responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : فتح القدير نویسنده : الشوكاني    جلد : 3  صفحه : 421
عَمَّا كَانَ يَعْتَرِيهِ مِنْ جِهَةِ الْمُشْرِكِينَ مِنَ التَّعَبِ، وَالشَّقَاءُ يَجِيءُ فِي مَعْنَى التَّعَبِ. قَالَ ابْنُ كَيْسَانَ: وَأَصْلُ الشَّقَاءِ فِي اللُّغَةِ الْعَنَاءُ وَالتَّعَبُ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
ذُو الْعَقْلِ يَشْقَى فِي النَّعِيمِ بِعَقْلِهِ ... وَأَخُو الْجَهَالَةِ فِي الشَّقَاوَةِ يَنْعَمُ
وَالْمَعْنَى: مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَتْعَبَ بِفَرْطِ تَأَسُّفِكَ عَلَيْهِمْ وَعَلَى كُفْرِهِمْ، وَتَحَسُّرِكَ عَلَى أَنْ يُؤْمِنُوا، فَهُوَ كَقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ [1] قَالَ النَّحَّاسُ: بَعْضُ النَّحْوِيِّينَ يَقُولُ: هَذِهِ اللَّامُ فِي لِتَشْقى لَامُ النَّفْيِ، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ لَامُ الْجُحُودِ. وَقَالَ ابْنُ كَيْسَانَ: هِيَ لَامُ الْخَفْضِ، وَهَذَا التَّفْسِيرُ لِلْآيَةِ هُوَ عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ إِنَّ طه كَسَائِرِ فَوَاتِحِ السُّوَرِ الَّتِي ذَكَرَتْ تَعْدِيدًا لِأَسْمَاءِ الْحُرُوفِ، وَإِنْ جُعِلَتِ اسْمًا لِلسُّورَةِ كَانَ قَوْلُهُ: مَا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى خَبَرًا عَنْهَا، وَهِيَ فِي مَوْضِعِ الْمُبْتَدَأِ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ: إِنَّ مَعْنَاهَا يَا رَجُلُ، أَوْ بِمَعْنَى الْأَمْرِ بِوَطْءِ الْأَرْضِ فَتَكُونُ الْجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةً لِصَرْفِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الْمُبَالَغَةِ فِي الْعِبَادَةِ، وَانْتِصَابُ إِلَّا تَذْكِرَةً عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ له لأنزلنا، كَقَوْلِكَ: مَا ضَرَبْتُكَ لِلتَّأْدِيبِ إِلَّا إِشْفَاقًا عَلَيْكَ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: هُوَ بَدَلٌ مِنْ لِتَشْقَى، أَيْ: مَا أَنْزَلْنَاهُ إِلَّا تَذْكِرَةً. وَأَنْكَرَهُ أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ مِنْ جِهَةِ أَنَّ التَّذْكِرَةَ لَيْسَتْ بِشَقَاءٍ، قَالَ: وَإِنَّمَا هُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى الْمَصْدَرِيَّةِ، أَيْ: أَنْزَلْنَاهُ لِتُذَكِّرَ بِهِ تَذْكِرَةً، أَوْ عَلَى الْمَفْعُولِ مِنْ أَجْلِهِ، أَيْ: مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى بِهِ، مَا أَنْزَلْنَاهُ إِلَّا لِلتَّذْكِرَةِ، وَانْتِصَابُ تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّماواتِ الْعُلى عَلَى الْمَصْدَرِيَّةِ، أَيْ: أَنْزَلْنَاهُ تَنْزِيلًا، وَقِيلَ: بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ تَذْكِرَةً، وَقِيلَ:
هُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى المدح، وقيل: منصوب بيخشى، أَيْ: يَخْشَى تَنْزِيلًا مِنَ اللَّهِ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ بِهِ، وَقِيلَ:
مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِ بِتَأَوُّلِهِ بِاسْمِ الْفَاعِلِ. وَقَرَأَ أَبُو حَيْوَةَ الشَّامِيُّ تَنْزِيلٌ بِالرَّفْعِ عَلَى مَعْنَى هَذَا تَنْزِيلٌ وَمِمَّنْ خَلَقَ مُتَعَلِّقٌ بِتَنْزِيلًا أَوْ بِمَحْذُوفٍ هُوَ صِفَةٌ لَهُ وتخصيص خلق الأرض والسموات لِكَوْنِهِمَا أَعْظَمَ مَا يُشَاهِدُهُ الْعِبَادُ مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ عزّ وجلّ، والعلا: جَمَعُ الْعُلْيَا، أَيِ: الْمُرْتَفِعَةُ، كَجَمْعِ كُبْرَى وَصُغْرَى عَلَى كُبَرٍ وَصُغَرٍ. وَمَعْنَى الْآيَةِ إِخْبَارُ الْعِبَادِ عَنْ كَمَالِ عَظَمَتِهِ سُبْحَانَهُ وَعَظِيمِ جَلَالِهِ، وَارْتِفَاعُ الرَّحْمنُ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ كَمَا قَالَ الْأَخْفَشُ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُرْتَفِعًا عَلَى الْمَدْحِ أَوْ عَلَى الِابْتِدَاءِ. وَقُرِئَ بِالْجَرِّ، قَالَ الزجاج: على البدل من «مِمَّنْ» ، وَجَوَّزَ النَّحَّاسُ أَنْ يَكُونَ مُرْتَفِعًا عَلَى الْبَدَلِ مِنَ الْمُضْمَرِ فِي خَلَقَ، وَجُمْلَةُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى فِي مَحَلِّ رَفْعٍ عَلَى أَنَّهَا خَبَرٌ لِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، أَوْ عَلَى أَنَّهَا خَبَرُ الرَّحْمَنِ عِنْدَ مَنْ جَعَلَهُ مُبْتَدَأً.
قَالَ أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى: قَالَ ثَعْلَبٌ: الِاسْتِوَاءُ: الْإِقْبَالُ عَلَى الشَّيْءِ، وَكَذَا قَالَ الزَّجَّاجُ وَالْفَرَّاءُ. وَقِيلَ: هُوَ كِنَايَةٌ عَنِ الْمُلْكِ وَالسُّلْطَانِ، وَالْبَحْثِ فِي تَحْقِيقِ هَذَا يَطُولُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْبَحْثُ عَنْهُ فِي الْأَعْرَافِ. وَالَّذِي ذَهَبَ إِلَيْهِ أَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيُّ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ مُسْتَوٍ عَلَى عَرْشِهِ بِغَيْرِ حَدٍّ وَلَا كَيْفٍ، وَإِلَى هَذَا الْقَوْلِ سَبَقَهُ الْجَمَاهِيرُ من السلف الصالح الذي يقرّون الصِّفَاتِ كَمَا وَرَدَتْ مِنْ دُونِ تَحْرِيفٍ وَلَا تَأْوِيلٍ لَهُ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ أَيْ: أَنَّهُ مَالِكُ كُلِّ شَيْءٍ وَمُدَبِّرُهُ وَما بَيْنَهُما مِنَ الْمَوْجُودَاتِ وَما تَحْتَ الثَّرى الثرى في اللغة: التراب

[1] الكهف: 6.
نام کتاب : فتح القدير نویسنده : الشوكاني    جلد : 3  صفحه : 421
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست