responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : فتح القدير نویسنده : الشوكاني    جلد : 3  صفحه : 557
كلّفهم بما يَقْدِرُونَ عَلَيْهِ، وَرَفَعَ عَنْهُمُ التَّكَالِيفَ الَّتِي فِيهَا حَرَجٌ، فَلَمْ يَتَعَبَّدْهُمْ بِهَا كَمَا تَعَبَّدَ بِهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ.
وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِذَلِكَ أَنَّهُ جَعَلَ لَهُمْ مِنَ الذَّنْبِ مَخْرَجًا بِفَتْحِ بَابِ التَّوْبَةِ وقبول الاستغفار وَالتَّكْفِيرِ فِيمَا شَرَعَ فِيهِ الْكَفَّارَةَ وَالْأَرْشَ [1] ، أَوِ الْقِصَاصَ فِي الْجِنَايَاتِ، وَرَدَّ الْمَالِ أَوْ مِثْلِهِ أَوْ قِيمَتِهِ فِي الْغَصْبِ وَنَحْوِهِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْآيَةَ أَعَمُّ مِنْ هَذَا كُلِّهِ، فَقَدْ حَطَّ سُبْحَانَهُ مَا فِيهِ مَشَقَّةٌ مِنَ التَّكَالِيفِ عَلَى عِبَادِهِ، إِمَّا بِإِسْقَاطِهَا مِنَ الْأَصْلِ وَعَدَمِ التَّكْلِيفِ بِهَا كَمَا كَلَّفَ بِهَا غَيْرَهُمْ، أَوْ بِالتَّخْفِيفِ وَتَجْوِيزِ الْعُدُولِ إِلَى بَدَلٍ لَا مَشَقَّةَ فِيهِ، أَوْ بِمَشْرُوعِيَّةِ التَّخَلُّصِ عَنِ الذَّنْبِ بِالْوَجْهِ الَّذِي شَرَعَهُ اللَّهُ، وَمَا أَنْفَعَ هَذِهِ الْآيَةَ وَأَجَلَّ مَوْقِعَهَا وَأَعْظَمَ فَائِدَتَهَا، وَمِثْلُهَا قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ:
فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [2] وَقَوْلُهُ: يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ [3] وَقَوْلُهُ: رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ [4] وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ قَالَ: «قَدْ فَعَلْتُ» كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ، وَالْأَحَادِيثُ فِي هَذَا كَثِيرَةٌ، وَانْتِصَابُ مِلَّةَ فِي مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ عَلَى الْمَصْدَرِيَّةِ بِفِعْلٍ دَلَّ عَلَيْهِ مَا قَبْلَهُ، أَيْ: وَسَّعَ عَلَيْكُمْ دِينَكُمْ تَوْسِعَةَ مِلَّةِ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: الْمَعْنَى اتَّبِعُوا مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: انْتَصَبَ عَلَى تَقْدِيرِ حَذْفِ الْكَافِ، أَيْ: كَمِلَّةِ. وَقِيلَ: التَّقْدِيرُ: وَافْعَلُوا الْخَيْرَ كَفِعْلِ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ، فَأَقَامَ الْمِلَّةَ مَقَامَ الْفِعْلِ، وَقِيلَ: عَلَى الْإِغْرَاءِ، وَقِيلَ: عَلَى الِاخْتِصَاصِ، وَإِنَّمَا جَعَلَهُ سُبْحَانَهُ أَبَاهُمْ لِأَنَّهُ أَبُو الْعَرَبِ قَاطِبَةً، وَلِأَنَّ لَهُ عِنْدَ غَيْرِ الْعَرَبِ الَّذِينَ لَمْ يَكُونُوا مِنْ ذُرِّيَّتِهِ حُرْمَةً عَظِيمَةً كَحُرْمَةِ الْأَبِ عَلَى الِابْنِ لِكَوْنِهِ أبا لنبيهم صلّى الله عليه وَسَلَّمَ: هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ أَيْ: فِي الْكُتُبِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَفِي هَذَا أَيِ: الْقُرْآنِ، وَالضَّمِيرُ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ، وَقِيلَ: رَاجِعٌ إِلَى إِبْرَاهِيمَ. وَالْمَعْنَى هُو: أَيْ إِبْرَاهِيمُ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قبل النبي صلّى الله عليه وَسَلَّمَ، «وَفِي هَذَا» أَيْ: فِي حُكْمِهِ أَنَّ مَنِ اتَّبَعَ مُحَمَّدًا فَهُوَ مُسْلِمٌ. قَالَ النَّحَّاسُ: وَهَذَا الْقَوْلُ مُخَالِفٌ لِقَوْلِ عُلَمَاءِ الْأُمَّةِ. ثُمَّ عَلَّلَ سُبْحَانَهُ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ:
لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ أَيْ: بِتَبْلِيغِهِ إِلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ أَنَّ رُسُلَهُمْ قَدْ بَلَّغَتْهُمْ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ مَعْنَى هَذِهِ الْآيَةِ فِي الْبَقَرَةِ. ثُمَّ أَمَرَهُمْ بِمَا هُوَ أَعْظَمُ الْأَرْكَانِ الْإِسْلَامِيَّةِ فَقَالَ: فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَتَخْصِيصُ الْخَصْلَتَيْنِ بِالذِّكْرِ لِمَزِيدِ شَرَفِهِمَا وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ أَيِ: اجْعَلُوهُ عِصْمَةً لَكُمْ مِمَّا تَحْذَرُونَ، وَالْتَجِئُوا إِلَيْهِ فِي جَمِيعِ أُمُورِكُمْ، وَلَا تَطْلُبُوا ذَلِكَ إِلَّا مِنْهُ هُوَ مَوْلاكُمْ أَيْ: نَاصِرُكُمْ وَمُتَوَلِّي أُمُورِكُمْ دَقِيقِهَا وَجَلِيلِهَا فَنِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ أَيْ: لَا مُمَاثِلَ لَهُ فِي الْوِلَايَةِ لِأُمُورِكُمْ وَالنُّصْرَةِ عَلَى أَعْدَائِكُمْ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ «اعْتَصِمُوا بِاللَّهِ» : تَمَسَّكُوا بِدِينِ اللَّهِ، وَقِيلَ: ثِقُوا بِهِ تَعَالَى.
وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: يا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ قَالَ: نَزَلَتْ فِي صَنَمٍ.
وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ قَالَ: الطَّالِبُ آلِهَتُهُمْ، وَالْمَطْلُوبُ الذُّبَابُ.
وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عِكْرِمَةَ فِي قَوْلِهِ: لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ قَالَ: لَا تَسْتَنْقِذُ الْأَصْنَامُ ذَلِكَ الشَّيْءَ مِنَ الذُّبَابِ. وأخرج الحاكم وصحّحه عَنْهُ أَيْضًا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم: «إنّ الله اصطفى موسى

[1] «الأرش» : دية الجراحة.
[2] التغابن: 16.
[3] البقرة: 185.
[4] البقرة: 286.
نام کتاب : فتح القدير نویسنده : الشوكاني    جلد : 3  صفحه : 557
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست