responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : فتح القدير نویسنده : الشوكاني    جلد : 3  صفحه : 309
الْإِيمَانِ بِالْكِتَابِ وَبِالرَّسُولِ، وَعَبَّرَ عَنْهُ بِالْقَوْلِ لِلْإِشْعَارِ بِأَنَّهُ لَيْسَ إِلَّا مُجَرَّدُ قَوْلٍ قَالُوهُ بِأَفْوَاهِهِمْ، ثم أمر رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُجِيبَ عَنْ شُبْهَتِهِمْ هَذِهِ، فَقَالَ: قُلْ لَوْ كانَ فِي الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ أَيْ: لَوْ وُجِدَ وَثَبَتَ أَنَّ فِي الْأَرْضِ بَدَلُ مَنْ فِيهَا مِنَ الْبَشَرِ مَلَائِكَةٌ يَمْشُونَ عَلَى الْأَقْدَامِ كَمَا يَمْشِي الْإِنْسُ مُطَمْئِنِّينَ مُسْتَقِرِّينَ فِيهَا سَاكِنِينَ بِهَا. قَالَ الزَّجَّاجُ: مُطْمَئِنِّينَ: مُسْتَوْطِنِينَ فِي الْأَرْضِ، وَمَعْنَى الطُّمَأْنِينَةِ السُّكُونُ، فَالْمُرَادُ هَاهُنَا الْمَقَامُ وَالِاسْتِيطَانُ، فَإِنَّهُ يُقَالُ سَكَنَ الْبَلَدَ فُلَانٌ إِذَا أَقَامَ فِيهَا وَإِنْ كَانَ مَاشِيًا مُتَقَّلِبًا فِي حَاجَاتِهِ لَنَزَّلْنا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ مَلَكاً رَسُولًا حَتَّى يَكُونَ مِنْ جِنْسِهِمْ، وَفِيهِ إِعْلَامٌ مِنَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ بِأَنَّ الرُّسُلَ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ مِنْ جِنْسِ الْمُرْسَلِ إِلَيْهِمْ، فَكَأَنَّهُ سُبْحَانَهُ اعْتَبَرَ فِي تَنْزِيلِ الرَّسُولِ مِنْ جِنْسِ الْمَلَائِكَةِ أَمْرَيْنِ: الْأَوَّلُ: كَوْنُ سُكَّانِ الْأَرْضِ مَلَائِكَةً. وَالثَّانِي: كَوْنُهُمْ مَاشِينَ عَلَى الْأَقْدَامِ غَيْرَ قَادِرِينَ عَلَى الطَّيَرَانِ بِأَجْنِحَتِهِمْ إِلَى السَّمَاءِ، إِذْ لَوْ كَانُوا قَادِرِينَ عَلَى ذَلِكَ لَطَارُوا إِلَيْهَا، وَسَمِعُوا مِنْ أَهْلِهَا مَا يَجِبُ مَعْرِفَتُهُ وَسَمَاعُهُ، فَلَا يَكُونُ فِي بَعْثَةِ الْمَلَائِكَةِ إِلَيْهِمْ فَائِدَةٌ. وَانْتِصَابُ بشرا وملكا على أنهما مفعولان للفعلين، ورسولا فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَصْفٌ لَهُمَا. وَجَوَّزَ صَاحِبُ الْكَشَّافِ أَنْ يَكُونَا حَالَيْنِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ مِنْ رَسُولًا فِيهِمَا وَقَوَّاهُ صَاحِبُ الْكَشَّافِ، وَلَعَلَّ وَجْهَ ذَلِكَ أَنَّ الْإِنْكَارَ يَتَوَجَّهُ إِلَى الرَّسُولِ الْمُتَّصِفِ بِالْبَشَرِيَّةِ فِي الْمَوْضِعِ الْأَوَّلِ، فَيَلْزَمُ بِحُكْمِ التَّقَابُلِ أَنْ يَكُونَ الْآخَرُ كَذَلِكَ، ثُمَّ خَتَمَ الْكَلَامَ بِمَا يَجْرِي مَجْرَى التَّهْدِيدِ، فَقَالَ: قُلْ كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ أَيْ: قُلْ لَهُمْ يَا مُحَمَّدُ مِنْ جِهَتِكَ كَفَى بِاللَّهِ وَحْدَهُ شَهِيدًا عَلَى إِبْلَاغِي إِلَيْكُمْ مَا أَمَرَنِي بِهِ مِنْ أُمُورِ الرِّسَالَةِ، وَقَالَ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ، وَلَمْ يَقُلْ بَيْنَنَا، تَحْقِيقًا لِلْمُفَارَقَةِ الْكُلِّيَّةِ وَقِيلَ: إِنَّ إِظْهَارَ الْمُعْجِزَةِ عَلَى وَفْقِ دَعْوَى النَّبِيِّ شَهَادَةٌ مِنَ اللَّهِ لَهُ عَلَى الصِّدْقِ، ثُمَّ عَلَّلَ كَوْنَهُ سُبْحَانَهُ شَهِيدًا كَافِيًا بِقَوْلِهِ: إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً أَيْ: عَالِمًا بِجَمِيعِ أَحْوَالِهِمْ مُحِيطًا بِظَوَاهِرِهَا وَبَوَاطِنِهَا بَصِيرًا بِمَا كَانَ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ، ثُمَّ بَيَّنَ سُبْحَانَهُ أَنَّ الْإِقْرَارَ وَالْإِنْكَارَ مُسْتَنِدَانِ إِلَى مَشِيئَتِهِ فَقَالَ:
وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ أَيْ: مَنْ يُرِدِ اللَّهُ هِدَايَتَهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي إِلَى الْحَقِّ أَوْ إِلَى كُلِّ مَطْلُوبٍ وَمَنْ يُضْلِلْ أَيْ: يُرِدْ إِضْلَالَهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِياءَ يَنْصُرُونَهُمْ مِنْ دُونِهِ يَعْنِي اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَيَهْدُونَهُمْ إِلَى الْحَقِّ الَّذِي أَضَلَّهُمُ اللَّهُ عَنْهُ أو إلى طريق النجاة، وقوله: فَهُوَ الْمُهْتَدِ حَمْلًا عَلَى لَفْظِ مَنْ، وَقَوْلُهُ:
فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ حَمْلًا عَلَى الْمَعْنَى، وَالْخِطَابُ فِي قَوْلِهِ: فَلَنْ تَجِدَ إِمَّا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَوْ لِكُلِّ مَنْ يَصْلُحُ لَهُ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ هَذَا الْحَشْرُ عَلَى الْوُجُوهِ فِيهِ وَجْهَانِ لِلْمُفَسِّرِينَ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنِ الْإِسْرَاعِ بِهِمْ إِلَى جَهَنَّمَ، مِنْ قَوْلِ الْعَرَبِ: قَدْ مَرَّ الْقَوْمُ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِذَا أَسْرَعُوا. الثَّانِي: أَنَّهُمْ يُسْحَبُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ حَقِيقَةً كَمَا يُفْعَلُ فِي الدُّنْيَا بِمَنْ يُبَالَغُ فِي إِهَانَتِهِ وَتَعْذِيبِهِ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلى وُجُوهِهِمْ [1] ، وَلِمَا صَحَّ فِي السُّنَّةِ كَمَا سَيَأْتِي، وَمَحَلُّ عَلَى وُجُوهِهِمْ النَّصْبُ عَلَى الْحَالِ مِنْ ضَمِيرِ المفعول وعُمْياً مُنْتَصِبٌ عَلَى الْحَالِ وَبُكْماً وَصُمًّا مَعْطُوفَانِ عَلَيْهِ، وَالْأَبْكَمُ:
الَّذِي لَا يَنْطِقُ، وَالْأَصَمُّ: الَّذِي لَا يَسْمَعُ، وَهَذِهِ هَيْئَةٌ يُبْعَثُونَ عَلَيْهَا فِي أَقْبَحِ صُورَةٍ، وَأَشْنَعِ مَنْظَرٍ، قَدْ جَمَعَ اللَّهُ لَهُمْ بَيْنَ عَمَى الْبَصَرِ وَعَدَمِ النُّطْقِ وَعَدَمِ السَّمْعِ مَعَ كَوْنِهِمْ مَسْحُوبِينَ عَلَى وُجُوهِهِمْ، ثُمَّ مِنْ وراء ذلك

[1] القمر: 48.
نام کتاب : فتح القدير نویسنده : الشوكاني    جلد : 3  صفحه : 309
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست