responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : فتح القدير نویسنده : الشوكاني    جلد : 3  صفحه : 224
أَيْ: أَلْقَى أُولَئِكَ الْأَصْنَامُ وَالْأَوْثَانُ وَالشَّيَاطِينُ وَنَحْوُهُمْ إِلَى الْمُشْرِكِينَ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكاذِبُونَ أَيْ: قَالُوا لَهُمْ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الْمُشْرِكُونَ لَكَاذِبُونَ فِيمَا تَزْعُمُونَ مِنْ إِحَالَةِ الذَّنْبِ عَلَيْنَا، الَّذِي هُوَ مَقْصُودُكُمْ مِنْ هَذَا الْقَوْلِ.
فَإِنْ قِيلَ إِنَّ الْمُشْرِكِينَ أَشَارُوا إِلَى الْأَصْنَامِ وَنَحْوِهَا أَنَّ هَؤُلَاءِ شُرَكَاؤُنَا الذين كنا ندعوا مِنْ دُونِكَ، وَقَدْ كَانُوا صَادِقِينَ فِي ذَلِكَ، فَكَيْفَ كَذَّبَتْهُمُ الْأَصْنَامُ وَنَحْوُهَا؟ فَالْجَوَابُ بِأَنَّ مُرَادَهُمْ مِنْ قَوْلِهِمْ هَؤُلَاءِ شُرَكَاؤُنَا: هَؤُلَاءِ شُرَكَاءُ اللَّهِ فِي الْمَعْبُودِيَّةِ، فَكَذَّبَتْهُمُ الْأَصْنَامُ فِي دَعْوَى هَذِهِ الشَّرِكَةِ وَالْأَصْنَامُ وَالْأَوْثَانُ وَإِنْ كَانَتْ لَا تَقْدِرُ عَلَى النُّطْقِ فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ يُنْطِقُهَا فِي تِلْكَ الْحَالِ لِتَخْجِيلِ الْمُشْرِكِينَ وَتَوْبِيخِهِمْ، وَهَذَا كَمَا قالت الملائكة: بَلْ كانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ [1] يَعْنُونَ أَنَّ الْجِنَّ هُمُ الَّذِينَ كَانُوا رَاضِينَ بِعِبَادَتِهِمْ لَهُمْ وَأَلْقَوْا إِلَى اللَّهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ أَيْ: أَلْقَى الْمُشْرِكُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الِاسْتِسْلَامَ وَالِانْقِيَادَ لِعَذَابِهِ وَالْخُضُوعَ لِعِزَّتِهِ، وَقِيلَ: اسْتَسْلَمَ الْعَابِدُ وَالْمَعْبُودُ وَانْقَادُوا لِحُكْمِهِ فِيهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كانُوا يَفْتَرُونَ أَيْ: ضَاعَ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَهُ مِنْ أَنَّ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ شُرَكَاءَ وَمَا كَانُوا يَزْعُمُونَ مِنْ شَفَاعَتِهِمْ لَهُمْ، وَأَنَّ عِبَادَتَهُمْ لَهُمْ تُقَرِّبُهُمْ إِلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَصَدُّوا غَيْرَهُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَيْ: عَنْ طَرِيقِ الْحَقِّ، وَهِيَ طَرِيقُ الْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانِ بِأَنْ مَنَعُوهُمْ مِنْ سُلُوكِهَا وَحَمَلُوهُمْ عَلَى الْكُفْرِ وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالصَّدِّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ: الصَّدُّ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَالْأَوْلَى الْعُمُومُ. ثُمَّ أَخْبَرَ عَنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ صَنَعُوا هَذَا الصُّنْعَ بِقَوْلِهِ: زِدْناهُمْ عَذاباً فَوْقَ الْعَذابِ أَيْ:
زَادَهُمُ اللَّهُ عَذَابًا لِأَجْلِ الْإِضْلَالِ لِغَيْرِهِمْ فَوْقَ الْعَذَابِ الَّذِي اسْتَحَقُّوهُ لِأَجْلِ ضَلَالِهِمْ وَقِيلَ: الْمَعْنَى: زِدْنَا الْقَادَةَ عَذَابًا فَوْقَ عَذَابِ أَتْبَاعِهِمْ، أَيْ: أَشَدَّ مِنْهُ وَقِيلَ: إِنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ هِيَ إِخْرَاجُهُمْ مِنَ النَّارِ إِلَى الزَّمْهَرِيرِ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِمْ أَيْ: نَبِيًّا يَشْهَدُ عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ مِنْ جِنْسِهِمْ، إِتْمَامًا لِلْحُجَّةِ وَقَطْعًا لِلْمَعْذِرَةِ، وَهَذَا تَكْرِيرٌ لِمَا سَبَقَ لِقَصْدِ التَّأْكِيدِ وَالتَّهْدِيدِ وَجِئْنا بِكَ يَا مُحَمَّدُ شَهِيداً عَلى هؤُلاءِ أَيْ: تَشْهَدُ عَلَى هَذِهِ الْأُمَمِ وَتَشْهَدُ لَهُمْ، وَقِيلَ: عَلَى أُمَّتِكَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مِثْلُ هَذَا فِي الْبَقَرَةِ وَالنِّسَاءِ وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ أَيِ: الْقُرْآنَ، وَالْجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ أَوْ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ بِتَقْدِيرِ قَدْ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ أَيْ: بَيَانًا لَهُ، وَالتَّاءُ لِلْمُبَالَغَةِ، وَنَظِيرُهُ مِنَ الْمَصَادِرِ التِّلْقَاءُ، وَلَمْ يَأْتِ غَيْرُهُمَا، وَمِثْلُ هَذِهِ الْآيَةِ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ: ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ [2] ، وَمَعْنَى كَوْنِهِ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ أَنَّ فِيهِ الْبَيَانَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْأَحْكَامِ، وَالْإِحَالَةُ فِيمَا بَقِيَ مِنْهَا عَلَى السُّنَّةِ، وَأَمَرَهُمْ بِاتِّبَاعِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا يَأْتِي بِهِ مِنَ الْأَحْكَامِ، وَطَاعَتِهِ كَمَا فِي الْآيَاتِ الْقُرْآنِيَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى ذَلِكَ، وَقَدْ صَحَّ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «إِنِّي أُوتِيتُ الْقُرْآنَ ومثله معه» .
وَهُدىً لِلْعِبَادِ وَرَحْمَةً لَهُمْ وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ خَاصَّةً دُونَ غَيْرِهِمْ، أَوْ يَكُونُ الْهُدَى وَالرَّحْمَةُ وَالْبُشْرَى خَاصَّةً بِهِمْ، لِأَنَّهُمُ الْمُنْتَفِعُونَ بِذَلِكَ. ثُمَّ لَمَّا ذَكَرَ سُبْحَانَهُ أَنَّ فِي الْقُرْآنِ تِبْيَانَ كُلِّ شَيْءٍ ذَكَرَ عَقِبَهُ آيَةً جَامِعَةً لِأُصُولِ التَّكْلِيفِ كُلِّهَا تَصْدِيقًا لِذَلِكَ فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ.
وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي تَفْسِيرِ الْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ، فَقِيلَ: الْعَدْلُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَالْإِحْسَانُ أَدَاءُ الْفَرَائِضِ وَقِيلَ: الْعَدْلُ الْفَرْضُ، وَالْإِحْسَانُ النَّافِلَةُ. وَقِيلَ: الْعَدْلُ اسْتِوَاءُ الْعَلَانِيَةِ وَالسَّرِيرَةِ، والإحسان أن تكون

[1] سبأ: 41.
[2] الأنعام: 38. [.....]
نام کتاب : فتح القدير نویسنده : الشوكاني    جلد : 3  صفحه : 224
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست