responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : فتح القدير نویسنده : الشوكاني    جلد : 3  صفحه : 242
فِي التَّبَرِّي مِنَ الْأَوْثَانِ وَالتَّدَيُّنِ بِدِينِ الْإِسْلَامِ وَقِيلَ: فِي مَنَاسِكِ الْحِجِّ وَقِيلَ: فِي الْأُصُولِ دُونَ الْفُرُوعِ وَقِيلَ: فِي جَمِيعِ شَرِيعَتِهِ إِلَّا مَا نُسِخَ مِنْهَا، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ. وَقَدْ أُمِرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالِاقْتِدَاءِ بِالْأَنْبِيَاءِ مَعَ كَوْنِهِ سَيِّدَهِمْ، فَقَالَ تَعَالَى: فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ [1] ، وَانْتِصَابُ حَنِيفاً عَلَى الْحَالِ مِنْ إِبْرَاهِيمَ، وَجَازَ مَجِيءُ الْحَالِ مِنْهُ لِأَنَّ الْمِلَّةَ كَالْجُزْءِ مِنْهُ، وَقَدْ تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ النَّحْوِ أَنَّ الْحَالَ مِنَ الْمُضَافِ إِلَيْهِ جَائِزٌ، إِذَا كَانَ يَقْتَضِي الْمُضَافُ الْعَمَلَ فِي الْمُضَافِ إِلَيْهِ، أَوْ كَانَ جُزْءًا مِنْهُ، أَوْ كَالْجُزْءِ وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَهُوَ تَكْرِيرٌ لِمَا سَبَقَ لِلنُّكْتَةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا إِنَّما جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ أَيْ: إِنَّمَا جُعِلَ وَبَالُ السَّبْتِ، وَهُوَ الْمَسْخُ، عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ، أَوْ إِنَّمَا جُعِلَ فَرْضُ تَعْظِيمِ السَّبْتِ وَتَرْكِ الصَّيْدِ فِيهِ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَا عَلَى غَيْرِهِمْ مِنَ الْأُمَمِ.
وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي كَيْفِيَّةِ الِاخْتِلَافِ الْكَائِنِ بَيْنَهُمْ فِي السَّبْتِ، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: إِنَّ مُوسَى أَمَرَهُمْ بِيَوْمِ الْجُمُعَةِ، وَعَيَّنَهُ لَهُمْ، وَأَخْبَرَهُمْ بِفَضِيلَتِهِ عَلَى غَيْرِهِ، فَخَالَفُوهُ، وَقَالُوا: إِنَّ السَّبْتَ أَفْضَلُ، فَقَالَ اللَّهُ لَهُ: دَعْهُمْ وَمَا اخْتَارُوا لِأَنْفُسِهِمْ. وَقِيلَ: إِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ أَمَرَهُمْ بِتَعْظِيمِ يَوْمٍ فِي الْأُسْبُوعِ، فَاخْتَلَفَ اجْتِهَادُهُمْ فِيهِ، فَعَيَّنَتِ الْيَهُودُ السَّبْتَ لِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ فَرَغَ فِيهِ مِنَ الْخَلْقِ، وَعَيَّنَتِ النَّصَارَى يَوْمَ الْأَحَدِ لِأَنَّ اللَّهَ بَدَأَ فِيهِ الْخَلْقَ، فَأَلْزَمَ اللَّهُ كُلًّا مِنْهُمْ مَا أَدَّى إِلَيْهِ اجْتِهَادُهُ، وَعَيَّنَ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ الْجُمُعَةَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكِلَهُمْ إِلَى اجْتِهَادِهِمْ فَضْلًا مِنْهُ وَنِعْمَةً.
وَوَجْهُ اتِّصَالِ هَذِهِ الْآيَةِ بِمَا قَبْلَهَا أَنَّ الْيَهُودَ كَانُوا يَزْعُمُونَ أَنَّ السَّبْتَ مِنْ شَرَائِعِ إِبْرَاهِيمَ، فَأَخْبَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ أَنَّهُ إِنَّمَا جَعَلَ السَّبْتَ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَلَمْ يَجْعَلْهُ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَلَا عَلَى غَيْرِهِ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ أَيْ:
بَيْنَ الْمُخْتَلِفِينَ فِيهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ فَيُجَازِي كُلًّا فِيهِ بِمَا يَسْتَحِقُّهُ ثَوَابًا وَعِقَابًا، كَمَا وَقَعَ مِنْهُ سُبْحَانَهُ مِنَ الْمَسْخِ لِطَائِفَةٍ مِنْهُمْ وَالتَّنْجِيَةِ لِأُخْرَى، ثُمَّ أَمَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ رَسُولَهُ أَنْ يَدْعُوَ أُمَّتَهُ إِلَى الْإِسْلَامِ فَقَالَ:
ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ وَحُذِفَ الْمَفْعُولُ لِلتَّعْمِيمِ لِكَوْنِهِ بُعِثَ إِلَى النَّاسِ كَافَّةً، وَسَبِيلُ اللَّهِ هُوَ الْإِسْلَامُ بِالْحِكْمَةِ أَيْ: بِالْمَقَالَةِ الْمُحْكَمَةِ الصَّحِيحَةِ، قِيلَ: وَهِيَ الْحُجَجُ الْقَطْعِيَّةُ الْمُفِيدَةُ لِلْيَقِينِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَهِيَ الْمَقَالَةُ الْمُشْتَمِلَةُ عَلَى الْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ الَّتِي يَسْتَحْسِنُهَا السَّامِعُ، وَتَكُونُ فِي نَفْسِهَا حَسَنَةً بِاعْتِبَارِ انْتِفَاعِ السَّامِعِ بِهَا. قِيلَ: وَهِيَ الْحُجَجُ الظَّنِّيَّةُ الْإِقْنَاعِيَّةُ الْمُوجِبَةُ لِلتَّصْدِيقِ بِمُقَدَّمَاتٍ مَقْبُولَةٍ، قِيلَ: وَلَيْسَ لِلدَّعْوَةِ إِلَّا هَاتَانِ الطَّرِيقَتَانِ، وَلَكِنَّ الدَّاعِيَ قَدْ يَحْتَاجُ مَعَ الْخَصْمِ الْأَلَدِّ إِلَى اسْتِعْمَالِ الْمُعَارَضَةِ وَالْمُنَاقَضَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الْجَدَلِ، وَلِهَذَا قَالَ سُبْحَانَهُ: وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ أَيْ: بِالطَّرِيقِ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ طُرُقِ الْمُجَادَلَةِ، وَإِنَّمَا أَمَرَ سُبْحَانَهُ بِالْمُجَادَلَةِ الْحَسَنَةِ لِكَوْنِ الدَّاعِي مُحِقَّا وَغَرَضُهُ صَحِيحًا، وَكَانَ خَصْمُهُ مُبْطِلًا وَغَرَضُهُ فَاسِدًا إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ لَمَّا حَثَّ سُبْحَانَهُ عَلَى الدَّعْوَةِ بِالطُّرُقِ الْمَذْكُورَةِ بَيَّنَ أَنَّ الرُّشْدَ وَالْهِدَايَةَ لَيْسَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنَّمَا ذَلِكَ إِلَيْهِ تَعَالَى، فَقَالَ: إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ أَيْ: هُوَ الْعَالِمُ بِمَنْ يَضِلُّ وَمَنْ يَهْتَدِي وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ أَيْ: بِمَنْ يُبْصِرُ الْحَقَّ فَيَقْصِدُهُ غَيْرَ مُتَعَنِّتٍ، وَإِنَّمَا شَرَعَ لَكَ الدَّعْوَةَ وَأَمَرَكَ بِهَا قَطْعًا لِلْمَعْذِرَةِ وَتَتْمِيمًا لِلْحُجَّةِ وَإِزَاحَةً لِلشُّبْهَةِ، وَلَيْسَ عَلَيْكَ غَيْرَ ذَلِكَ، ثُمَّ لَمَّا كَانَتِ الدَّعْوَةُ تَتَضَمَّنُ تَكْلِيفَ

[1] الأنعام: 90.
نام کتاب : فتح القدير نویسنده : الشوكاني    جلد : 3  صفحه : 242
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست