responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : فتح القدير نویسنده : الشوكاني    جلد : 3  صفحه : 232
لَهُ حُجَّةٌ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ فِي إِغْوَائِهِمْ وَدُعَائِهِمْ إِلَى الضَّلَالَةِ وَمَعْنَى وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ يُفَوِّضُونَ أُمُورَهُمْ إِلَيْهِ فِي كُلِّ قَوْلٍ وَفِعْلٍ، فَإِنَّ الْإِيمَانَ بِاللَّهِ وَالتَّوَكُّلَ عَلَيْهِ يَمْنَعَانِ الشَّيْطَانَ مِنْ وَسْوَسَتِهِ لَهُمْ، وَإِنْ وَسْوَسَ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ لَا تُؤَثِّرُ فِيهِ وَسْوَسَتُهُ وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ تَعْلِيلٌ لِلْأَمْرِ بِالِاسْتِعَاذَةِ، وَهَؤُلَاءِ الْجَامِعُونَ بَيْنَ الْإِيمَانِ وَالتَّوَكُّلِ هُمُ الَّذِينَ قَالَ فِيهِمْ إِبْلِيسُ: إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ، وَقَالَ اللَّهُ فِيهِمْ: إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ [1] ، ثُمَّ حَصَرَ سُبْحَانَهُ سُلْطَانَ الشَّيْطَانِ، فَقَالَ: إِنَّما سُلْطانُهُ أَيْ: تَسَلُّطُهُ عَلَى الْإِغْوَاءِ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ أَيْ: يَتَّخِذُونَهُ وَلِيًّا وَيُطِيعُونَهُ فِي وَسَاوِسِهِ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ الضَّمِيرُ فِي بِهِ يَرْجِعُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، أَيِ: الَّذِينَ هُمْ بِاللَّهِ مُشْرِكُونَ، وَقِيلَ: يَرْجِعُ إِلَى الشَّيْطَانِ وَالْمَعْنَى:
وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ أَجْلِهِ وَبِسَبَبِ وَسْوَسَتِهِ مُشْرِكُونَ بِاللَّهِ وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ هَذَا شُرُوعٌ مِنْهُ سُبْحَانَهُ فِي حِكَايَةٍ شِبْهُ كُفْرِيَّةٍ وَدَفْعِهَا، وَمَعْنَى التَّبْدِيلِ: رَفْعُ الشَّيْءِ مَعَ وَضْعِ غَيْرِهِ مَكَانَهُ، وَتَبْدِيلُ الْآيَةِ رَفْعُهَا بِأُخْرَى غَيْرِهَا، وَهُوَ نَسْخُهَا بِآيَةٍ سِوَاهَا. وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي النَّسْخِ فِي الْبَقَرَةِ قالُوا أَيْ: كُفَّارُ قُرَيْشٍ الْجَاهِلُونَ لِلْحِكْمَةِ فِي النَّسْخِ إِنَّما أَنْتَ يَا مُحَمَّدُ مُفْتَرٍ أَيْ: كَاذِبٌ مُخْتَلِقٌ عَلَى اللَّهِ مُتَقَوِّلٌ عَلَيْهِ بِمَا لَمْ يَقُلْ، حَيْثُ تَزْعُمُ أَنَّهُ أَمَرَكَ بِشَيْءٍ، ثُمَّ تَزْعُمُ أَنَّهُ أَمَرَكَ بِخِلَافِهِ، فَرَدَّ اللَّهُ سُبْحَانَهُ عَلَيْهِمْ بِمَا يُفِيدُ جَهْلَهُمْ فَقَالَ: بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا مِنَ الْعِلْمِ أَصْلًا، أَوْ لَا يَعْلَمُونَ بِالْحِكْمَةِ فِي النَّسْخِ، فَإِنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمَصَالِحِ الَّتِي يَعْلَمُهَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ، فَقَدْ يَكُونُ فِي شَرْعِ هَذَا الشَّيْءِ مَصْلَحَةٌ مُؤَقَّتَةٌ بِوَقْتٍ، ثُمَّ تَكُونُ الْمَصْلَحَةُ بَعْدَ ذَلِكَ الْوَقْتِ فِي شَرْعِ غَيْرِهِ، وَلَوِ انْكَشَفَ الْغِطَاءُ لِهَؤُلَاءِ الْكَفَرَةِ لَعَرَفُوا أَنَّ ذَلِكَ وَجْهُ الصَّوَابِ وَمَنْهَجُ الْعَدْلِ وَالرِّفْقِ وَاللُّطْفِ.
ثُمَّ بَيَّنَ سُبْحَانَهُ لِهَؤُلَاءِ الْمُعْتَرِضِينَ عَلَى حِكْمَةِ النَّسْخِ الزَّاعِمِينَ أَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَأَنَّ رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ افْتَرَاهُ فَقَالَ: قُلْ نَزَّلَهُ أَيِ: الْقُرْآنَ الْمَدْلُولَ عَلَيْهِ بِذِكْرِ الْآيَةِ رُوحُ الْقُدُسِ أَيْ جِبْرِيلُ، وَالْقُدْسُ التَّطْهِيرُ وَالْمَعْنَى: نَزَّلَهُ الرُّوحُ الْمُطَهَّرُ مِنْ أَدْنَاسِ الْبَشَرِيَّةِ، فَهُوَ مِنْ إِضَافَةِ الموصوف إِلَى الصِّفَةِ مِنْ رَبِّكَ أَيِ: ابْتِدَاءُ تَنْزِيلِهِ من عنده سبحانه، وبِالْحَقِّ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ: أَيْ مُتَلَبِّسًا بِكَوْنِهِ حَقًّا ثَابِتًا لِحِكْمَةٍ بَالِغَةٍ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى الْإِيمَانِ، فَيَقُولُونَ: كُلٌّ مِنَ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا، وَلِأَنَّهُمْ أَيْضًا إِذَا عَرَفُوا مَا فِي النَّسْخِ مِنَ الْمَصَالِحِ ثَبَتَتْ أَقْدَامُهُمْ عَلَى الْإِيمَانِ وَرَسَخَتْ عَقَائِدُهُمْ. وَقُرِئَ لِيُثَبِّتَ مِنَ الْإِثْبَاتِ وَهُدىً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ وَهُمَا مَعْطُوفَانِ عَلَى مَحَلِّ لِيُثَبِّتَ، أَيْ: تَثْبِيتًا لَهُمْ وَهِدَايَةً وَبِشَارَةً، وَفِيهِ تَعْرِيضٌ بِحُصُولِ أَضْدَادِ هَذِهِ الْخِصَالِ لِغَيْرِهِمْ. ثُمَّ ذَكَرَ سُبْحَانَهُ شُبْهَةً أُخْرَى مَنْ شُبَهِهِمْ فَقَالَ: وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ اللَّامُ هِيَ الْمُوَطِّئَةُ، أَيْ: وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّ هَؤُلَاءِ الْكُفَّارَ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُ مُحَمَّدًا الْقُرْآنَ بَشَرٌ مِنْ بَنِي آدَمَ غَيْرُ مَلَكٍ. وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي تَعْيِينِ هَذَا الْبَشَرِ الَّذِي زَعَمُوا عَلَيْهِ مَا زَعَمُوا، فَقِيلَ هُوَ غُلَامُ الْفَاكِهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، وَاسْمُهُ جَبْرٌ، وَكَانَ نَصْرَانِيًّا فَأَسْلَمَ، وَكَانَ كُفَّارُ قُرَيْشٍ إِذَا سَمِعُوا مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَارَ الْقُرُونِ الْأُولَى مَعَ كَوْنِهِ أُمِّيًّا، قَالُوا: إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ جَبْرٌ. وَقِيلَ: اسْمُهُ يَعِيشُ، عَبْدٌ لِبَنِي الْحَضْرَمِيِّ، وَكَانَ يَقْرَأُ الْكُتُبَ الْأَعْجَمِيَّةَ. وَقِيلَ: غُلَامٌ لِبَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ. وَقِيلَ: هما غلامان اسم أحدهما

[1] الحجر: 42.
نام کتاب : فتح القدير نویسنده : الشوكاني    جلد : 3  صفحه : 232
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست