responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : فتح القدير نویسنده : الشوكاني    جلد : 3  صفحه : 469
غَفْلَةٍ بِالدُّنْيَا مُعْرِضُونَ عَنِ الْآخِرَةِ، غَيْرُ مُتَأَهِّبِينَ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ مِنَ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ، وَالْقِيَامِ بِفَرَائِضِهِ، وَالِانْزِجَارِ عَنْ مَنَاهِيهِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ مِنْ لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ، وَقَدِ اسْتُدِلَّ بِوَصْفِ الذِّكْرِ لِكَوْنِهِ مُحْدَثًا عَلَى أَنَّ الْقُرْآنَ مُحْدَثٌ لِأَنَّ الذِّكْرَ هُنَا هُوَ الْقُرْآنُ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا نِزَاعَ فِي حُدُوثِ الْمُرَكَّبِ مِنَ الْأَصْوَاتِ وَالْحُرُوفِ لِأَنَّهُ مُتَجَدِّدٌ فِي النُّزُولِ. فَالْمَعْنَى مُحْدَثٌ تَنْزِيلُهُ، وَإِنَّمَا النِّزَاعُ فِي الْكَلَامِ النَّفْسِيِّ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ:
أَعْنِي قِدَمَ الْقُرْآنِ وَحُدُوثَهُ قَدِ ابْتُلِيَ بِهَا كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْفَضْلِ فِي الدَّوْلَةِ الْمَأْمُونِيَّةِ وَالْمُعْتَصِمِيَّةِ وَالْوَاثِقِيَّةِ، وَجَرَى لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ مَا جَرَى مِنَ الضَّرْبِ الشَّدِيدِ وَالْحَبْسِ الطَّوِيلِ، وَضُرِبَ بِسَبَبِهَا عُنُقُ مُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ الْخُزَاعِيِّ، وَصَارَتْ فِتْنَةٌ عَظِيمَةٌ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَمَا بَعْدَهُ، وَالْقِصَّةُ أَشْهَرُ مِنْ أَنْ تُذْكَرَ، وَمَنْ أَحَبَّ الْوُقُوفَ عَلَى حَقِيقَتِهَا طَالَعَ تَرْجَمَةَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ فِي كِتَابِ «النُّبَلَاءِ» لِمُؤَرِّخِ الْإِسْلَامِ الذَّهَبِيِّ. وَلَقَدْ أَصَابَ أَئِمَّةُ السُّنَّةِ بِامْتِنَاعِهِمْ مِنَ الْإِجَابَةِ إِلَى الْقَوْلِ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ وَحُدُوثِهِ، وَحَفِظَ اللَّهُ بِهِمْ أُمَّةَ نَبِيِّهِ عَنِ الِابْتِدَاعِ، وَلَكِنَّهُمْ رَحِمَهُمُ اللَّهُ جَاوَزُوا ذَلِكَ إِلَى الْجَزْمِ بِقِدَمِهِ وَلَمْ يَقْتَصِرُوا عَلَى ذَلِكَ حَتَّى كَفَّرُوا مَنْ قَالَ بِالْحُدُوثِ، بَلْ جَاوَزُوا ذَلِكَ إِلَى تَكْفِيرِ مَنْ قال لفظي: القرآن مخلوق، بَلْ جَاوَزُوا ذَلِكَ إِلَى تَكْفِيرِ مَنْ وَقَفَ، وَلَيْتَهُمْ لَمْ يُجَاوِزُوا حَدَّ الْوَقْفِ وَإِرْجَاعِ الْعِلْمِ إِلَى عَلَّامِ الْغُيُوبِ، فَإِنَّهُ لَمْ يُسْمَعْ مِنَ السَّلَفِ الصَّالِحِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ إِلَى وَقْتِ قِيَامِ الْمِحْنَةِ وَظُهُورِ الْقَوْلِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ شَيْءٌ مِنَ الْكَلَامِ، وَلَا نُقِلَ عَنْهُمْ كَلِمَةٌ فِي ذَلِكَ، فَكَانَ الِامْتِنَاعُ مِنَ الْإِجَابَةِ إِلَى مَا دَعَوْا إِلَيْهِ، وَالتَّمَسُّكُ بِأَذْيَالِ الْوَقْفِ، وَإِرْجَاعِ عِلْمِ ذَلِكَ إِلَى عَالِمِهِ هُوَ الطَّرِيقَةُ الْمُثْلَى، وَفِيهِ السَّلَامَةُ وَالْخُلُوصُ مِنْ تَكْفِيرِ طَوَائِفَ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ، وَالْأَمْرُ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ. وَقَوْلُهُ: إِلَّا اسْتَمَعُوهُ اسْتِثْنَاءٌ مُفَرَّغٌ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ، وَجُمْلَةُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ أَيْضًا مِنْ فَاعِلِ استمعوه، ولاهِيَةً قُلُوبُهُمْ حَالٌ أَيْضًا، وَالْمَعْنَى: مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ فِي حَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ إِلَّا فِي الِاسْتِمَاعِ مَعَ اللَّعِبِ وَالِاسْتِهْزَاءِ وَلَهْوَةِ الْقُلُوبِ، وَقُرِئَ «لَاهِيَةٌ» بِالرَّفْعِ، كَمَا قُرِئَ «مُحْدَثٌ» بِالرَّفْعِ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا النَّجْوَى: اسْمٌ مِنَ التَّنَاجِي، وَالتَّنَاجِي لَا يَكُونُ إِلَّا سِرًّا، فَمَعْنَى إِسْرَارِ النَّجْوَى: الْمُبَالَغَةُ فِي الْإِخْفَاءِ. وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي مَحَلِّ الْمَوْصُولِ عَلَى أَقْوَالٍ، فَقِيلَ: إِنَّهُ فِي مَحَلِّ رَفْعٍ بَدَلٌ مِنَ الْوَاوِ فِي «أَسَرُّوا» ، قَالَهُ الْمُبَرِّدُ وَغَيْرُهُ وَقِيلَ: هُوَ فِي مَحَلِّ رَفْعٍ عَلَى الذَّمِّ وَقِيلَ: هُوَ فَاعِلٌ لِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ، وَالتَّقْدِيرُ:
يَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا، وَاخْتَارَ هَذَا النَّحَّاسُ وَقِيلَ: فِي مَحَلِّ نَصْبٍ بِتَقْدِيرِ أَعْنِي، وَقِيلَ: فِي مَحَلِّ خَفْضٍ عَلَى أَنَّهُ بَدَلٌ مِنَ النَّاسِ ذَكَرَ ذَلِكَ الْمُبَرِّدُ وَقِيلَ: هُوَ فِي مَحَلِّ رَفْعٍ عَلَى أَنَّهُ فَاعِلُ «أَسَرُّوا» عَلَى لُغَةِ مَنْ يُجَوِّزُ الْجَمْعَ بَيْنَ فَاعِلِينَ، كَقَوْلِهِمْ: أَكَلُونِي الْبَرَاغِيثُ، ذَكَرَ ذَلِكَ الْأَخْفَشُ، وَمِثْلُهُ ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ ومنه قول الشاعر:
................
فاهتدين النّبال للأغراض «1»

(1) . وصدره: بك نال النّضال دون المساعي.
نام کتاب : فتح القدير نویسنده : الشوكاني    جلد : 3  صفحه : 469
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست