responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : فتح القدير نویسنده : الشوكاني    جلد : 4  صفحه : 105
مِمَّا يَجِبُ أَنْ تُطْلَبَ وَيُرَغَّبَ فِيهَا، وَالْأَقْرَبُ أَنَّهُمْ سَأَلُوا اللَّهَ أَنْ يُبَلِّغَهُمْ فِي الطَّاعَةِ الْمَبْلَغَ الَّذِي يُشَارُ إِلَيْهِمْ، وَيُقْتَدَى بِهِمْ، وَالْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: أُوْلئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِما صَبَرُوا إِلَى الْمُتَّصِفِينَ بِتِلْكَ الصِّفَاتِ، وَهُوَ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرُهُ مَا بعده، والجملة مُسْتَأْنَفَةٌ. وَقِيلَ: إِنَّ أُوْلئِكَ وَمَا بَعْدَهُ خَبَرٌ لِقَوْلِهِ: وَعِبادُ الرَّحْمنِ كَذَا قَالَ الزَّجَّاجُ، وَالْغُرْفَةُ: الدَّرَجَةُ الرَّفِيعَةُ، وَهِيَ أَعْلَى مَنَازِلِ الْجَنَّةِ وَأَفْضَلُهَا، وَهِيَ فِي الْأَصْلِ لِكُلِّ بِنَاءٍ مُرْتَفِعٍ، وَالْجَمْعُ غُرَفٌ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: الْغُرْفَةُ الْجَنَّةُ، وَالْبَاءُ فِي «بِمَا صَبَرُوا» سَبَبِيَّةٌ، وَمَا مَصْدَرِيَّةٌ، أَيْ: يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِسَبَبِ صَبْرِهِمْ عَلَى مَشَاقِّ التَّكْلِيفِ وَيُلَقَّوْنَ فِيها تَحِيَّةً وَسَلاماً قَرَأَ أَبُو بَكْرٍ وَالْمُفَضَّلُ والأعمش ويحيى ابن وَثَّابٍ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَخَلَفٌ يُلَقَّوْنَ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَسُكُونِ اللَّامِ وَتَخْفِيفِ الْقَافِ، وَاخْتَارَ هَذِهِ الْقِرَاءَةَ الْفَرَّاءُ، قَالَ: لِأَنَّ الْعَرَبَ تَقُولُ: فُلَانٌ يُلْقِي بِالسَّلَامِ وَالتَّحِيَّةِ وَالْخَيْرِ، وَقَلَّ مَا يَقُولُونَ يُلْقِي. وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِضَمِّ الْيَاءِ وَفَتْحِ اللَّامِ وَتَشْدِيدِ الْقَافِ، وَاخْتَارَ هَذِهِ الْقِرَاءَةَ أَبُو عُبَيْدٍ وَأَبُو حَاتِمٍ لِقَوْلِهِ: وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ يُحَيِّي بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَيُرْسِلُ إِلَيْهِمُ الرَّبُّ سُبْحَانَهُ بِالسَّلَامِ، قِيلَ: التَّحِيَّةُ الْبَقَاءُ الدَّائِمُ وَالْمُلْكُ الْعَظِيمُ، وَقِيلَ: هِيَ بِمَعْنَى السَّلَامِ، وَقِيلَ: إِنَّ الْمَلَائِكَةَ تُحَيِّيهِمْ وَتُسَلِّمُ عَلَيْهِمْ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذِهِ التَّحِيَّةَ وَالسَّلَامَ هِيَ مِنَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ لَهُمْ، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ: تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ [1] وَقِيلَ مَعْنَى التَّحِيَّةِ:
الدُّعَاءُ لَهُمْ بِطُولِ الْحَيَاةِ، وَمَعْنَى السَّلَامِ: الدُّعَاءُ لَهُمْ بِالسَّلَامَةِ مِنَ الْآفَاتِ، وَانْتِصَابُ خالِدِينَ فِيها عَلَى الْحَالِ، أَيْ: مُقِيمِينَ فِيهَا مِنْ غَيْرِ مَوْتٍ حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقاماً أَيْ: حَسُنَتِ الْغُرْفَةُ مُسْتَقَرًّا يَسْتَقِرُّونَ فِيهِ، وَمُقَامًا يُقِيمُونَ بِهِ، وَهَذَا فِي مُقَابِلِ مَا تَقَدَّمَ من قوله: ساءت مستقرّا ومقاما قُلْ ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعاؤُكُمْ بَيَّنَ سُبْحَانَهُ أَنَّهُ غَنِيٌّ عَنْ طَاعَةِ الْكُلِّ، وَإِنَّمَا كَلَّفَهُمْ لِيَنْتَفِعُوا بِالتَّكْلِيفِ، يُقَالُ: مَا عَبَأْتُ بِفُلَانٍ، أَيْ: مَا بَالَيْتُ بِهِ، وَلَا لَهُ عِنْدِي قَدْرٌ، وَأَصْلُ يَعْبَأُ مِنَ الْعِبْءِ، وَهُوَ الثِّقَلُ. قَالَ الْخَلِيلُ: مَا أَعْبَأُ بِفُلَانٍ: أَيْ: مَا أَصْنَعُ بِهِ كَأَنَّهُ يَسْتَقِلُّهُ وَيَسْتَحْقِرُهُ، وَيَدَّعِي أَنَّ وُجُودَهُ وَعَدَمَهُ سَوَاءٌ، وَكَذَا قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ.
قَالَ الزَّجَّاجُ: ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي. يُرِيدُ: أَيُّ وَزْنٍ يَكُونُ لَكُمْ عنده. والعبء: الثقل، وما اسْتِفْهَامِيَّةٌ أَوْ نَافِيَةٌ، وَصَرَّحَ الْفَرَّاءُ بِأَنَّهَا اسْتِفْهَامِيَّةٌ. قَالَ ابْنُ الشَّجَرِيِّ: وَحَقِيقَةُ الْقَوْلِ عِنْدِي أَنَّ مَوْضِعَ مَا نَصْبٌ وَالتَّقْدِيرُ: أَيُّ عِبْءٍ يَعْبَأُ بِكُمْ، أَيْ: أَيُّ مُبَالَاةٍ يُبَالِي بِكُمْ لَوْلا دُعاؤُكُمْ أَيْ: لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ إِيَّاهُ لِتَعْبُدُوهُ، وَعَلَى هَذَا فَالْمَصْدَرُ الَّذِي هُوَ الدُّعَاءُ مُضَافٌ إِلَى مَفْعُولِهِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْفَرَّاءِ، وَفَاعِلُهُ مَحْذُوفٌ، وَجَوَابُ لَوْلَا مَحْذُوفٌ، تَقْدِيرُهُ: لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ لَمْ يَعْبَأْ بِكُمْ، وَيُؤَيِّدُ هَذَا قَوْلُهُ: وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [2] وَالْخِطَابُ لِجَمِيعِ النَّاسِ، ثُمَّ خَصَّ الْكُفَّارَ مِنْهُمْ فَقَالَ: فَقَدْ كَذَّبْتُمْ وَقَرَأَ ابْنُ الزُّبَيْرِ «فَقَدْ كَذَّبَ الْكَافِرُونَ» وَفِي هَذِهِ الْقِرَاءَةِ دَلِيلٌ بَيِّنٌ عَلَى أَنَّ الْخِطَابَ لِجَمِيعِ النَّاسِ. وَقِيلَ: إِنَّ الْمَصْدَرَ مُضَافٌ إِلَى الْفَاعِلِ، أَيْ: لَوْلَا اسْتِغَاثَتُكُمْ إِلَيْهِ فِي الشَّدَائِدِ. وَقِيلَ الْمَعْنَى: مَا يَعْبَأُ بِكُمْ، أَيْ: بِمَغْفِرَةِ ذُنُوبِكُمْ لَوْلَا دُعَاؤُكُمُ الْآلِهَةَ مَعَهُ. وَحَكَى ابْنُ جِنِّي أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَرَأَ كَقِرَاءَةِ ابْنِ الزُّبَيْرِ. وَحَكَى الزَّهْرَاوِيُّ وَالنَّحَّاسُ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ قَرَأَ كَقِرَاءَتِهِمَا، وَمِمَّنْ قَالَ بأن الدعاء مضاف إلى الفاعل القتبي والفارسي قالا: والأصل لولا دعاؤكم آلهة من دونه،

[1] الأحزاب: 44.
[2] الذاريات: 56.
نام کتاب : فتح القدير نویسنده : الشوكاني    جلد : 4  صفحه : 105
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست