responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : فتح القدير نویسنده : الشوكاني    جلد : 3  صفحه : 528
قَوْلُهُ: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ عَطَفَ الْمُضَارِعَ عَلَى الْمَاضِي لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُضَارِعِ مَا مَضَى مِنَ الصَّدِّ، وَمِثْلُ هَذَا قَوْلُهُ: الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [1] ، أَوِ الْمُرَادُ بِالصَّدِّ هَاهُنَا الِاسْتِمْرَارُ لَا مُجَرَّدُ الِاسْتِقْبَالِ، فَصَحَّ بِذَلِكَ عَطْفُهُ عَلَى الْمَاضِي، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْوَاوُ فِي وَيَصُدُّونَ وَاوَ الْحَالِ، أَيْ: كَفَرُوا وَالْحَالُ أَنَّهُمْ يَصُدُّونَ. وَقِيلَ: الْوَاوُ زَائِدَةٌ، وَالْمُضَارِعُ خَبَرُ إِنَّ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَدَّرَ خَبَرُ إِنَّ بَعْدَ قَوْلِهِ: وَالْبادِ وَذَلِكَ نَحْوَ خَسِرُوا أَوْ هَلَكُوا. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: إِنَّ الْخَبَرَ: نذقه مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ. وَرُدَّ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ خبرا لأن لم يجزم، وأيضا لَوْ كَانَ خَبَرًا لِإِنَّ لَبَقِيَ الشَّرْطُ وَهُوَ وَمَنْ يُرِدْ بِغَيْرِ جَوَابٍ فَالْأَوْلَى أَنَّهُ مَحْذُوفٌ كما ذكرنا. والمراد بالصدّ المنع، وبسبيل اللَّهِ: دِينُهُ، أَيْ: يَمْنَعُونَ مِنْ أَرَادَ الدُّخُولَ فِي دِينِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، مَعْطُوفٌ عَلَى سَبِيلِ اللَّهِ. قِيلَ: الْمُرَادُ بِهِ الْمَسْجِدُ نَفْسُهُ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ هَذَا النَّظْمِ الْقُرْآنِيِّ، وَقِيلَ: الْحَرَمُ كُلُّهُ لِأَنَّ الْمُشْرِكِينَ صَدُّوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ عنه يَوْمِ الْحُدَيْبِيَةِ وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِهِ مَكَّةُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: الَّذِي جَعَلْناهُ لِلنَّاسِ سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ أَيْ: جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ عَلَى الْعُمُومِ يُصَلُّونَ فِيهِ وَيَطُوفُونَ بِهِ مُسْتَوِيًا فِيهِ الْعَاكِفُ، وَهُوَ الْمُقِيمُ فِيهِ الْمُلَازِمُ لَهُ، وَالْبَادِ: أَيِ الْوَاصِلُ مِنَ الْبَادِيَةِ، وَالْمُرَادُ بِهِ الطَّارِئُ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ كَوْنِهِ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِمْ. وَانْتِصَابُ سَوَاءً عَلَى أَنَّهُ الْمَفْعُولُ الثَّانِي لِجَعَلْنَاهُ، وَهُوَ بِمَعْنَى مُسْتَوِيًا، وَالْعَاكِفُ مُرْتَفِعٌ بِهِ، وُصِفَ الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ بِذَلِكَ لِزِيَادَةِ التَّقْرِيعِ وَالتَّوْبِيخِ لِلصَّادِّينَ عَنْهُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ انْتِصَابُ سَواءً عَلَى الْحَالِ. وَهَذَا عَلَى قِرَاءَةِ النَّصْبِ، وَبِهَا قَرَأَ حَفْصٌ عَنْ عَاصِمٍ، وَهِيَ قِرَاءَةُ الْأَعْمَشِ، وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ بِرَفْعِ سَوَاءٌ عَلَى أَنَّهُ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرُهُ الْعاكِفُ أَوْ عَلَى أَنَّهُ خَبَرٌ مُقَدَّمٌ، وَالْمُبْتَدَأُ الْعاكِفُ أَيِ: الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِي سَوَاءٌ، وَقُرِئَ بِنَصْبِ سَواءً وَجَرِّ الْعَاكِفِ عَلَى أَنَّهُ صِفَةٌ لِلنَّاسِ، أَيْ: جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ الْعَاكِفِ وَالْبَادِي سَوَاءً، وَأَثْبَتَ الْيَاءَ فِي «الْبَادِي» ابْنُ كَثِيرٍ وَصْلًا وَوَقْفًا، وَحَذَفَهَا أَبُو عَمْرٍو فِي الْوَقْفِ، وَحَذَفَهَا نَافِعٌ فِي الْوَصْلِ وَالْوَقْفِ. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ:
وَأَجْمَعَ النَّاسُ عَلَى الِاسْتِوَاءِ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ نَفْسَهُ.
وَاخْتَلَفُوا فِي مَكَّةَ فَذَهَبَ مُجَاهِدٌ وَمَالِكٌ إِلَى أَنَّ دُورَ مَكَّةَ وَمَنَازِلَهَا يَسْتَوِي فِيهَا الْمُقِيمُ وَالطَّارِئُ. وَذَهَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَجَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّ لِلْقَادِمِ أَنْ يَنْزِلَ حَيْثُ وَجَدَ، وَعَلَى رَبِّ الْمَنْزِلِ أَنْ يُؤْوِيِهِ شَاءَ أَمْ أَبَى. وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّ دُورَ مَكَّةَ وَمَنَازِلَهَا لَيْسَتْ كَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَلِأَهْلِهَا مَنْعُ الطَّارِئِ مِنَ النُّزُولِ فِيهَا. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْكَلَامَ فِي هَذَا رَاجِعٌ إِلَى أَصْلَيْنِ: الْأَصْلُ الْأَوَّلُ: مَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ هَلِ الْمُرَادُ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الْمَسْجِدُ نَفْسُهُ، أَوْ جَمِيعُ الْحَرَمِ، أَوْ مَكَّةُ عَلَى الْخُصُوصِ؟ وَالثَّانِي: هَلْ كَانَ فَتْحُ مَكَّةَ صُلْحًا أَوْ عَنْوَةً؟ وَعَلَى فَرْضِ أَنَّ فَتْحَهَا كَانَ عَنْوَةً هَلْ أَقَرَّهَا النبيّ صلّى الله عليه وَسَلَّمَ فِي يَدِ أَهْلِهَا عَلَى الْخُصُوصِ؟ أَوْ جَعَلَهَا لِمَنْ نَزَلَ بِهَا عَلَى الْعُمُومِ؟
وَقَدْ أَوْضَحْنَا هَذَا فِي شَرْحِنَا عَلَى «الْمُنْتَقَى» بِمَا لَا يَحْتَاجُ النَّاظِرُ فِيهِ إِلَى زِيَادَةٍ. وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ

[1] النحل: 88.
نام کتاب : فتح القدير نویسنده : الشوكاني    جلد : 3  صفحه : 528
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست