responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : فتح القدير نویسنده : الشوكاني    جلد : 3  صفحه : 57
قَوْلُهُ: قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً أَيْ زَيَّنَتْ، وَالْأَمْرُ هُنَا قَوْلُهُمْ: إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ [1] وَمَا سَرَقَ فِي الْحَقِيقَةِ وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالْأَمْرِ إِخْرَاجُهُمْ بِنْيَامِينَ، وَالْمُضِيُّ بِهِ إِلَى مِصْرَ طَلَبًا لِلْمَنْفَعَةِ فَعَادَ ذَلِكَ بِالْمَضَرَّةِ وَقِيلَ: التَّسْوِيلُ: التَّخْيِيلُ، أَيْ: خَيَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا لَا أَصْلَ لَهُ وَقِيلَ: الْأَمْرُ الَّذِي سَوَّلَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ فُتَيَاهُمْ بِأَنَّ السَّارِقَ يُؤْخَذُ بِسَرِقَتِهِ، وَالْإِضْرَابُ هُنَا هُوَ بِاعْتِبَارِ مَا أَثْبَتُوهُ مِنَ الْبَرَاءَةِ لِأَنْفُسِهِمْ، لَا بِاعْتِبَارِ أَصْلِ الْكَلَامِ فَإِنَّهُ صَحِيحٌ، وَالْجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ مَبْنِيَّةٌ عَلَى سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ كَغَيْرِهَا، وَجُمْلَةُ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، أَوْ مُبْتَدَأٌ خبره محذوف أي: فأمري صبر جميل، أو فصبر جَمِيلٌ أَجْمَلُ بِي وَأَوْلَى لِي، وَالصَّبْرُ الْجَمِيلُ هُوَ الَّذِي لَا يَبُوحُ صَاحِبُهُ بِالشَّكْوَى، بَلْ يُفَوِّضُ أَمْرَهُ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَرْجِعُ، وَقَدْ وَرَدَ أَنَّ «الصَّبْرَ عِنْدَ أَوَّلِ الصَّدْمَةِ» . عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً أَيْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ بِنْيَامِينَ، وَالْأَخِ الثَّالِثِ الْبَاقِي بِمِصْرَ، وَهُوَ كَبِيرُهُمْ كَمَا تَقَدَّمَ، وَإِنَّمَا قَالَ هَكَذَا لِأَنَّهُ قَدْ كَانَ عِنْدَهُ أَنَّ يُوسُفَ لَمْ يَمُتْ، وَأَنَّهُ بَاقٍ عَلَى الْحَيَاةِ وَإِنْ غَابَ عَنْهُ خَبَرُهُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ بِحَالِي الْحَكِيمُ فِيمَا يَقْضِي بِهِ وَتَوَلَّى عَنْهُمْ أَيْ أَعْرَضَ عَنْهُمْ، وَقَطَعَ الكلام معهم وَقالَ يا أَسَفى عَلى يُوسُفَ. قَالَ الزَّجَّاجُ: الْأَصْلُ يَا أَسَفِي، فَأُبْدِلَ مِنَ الْيَاءِ أَلِفًا لِخِفَّةِ الْفَتْحَةِ، وَالْأَسَفُ: شِدَّةُ الْجَزَعِ وَقِيلَ: شِدَّةُ الْحُزْنِ، وَمِنْهُ قَوْلُ كُثَيِّرٍ:
فَيَا أَسَفَا لِلْقَلْبِ كَيْفَ انْصِرَافُهُ ... وَلِلنَّفْسِ لَمَّا سُلِّيَتْ فَتَسَلَّتِ
قَالَ يَعْقُوبُ هَذِهِ الْمَقَالَةَ لَمَّا بَلَغَ مِنْهُ الْحُزْنُ غَايَةً مُبَالَغَةً بِسَبَبِ فِرَاقِهِ لِيُوسُفَ، وَانْضِمَامِ فِرَاقِهِ لِأَخِيهِ بِنْيَامِينَ، وَبُلُوغِ مَا بَلَغَهُ مِنْ كَوْنِهِ أَسِيرًا عِنْدَ مَلِكِ مِصْرَ، فَتَضَاعَفَتْ أَحْزَانُهُ، وَهَاجَ عَلَيْهِ الْوَجْدُ الْقَدِيمُ بما أثاره من الخبر لأخيه. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّ يَعْقُوبَ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مَا ثَبَتَ فِي شَرِيعَتِنَا مِنَ الِاسْتِرْجَاعِ وَالصَّبْرِ عَلَى الْمَصَائِبِ، وَلَوْ كَانَ عِنْدَهُ ذَلِكَ لَمَا قَالَ: يَا أَسَفَا عَلَى يُوسُفَ. وَمَعْنَى الْمُنَادَاةِ لِلْأَسَفِ طَلَبُ حُضُورِهِ، كَأَنَّهُ قَالَ: تَعَالَ يَا أَسَفِي وَأَقْبِلْ إِلَيَّ، وَابْيَضَّتْ عَيْناهُ مِنَ الْحُزْنِ أَيِ انْقَلَبَ سَوَادُ عَيْنَيْهِ بَيَاضًا مِنْ كَثْرَةِ الْبُكَاءِ. قِيلَ: إِنَّهُ زَالَ إِدْرَاكُهُ بِحَاسَّةِ الْبَصَرِ بِالْمَرَّةِ، وَقِيلَ: كَانَ يُدْرِكُ إِدْرَاكًا ضَعِيفًا. وَقَدْ قِيلَ فِي تَوْجِيهِ مَا وَقَعَ مِنْ يَعْقُوبَ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْ هَذَا الْحُزْنِ الْعَظِيمِ الْمُفْضِي إِلَى ذَهَابِ بَصَرِهِ كُلًّا أَوْ بَعْضًا بِأَنَّهُ إِنَّمَا وَقَعَ مِنْهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ عَلِمَ أَنَّ يُوسُفَ حَيٌّ، فَخَافَ عَلَى دِينِهِ مَعَ كَوْنِهِ بِأَرْضِ مِصْرَ وَأَهْلُهَا حِينَئِذٍ كَفَّارٌ وَقِيلَ: إِنَّ مُجَرَّدَ الْحُزْنِ لَيْسَ بِمُحَرَّمٍ، وَإِنَّمَا الْمُحَرَّمُ مَا يُفْضِي مِنْهُ إِلَى الْوَلَهِ وَشَقِّ الثِّيَابِ وَالتَّكَلُّمِ بِمَا لَا يَنْبَغِي، وقد قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ مَوْتِ وَلَدِهِ إِبْرَاهِيمَ: «تَدْمَعُ الْعَيْنُ، وَيَحْزَنُ الْقَلْبُ، وَلَا نَقُولُ مَا يُسْخِطُ الرَّبَّ، وإنّا عليك يا إبراهيم لمحزونون» [2] . وَيُؤَيِّدُ هَذَا قَوْلُهُ: فَهُوَ كَظِيمٌ أَيْ مَكْظُومٌ، فَإِنَّ مَعْنَاهُ: أَنَّهُ مَمْلُوءٌ مِنَ الْحُزْنِ مُمْسِكٌ له لا

[1] يوسف: 81.
[2] حديث رواه البخاري من حديث أنس.
نام کتاب : فتح القدير نویسنده : الشوكاني    جلد : 3  صفحه : 57
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست