّ دُخُولَ الْجَنَّةِ الَّتِي هِيَ دَارُ الْمُؤْمِنِينَ بِالتَّفَضُّلِ مِنْكَ، لَا بالعمل منهم كما قال رسولك الصادق المصدوق فِيمَا ثَبَتَ عَنْهُ فِي الصَّحِيحِ «سَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَاعْلَمُوا أَنَّهُ لَنْ يَدْخُلَ أَحَدٌ الْجَنَّةَ بِعَمَلِهِ، قَالُوا: وَلَا أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ وَلَا أَنَا إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِي اللَّهُ بِرَحْمَتِهِ» إذا لَمْ يَكُنْ إِلَّا تَفَضُّلُكَ الْوَاسِعُ فَتَرْكُ طَلَبِهِ مِنْكَ عَجْزٌ، وَالتَّفْرِيطُ فِي التَّوَسُّلِ إِلَيْكَ بِالْإِيصَالِ إِلَيْهِ تَضْيِيعٌ، ثُمَّ شَرَعَ سُبْحَانَهُ فِي ذِكْرِ قِصَّةِ بِلْقِيسَ، وَمَا جَرَى بَيْنَهَا وَبَيْنَ سُلَيْمَانَ، وَذَلِكَ بِدَلَالَةِ الْهُدْهُدِ فَقَالَ: وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ التَّفَقُّدُ: تَطَلُّبُ مَا غَابَ عَنْكَ وَتَعَرُّفُ أَحْوَالِهِ، وَالطَّيْرُ: اسْمُ جِنْسٍ لِكُلِّ مَا يَطِيرُ، وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ تَطَلَّبَ مَا فَقَدَ مِنَ الطَّيْرِ، وَتَعَرَّفَ حَالَ مَا غَابَ مِنْهَا، وَكَانَتِ الطَّيْرُ تَصْحَبُهُ فِي سَفَرِهِ، وَتُظِلُّهُ بِأَجْنِحَتِهَا فَقالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كانَ مِنَ الْغائِبِينَ أَيْ: مَا لِلْهُدْهُدِ لَا أَرَاهُ؟ فَهَذَا الْكَلَامُ مِنَ الْكَلَامِ الْمَقْلُوبِ الَّذِي تَسْتَعْمِلُهُ الْعَرَبُ كَثِيرًا، وَقِيلَ: لَا حَاجَةَ إِلَى ادِّعَاءِ الْقَلْبِ، بَلْ هُوَ اسْتِفْهَامٌ عَنِ الْمَانِعِ لَهُ مِنْ رُؤْيَةِ الْهُدْهُدِ، كَأَنَّهُ قَالَ: مَالِي لَا أَرَاهُ هَلْ ذَلِكَ لِسَاتِرٍ يَسْتُرُهُ عَنِّي، أَوْ لِشَيْءٍ آخَرَ؟ ثُمَّ ظَهَرَ لَهُ أَنَّهُ غَائِبٌ فَقَالَ: أَمْ كَانَ من الغائبين، وأم هِيَ الْمُنْقَطِعَةُ الَّتِي بِمَعْنَى الْإِضْرَابِ، قَرَأَ ابْنُ كثير وابن محيصن وهشام وأيوب «مالي» بفتح الياء، وكذلك قرءوا فِي يس وَما لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي [1] بِفَتْحِ الْيَاءِ وَقَرَأَ بِإِسْكَانِهَا فِي الْمَوْضِعَيْنِ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَيَعْقُوبُ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِفَتْحِ الَّتِي فِي يس، وَإِسْكَانِ الَّتِي هُنَا.
قَالَ أَبُو عَمْرٍو: لِأَنَّ هَذِهِ الَّتِي هُنَا اسْتِفْهَامٌ، وَالَّتِي فِي يس نَفْيٌ، وَاخْتَارَ أَبُو حَاتِمٍ وَأَبُو عُبَيْدٍ الْإِسْكَانَ لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ.
اخْتَلَفُوا فِي هَذَا الْعَذَابِ الشَّدِيدِ مَا هُوَ؟ فَقَالَ مُجَاهِدٌ وَابْنُ جُرَيْجٍ: هُوَ أَنْ يَنْتِفَ رِيشَهُ جميعا. وقال يزيد ابن رُومَانَ: هُوَ أَنْ يَنْتِفَ رِيشَ جَنَاحَيْهِ، وَقِيلَ: هُوَ أَنْ يَحْبِسَهُ مَعَ أَضْدَادِهِ، وَقِيلَ: أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ خِدْمَتِهِ، وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْعُقُوبَةَ عَلَى قَدْرِ الذَّنْبِ، لَا عَلَى قَدْرِ الْجَسَدِ. وَقَوْلُهُ عَذَابًا اسْمُ مَصْدَرٍ أَوْ مصدر على

[1] يس: 22.
نام کتاب : فتح القدير نویسنده : الشوكاني    جلد : 4  صفحه : 152
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست