responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : فتح القدير نویسنده : الشوكاني    جلد : 3  صفحه : 392
فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ رَجُلٌ فَاجِرٌ اسْمُهُ هَارُونُ، فنسبوها إليه على وجهة التَّعْيِيرِ وَالتَّوْبِيخِ، حَكَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ وَلَمْ يُسَمِّ قَائِلَهُ وَهُوَ ضَعِيفٌ. مَا كانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ، وَما كانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا هَذَا فِيهِ تقرير لِمَا تَقَدَّمَ مِنَ التَّعْيِيرِ وَالتَّوْبِيخِ، وَتَنْبِيهٌ عَلَى أَنْ الْفَاحِشَةَ مِنْ ذُرِّيَّةِ الصَّالِحِينَ مِمَّا لَا يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ فَأَشارَتْ إِلَيْهِ أَيْ: إِلَى عِيسَى، وَإِنَّمَا اكْتَفَتْ بِالْإِشَارَةِ وَلَمْ تَأْمُرْهُ بِالنُّطْقِ لِأَنَّهَا نَذَرَتْ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا عَنِ الْكَلَامِ كَمَا تَقَدَّمَ، هَذَا عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّهَا كَانَتْ إِذْ ذَاكَ فِي أَيَّامِ نَذْرِهَا، وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنَّهَا قَدْ خَرَجَتْ مِنْ أَيَّامِ نَذْرِهَا، فَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اقْتِصَارَهَا عَلَى الْإِشَارَةِ لِلْمُبَالَغَةِ فِي إِظْهَارِ الْآيَةِ الْعَظِيمَةِ، وَأَنَّ هَذَا الْمَوْلُودَ يَفْهَمُ الْإِشَارَةَ وَيَقْدِرُ عَلَى الْعِبَارَةِ قالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا هَذَا الِاسْتِفْهَامُ لِلْإِنْكَارِ وَالتَّعَجُّبِ مِنْ إِشَارَتِهَا إِلَى ذَلِكَ الْمَوْلُودِ بِأَنْ يُكَلِّمَهُمْ.
قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: فِي الْكَلَامِ حَشْوٌ زَائِدٌ، وَالْمَعْنَى: كَيْفَ نُكَلِّمُ صَبِيًّا فِي الْمَهْدِ، كَقَوْلِ الشَّاعِرِ [1] :
............... ...
وَجِيرَانٌ لَنَا كَانُوا كِرَامِ «2»
وَقَالَ الزَّجَّاجُ: الْأَجْوَدُ أَنْ تَكُونَ «مَنْ» فِي مَعْنَى الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ، وَالْمَعْنَى: مَنْ يَكُونُ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا فَكَيْفَ نُكَلِّمُهُ. وَرَجَّحَهُ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ وَقَالَ: لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ «كَانَ» زَائِدَةٌ وَقَدْ نَصَبَتْ صَبِيًّا، وَيُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّ الْقَائِلَ بِزِيَادَتِهَا يَجْعَلُ النَّاصِبَ لَهُ الْفِعْلَ، وَهُوَ نُكَلِّمُ كَمَا سَبَقَ تَقْدِيرُهُ وَقِيلَ: إِنَّ «كَانَ» هُنَا هِيَ التَّامَّةُ الَّتِي بِمَعْنَى الْحُدُوثِ وَالْوُجُودِ. وَرُدَّ بِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ تَامَّةً لَاسْتَغْنَتْ عَنِ الْخَبَرِ. وَالْمَهْدُ: هُوَ شَيْءٌ مَعْرُوفٌ يُتَّخَذُ لِتَنْوِيمِ الصَّبِيِّ. وَالْمَعْنَى كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ سَبِيلُهُ أَنْ يُنَوَّمَ فِي الْمَهْدِ لِصِغَرِهِ، وَقِيلَ: هُوَ هُنَا حِجْرُ الْأُمِّ، وَقِيلَ:
سَرِيرٌ كَالْمَهْدِ، فَلَمَّا سَمِعَ عِيسَى كَلَامَهُمْ قالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ فَكَانَ أَوَّلَ مَا نَطَقَ بِهِ الِاعْتِرَافُ بِالْعُبُودِيَّةِ لَهُ آتانِيَ الْكِتابَ أَيْ: الْإِنْجِيلَ، أَيْ: حَكَمَ لِي بِإِيتَائِي الْكِتَابَ وَالنُّبُوَّةَ فِي الْأَزَلِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَدْ نَزَلَ عَلَيْهِ فِي تِلْكَ الْحَالِ وَلَا قَدْ صَارَ نَبِيًّا وَقِيلَ: إِنَّهُ آتَاهُ الْكِتَابَ وَجَعَلَهُ نَبِيًّا فِي تِلْكَ الْحَالِ، وَهُوَ بَعِيدٌ وَجَعَلَنِي مُبارَكاً أَيْنَ مَا كُنْتُ أَيْ: حَيْثُمَا كُنْتُ، وَالْبَرَكَةُ: أَصْلُهَا مِنْ بُرُوكِ الْبَعِيرِ، وَالْمَعْنَى: جَعَلَنِي ثَابِتًا فِي دِينِ اللَّهِ وَقِيلَ: الْبَرَكَةُ هِيَ الزِّيَادَةُ وَالْعُلُوُّ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: جَعَلَنِي فِي جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ زَائِدًا عَالِيًا مُنْجَحًا وَقِيلَ مَعْنَى الْمُبَارَكِ النَّفَّاعُ لِلْعِبَادِ، وَقِيلَ: الْمُعَلِّمُ لِلْخَيْرِ، وَقِيلَ: الْآمِرُ بِالْمَعْرُوفِ النَّاهِي عَنِ الْمُنْكَرِ وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ أَيْ: أَمَرَنِي بِهَا وَالزَّكاةِ زَكَاةِ الْمَالِ، أَوْ تَطْهِيرِ النَّفْسِ مَا دُمْتُ حَيًّا أَيْ: مُدَّةَ دَوَامِ حَيَاتِي، وَهَذِهِ الْأَفْعَالُ الْمَاضِيَةُ هِيَ مِنْ بَابِ تَنْزِيلِ مَا لَمْ يَقَعْ مَنْزِلَةَ الواقع تنبيها على تحقيق وُقُوعِهِ لِكَوْنِهِ قَدْ سَبَقَ فِي الْقَضَاءِ الْمُبْرَمِ وَبَرًّا بِوالِدَتِي مَعْطُوفٌ عَلَى مُبَارَكًا، وَاقْتَصَرَ عَلَى الْبِرِّ بِوَالِدَتِهِ لِأَنَّهُ قَدْ عَلِمَ فِي تِلْكَ الْحَالِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَبٌ، وَقُرِئَ وَبَرًّا بِكَسْرِ الْبَاءِ عَلَى أَنَّهُ مَصْدَرٌ وُصِفَ بِهِ مُبَالَغَةً وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيًّا الْجَبَّارُ: الْمُتَعَظِّمُ الَّذِي لَا يَرَى لِأَحَدٍ عَلَيْهِ حَقًّا، وَالشَّقِيُّ: الْعَاصِي لِرَبِّهِ، وَقِيلَ: الْخَائِبُ، وَقِيلَ: الْعَاقُّ وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: السَّلَامُ هُنَا بِمَعْنَى السَّلَامَةِ، أَيْ: السَّلَامَةُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ، فَلَمْ يَضُرَّنِي الشَّيْطَانُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَلَا أَغْوَانِي عند الموت ولا عند البعث

[1] هو الفرزدق.
(2) . وصدره: فكيف إذا رأيت ديار قوم.
نام کتاب : فتح القدير نویسنده : الشوكاني    جلد : 3  صفحه : 392
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست