responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : فتح القدير نویسنده : الشوكاني    جلد : 3  صفحه : 255
بِالْفِسْقِ فَفَسَقُوا، وَأَطَالَ الْكَلَامَ فِي تَقْرِيرِ هَذَا وَتَبِعَهُ الْمُقْتَدُونَ بِهِ فِي التَّفْسِيرِ، وَمَا ذَكَرَهُ هُوَ وَمَنْ تَابَعَهُ مُعَارَضٌ بِمِثْلِ قَوْلِ الْقَائِلِ أَمَرْتُهُ فَعَصَانِي، فَإِنَّ كُلَّ مَنْ يَعْرِفُ اللُّغَةَ الْعَرَبِيَّةَ يَفْهَمُ مِنْ هَذَا أَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ شَيْءٌ غَيْرُ الْمَعْصِيَةِ، لِأَنَّ الْمَعْصِيَةَ مُنَافِيَةٌ لِلْأَمْرِ مُنَاقِضَةٌ لَهُ، فَكَذَلِكَ أَمَرْتُهُ فَفَسَقَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ شَيْءٌ غَيْرُ الْفِسْقِ، لِأَنَّ الْفِسْقَ عِبَارَةٌ عَنِ الْإِتْيَانِ بِضِدِّ الْمَأْمُورِ بِهِ، فَكَوْنُهُ فِسْقًا يُنَافِي كَوْنَهُ مَأْمُورًا بِهِ وَيُنَاقِضُهُ. الْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ مَعْنَى أَمَرْنا مُتْرَفِيها
أَكْثَرْنَا فُسَّاقَهَا. قَالَ الْوَاحِدِيُّ: تَقُولُ الْعَرَبُ: أَمَرَ الْقَوْمَ إِذَا كَثُرُوا، وَأَمَرَهُمُ اللَّهُ إِذَا أَكْثَرَهُمْ. وَقَدْ قَرَأَ أَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ وَأَبُو رَجَاءٍ وَأَبُو الْعَالِيَةِ وَالرَّبِيعُ وَمُجَاهِدٌ وَالْحَسَنُ أَمَرْنا
بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ، أَيْ: جَعَلْنَاهُمْ أُمَرَاءَ مُسَلَّطِينَ. وَقَرَأَ الْحَسَنُ أَيْضًا وَقَتَادَةُ وَأَبُو حَيْوَةَ الشَّامِيُّ وَيَعْقُوبُ وَخَارِجَةُ عَنْ نَافِعٍ وَحَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنِ ابْنِ كَثِيرٍ وَعَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ «آمَرْنَا» بِالْمَدِّ وَالتَّخْفِيفِ، أَيْ: أَكْثَرْنَا جَبَابِرَتَهَا وَأُمَرَاءَهَا، قَالَهُ الْكِسَائِيُّ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: آمِرْتُهُ بِالْمَدِّ وَأَمِرْتُهُ لُغَتَانِ بِمَعْنَى كَثْرَتِهِ، وَمِنْهُ الْحَدِيثُ: «خَيْرُ الْمَالِ مُهْرَةٌ مَأْمُورَةٌ» أَيْ: كَثِيرَةُ النِّتَاجِ وَالنَّسْلِ، وَكَذَا قَالَ ابْنُ عَزِيزٍ. وَقَرَأَ الْحَسَنُ أَيْضًا وَيَحْيَى بْنُ يَعْمَرَ «أَمِرْنَا» بِالْقَصْرِ وَكَسْرِ الْمِيمِ عَلَى مَعْنَى فَعَلْنَا، وَرُوِيَتْ هَذِهِ الْقِرَاءَةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. قَالَ قَتَادَةُ وَالْحَسَنُ: الْمَعْنَى أَكْثَرْنَا. وَحَكَى نَحْوَهُ أَبُو زَيْدٍ وَأَبُو عُبَيْدٍ، وَأَنْكَرَهُ الْكِسَائِيُّ وَقَالَ: لَا يُقَالُ مِنَ الْكَثْرَةِ إِلَّا آمَرْنَا بِالْمَدِّ. قَالَ فِي الصِّحَاحِ: وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ: أَمِرَ مَالُهُ- بِالْكَسْرِ- أَيْ: كَثُرَ، وَأَمِرَ الْقَوْمُ: أَيْ كَثِرُوا، وَمِنْهُ قَوْلُ لَبِيدٍ:
إِنْ يَغْبِطُوا يَهْبِطُوا وَإِنْ أَمِرُوا ... يوما يصيروا للهلك والنّكد «1»
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ أَمَرْنا
مِنَ الْأَمْرِ، وَمَعْنَاهُ مَا قَدَّمْنَا فِي الْقَوْلِ الْأَوَّلِ، وَمَعْنَى مُتْرَفِيها
الْمُنَعَّمُونَ الَّذِينَ قَدْ أَبْطَرَتْهُمُ النِّعْمَةُ وَسَعَةُ الْعَيْشِ، وَالْمُفَسِّرُونَ يَقُولُونَ فِي تَفْسِيرِ الْمُتْرَفِينَ: إِنَّهُمُ الْجَبَّارُونَ الْمُتَسَلِّطُونَ والملوك الجائرون، قالوا: وَإِنَّمَا خُصُّوا بِالذِّكْرِ لِأَنَّ مَنْ عَدَاهُمْ أَتْبَاعٌ لهم، ومعنى فَفَسَقُوا فِيها
خَرَجُوا عَنِ الطَّاعَةِ، وَتَمَرَّدُوا فِي كُفْرِهِمْ لِأَنَّ الْفُسُوقَ الْخُرُوجُ إِلَى مَا هُوَ أَفْحَشُ فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ
أَيْ: ثَبَتَ وَتَحَقَّقَ عَلَيْهِمُ الْعَذَابُ بَعْدَ ظُهُورِ فِسْقِهِمْ فَدَمَّرْناها تَدْمِيراً
أَيْ: تَدْمِيرًا عَظِيمًا لَا يُوقَفُ عَلَى كُنْهِهِ لِشِدَّتِهِ وَعِظَمِ مَوْقِعِهِ وَقَدْ قِيلَ فِي تَأْوِيلِ أَمْرِنَا بِأَنَّهُ مَجَازٌ عَنِ الْأَمْرِ الْحَامِلِ لَهُمْ عَلَى الْفِسْقِ، وَهُوَ إِدْرَارُ النِّعَمِ عَلَيْهِمْ وَقِيلَ أَيْضًا:
إِنَّ الْمُرَادَ بِأَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَنَّهُ قُرْبُ إِهْلَاكِ قَرْيَةٍ، وَهُوَ عُدُولٌ عَنِ الظَّاهِرِ بِدُونِ مُلْجِئٍ إِلَيْهِ. ثُمَّ ذَكَرَ سُبْحَانَهُ أَنَّ هَذِهِ عَادَتُهُ الْجَارِيَةُ مَعَ الْقُرُونِ الْخَالِيَةِ، فَقَالَ: وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنَ الْقُرُونِ أَيْ: كَثِيرًا مَا أَهْلَكْنَا مِنْهُمْ، فَ «كَمْ» مَفْعُولُ «أَهْلَكْنَا» ، وَ «مِنَ الْقُرُونِ» بَيَانٌ لِ «كَمْ» وَتَمْيِيزٌ لَهُ، أَيْ: كَمْ مِنْ قَوْمٍ كَفَرُوا مِنْ بَعْدِ نُوحٍ كَعَادٍ وَثَمُودَ، فَحَلَّ بِهِمُ الْبَوَارُ، وَنَزَلَ بِهِمْ سَوْطُ الْعَذَابِ، وَفِيهِ تَخْوِيفٌ لِكُفَّارِ مَكَّةَ. ثُمَّ خَاطَبَ رَسُولَهُ بِمَا هُوَ رَدْعٌ لِلنَّاسِ كَافَّةً فَقَالَ: وَكَفى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً قَالَ الْفَرَّاءُ: إِنَّمَا يَجُوزُ إِدْخَالُ الْبَاءِ فِي الْمَرْفُوعِ إِذَا كَانَ يُمْدَحُ بِهِ صَاحِبُهُ أَوْ يُذَمُّ بِهِ، كَقَوْلِكَ: كَفَاكَ، وَأَكْرِمْ بِهِ رَجُلًا، وَطَابَ بِطَعَامِكَ طَعَامًا، وَلَا يُقَالُ قَامَ بِأَخِيكَ وَأَنْتَ تُرِيدُ قَامَ أَخُوكَ. وَفِي الْآيَةِ بِشَارَةٌ عَظِيمَةٌ لِأَهْلِ الطَّاعَةِ، وَتَخْوِيفٌ شَدِيدٌ لِأَهْلِ

(1) . في المطبوع: يوما يكن للهلاك والفند. والمثبت من الديوان ص (160) . «يهبطوا» - هنا-: يموتوا.
نام کتاب : فتح القدير نویسنده : الشوكاني    جلد : 3  صفحه : 255
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست