responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : فتح القدير نویسنده : الشوكاني    جلد : 3  صفحه : 508
بَعْضُ أَجْزَائِهَا، وَبِهِ يَتَعَلَّقُ الطَّيُّ حَقِيقَةً. وَأَمَّا عَلَى الْقِرَاءَةِ الثَّانِيَةِ فَالْكِتَابُ مَصْدَرٌ، وَاللَّامُ لِلتَّعْلِيلِ، أَيْ: كَمَا يُطْوَى الطُّومَارُ لِلْكِتَابَةِ، أَيْ: لِيُكْتَبَ فِيهِ، أَوْ لِمَا يُكْتَبُ فِيهِ مِنَ الْمَعَانِي الْكَثِيرَةِ، وَهَذَا عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالطَّيِّ الْمَعْنَى الْأَوَّلُ، وَهُوَ ضِدُّ النَّشْرِ. كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ أَيْ: كَمَا بَدَأْنَاهُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِهِمْ، وَأَخْرَجْنَاهُمْ إِلَى الْأَرْضِ حُفَاةً عُرَاةً غرلا، كذلك نعيدهم يوم القيامة، ف «أول خَلْقٍ» مَفْعُولُ «نُعِيدُ» مُقَدَّرًا يُفَسِّرُهُ نُعِيدُهُ الْمَذْكُورُ، أو مفعول ل «بدأنا» ، و «ما» كَافَّةٌ أَوْ مَوْصُولَةٌ، وَالْكَافُ مُتَعَلِّقَةٌ بِمَحْذُوفٍ، أَيْ:
نُعِيدُ مِثْلَ الَّذِي بَدَأْنَاهُ نُعِيدُهُ، وَعَلَى هَذَا الوجه يكون أوّل ظرف لبدأنا، أو حال، وَإِنَّمَا خَصَّ أَوَّلَ الْخَلْقِ بِالذِّكْرِ تَصْوِيرًا لِلْإِيجَادِ عَنِ الْعَدَمِ، وَالْمَقْصُودُ بَيَانُ صِحَّةِ الْإِعَادَةِ بِالْقِيَاسِ عَلَى الْمَبْدَأِ لِشُمُولِ الْإِمْكَانِ الذَّاتِيِّ لَهُمَا وَقِيلَ:
مَعْنَى الْآيَةِ: نُهْلِكُ كُلَّ نَفْسٍ كَمَا كَانَ أَوَّلَ مَرَّةٍ، وَعَلَى هَذَا فَالْكَلَامُ مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ: يَوْمَ نَطْوِي السَّماءَ وَقِيلَ: الْمَعْنَى نُغَيِّرُ السَّمَاءَ، ثُمَّ نُعِيدُهَا مَرَّةً أُخْرَى بَعْدَ طَيِّهَا وَزَوَالِهَا، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، وَهُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ: وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ [1] ، ثُمَّ قَالَ سُبْحَانَهُ: وَعْداً عَلَيْنا إِنَّا كُنَّا فاعِلِينَ انْتِصَابُ «وَعْدًا» عَلَى أَنَّهُ مَصْدَرٌ، أَيْ: وَعَدْنَا وَعْدًا عَلَيْنَا إِنْجَازُهُ وَالْوَفَاءُ بِهِ. وَهُوَ الْبَعْثُ وَالْإِعَادَةُ، ثُمَّ أَكَّدَ سُبْحَانَهُ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: إِنَّا كُنَّا فاعِلِينَ. قَالَ الزَّجَّاجُ: مَعْنَى إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ: إِنَّا كُنَّا قَادِرِينَ عَلَى مَا نَشَاءُ وَقِيلَ إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ مَا وَعَدْنَاكُمْ، ومثله قوله: كانَ وَعْدُهُ مَفْعُولًا [2] - وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ الزُّبُرُ فِي الْأَصْلِ الْكُتُبُ، يُقَالُ زَبَرْتُ: أَيْ كَتَبْتُ، وَعَلَى هَذَا يَصِحُّ إِطْلَاقُ الزَّبُورِ عَلَى التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ، وَعَلَى كِتَابِ دَاوُدَ الْمُسَمَّى بِالزَّبُورِ، وَقِيلَ الْمُرَادُ بِهِ هُنَا كِتَابُ دَاوُدَ، وَمَعْنَى مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَيِ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ، وَقِيلَ هُوَ التَّوْرَاةُ: أَيْ والله لقد كَتَبْنَا فِي كِتَابِ دَاوُدَ مِنْ بَعْدِ مَا كَتَبْنَا فِي التَّوْرَاةِ أَوْ مِنْ بَعْدِ مَا كَتَبْنَا فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ. قال الزجاج: الزبور جميع الْكُتُبِ: التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ وَالْقُرْآنُ، لِأَنَّ الزَّبُورَ وَالْكِتَابَ فِي مَعْنًى وَاحِدٍ، يُقَالُ زَبَرْتُ وَكَتَبْتُ، وَيُؤَيِّدُ مَا قَالَهُ قِرَاءَةُ حَمْزَةَ فِي الزُّبُورِ بِضَمِّ الزَّايِ، فَإِنَّهُ جَمْعُ زُبُرٍ.
وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي مَعْنَى يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ فَقِيلَ: الْمُرَادُ أَرْضُ الْجَنَّةِ، وَاسْتَدَلَّ الْقَائِلُونَ بِهَذَا بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ [3] وَقِيلَ: هِيَ الْأَرْضُ الْمُقَدَّسَةُ، وَقِيلَ:
هِيَ أَرْضُ الْأُمَمِ الْكَافِرَةِ يَرِثُهَا نَبِيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأُمَّتُهُ بِفَتْحِهَا، وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِذَلِكَ بَنُو إِسْرَائِيلَ، بِدَلِيلِ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ:
وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشارِقَ الْأَرْضِ وَمَغارِبَهَا الَّتِي بارَكْنا فِيها [4] وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا تَبْشِيرٌ لِأُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ بِوِرَاثَةِ أَرْضِ الْكَافِرِينَ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ. وَقَرَأَ حَمْزَةُ عِبَادِي بِتَسْكِينِ الْيَاءِ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِتَحْرِيكِهَا. إِنَّ فِي هَذَا لَبَلاغاً أَيْ: فِيمَا جَرَى ذِكْرُهُ فِي هَذِهِ السُّورَةِ مِنَ الْوَعْظِ وَالتَّنْبِيهِ لَبَلَاغًا لَكِفَايَةً، يُقَالُ: فِي هَذَا الشَّيْءِ بلاغ وبلغة وتبلغ، أَيْ: كِفَايَةٌ، وَقِيلَ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: إِنَّ فِي هَذَا إِلَى الْقُرْآنِ لِقَوْمٍ عابِدِينَ أَيْ: مَشْغُولِينَ بِعِبَادَةِ اللَّهِ مُهْتَمِّينَ بِهَا، وَالْعِبَادَةُ: هِيَ الْخُضُوعُ وَالتَّذَلُّلُ، وَهُمْ أُمَّةُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرَأَسُ الْعِبَادَةِ الصَّلَاةُ. وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ أَيْ: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ يَا مُحَمَّدُ

[1] الأنعام: 94.
[2] المزمل: 18.
[3] الزمر: 74.
[4] الأعراف: 137.
نام کتاب : فتح القدير نویسنده : الشوكاني    جلد : 3  صفحه : 508
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست