responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : فتح القدير نویسنده : الشوكاني    جلد : 3  صفحه : 131
قَادَةُ قُرَيْشٍ أَحَلُّوا قَوْمَهُمْ يَوْمَ بَدْرٍ دَارَ الْبَوَارِ أَيِ: الْهَلَاكِ، وَهُوَ الْقَتْلُ الَّذِي أُصِيبُوا بِهِ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
فَلَمْ أَرَ مِثْلَهُمْ أَبْطَالَ حَرْبٍ ... غَدَاةَ الْحَرْبِ إِذْ خِيفَ الْبَوَارُ
وَالْأَوَّلُ أَوْلَى لِقَوْلِهِ: جَهَنَّمَ فَإِنَّهُ عَطْفُ بَيَانٍ لدار البوار، ويَصْلَوْنَها فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ، أَوْ هُوَ مُسْتَأْنَفٌ لِبَيَانِ كَيْفِيَّةِ حُلُولِهِمْ فِيهَا وَبِئْسَ الْقَرارُ أَيْ: بِئْسَ الْقَرَارُ قَرَارُهُمْ فِيهَا، أَوْ بِئْسَ الْمَقَرُّ جَهَنَّمُ، فَالْمَخْصُوصُ بِالذَّمِّ مَحْذُوفٌ وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً مَعْطُوفٌ عَلَى وَأَحَلُّوا أَيْ: جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ فِي الرُّبُوبِيَّةِ، أَوْ فِي التَّسْمِيَةِ وَهِيَ الْأَصْنَامُ. قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو لِيُضِلُّوا بِفَتْحِ الْيَاءِ أَيْ: لِيَضِلُّوا أَنْفُسَهُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ، وَتَكُونُ اللَّامُ لِلْعَاقِبَةِ أَيْ: لِيَتَعَقَّبَ جَعْلَهُمْ لِلَّهِ أَنْدَادًا ضَلَالُهُمْ لِأَنَّ الْعَاقِلَ لَا يُرِيدُ ضَلَالَ نَفْسِهِ، وَحَسُنَ اسْتِعْمَالُ لَامِ الْعَاقِبَةِ هُنَا لِأَنَّهَا تُشْبِهُ الْغَرَضَ وَالْغَايَةَ مِنْ جِهَةِ حُصُولِهَا فِي آخِرِ الْمَرَاتِبِ، وَالْمُشَابَهَةُ أَحَدُ الْأُمُورِ الْمُصَحِّحَةِ لِلْمَجَازِ. وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِضَمِّ الْيَاءِ لِيُوقِعُوا قَوْمَهُمْ فِي الضَّلَالِ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ، فَهَذَا هُوَ الْغَرَضُ مِنْ جَعْلِهِمْ لِلَّهِ أَنْدَادًا. ثُمَّ هَدَّدَهُمْ سبحانه، فقال لنبيه صلّى الله عليه وَسَلَّمَ: قُلْ تَمَتَّعُوا بِمَا أَنْتُمْ فِيهِ مِنَ الشَّهَوَاتِ، وَمَا زَيَّنَتْهُ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ مِنْ كُفْرَانِ النِّعَمِ وَإِضْلَالِ النَّاسِ فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ أَيْ: مَرَدُّكُمْ وَمَرْجِعُكُمْ إِلَيْهَا لَيْسَ إِلَّا، وَلَمَّا كَانَ هَذَا حَالَهُمْ، وَقَدْ صَارُوا لِفَرْطِ تَهَالُكِهِمْ عَلَيْهِ وَانْهِمَاكِهِمْ فِيهِ لَا يُقْلِعُونَ عَنْهُ، وَلَا يَقْبَلُونَ فِيهِ نُصْحَ النَّاصِحِينَ جُعِلَ الْأَمْرُ بِمُبَاشَرَتِهِ مكان النهي عن قُرْبَانِهِ إِيضَاحًا لِمَا تَكُونُ عَلَيْهِ عَاقِبَتُهُمْ، وَأَنَّهُمْ لَا مَحَالَةَ صَائِرُونَ إِلَى النَّارِ، فَلَا بُدَّ لَهُمْ مِنْ تَعَاطِي الْأَسْبَابِ الْمُقْتَضِيَةِ ذَلِكَ، فَجُمْلَةُ فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ تَعْلِيلٌ لِلْأَمْرِ بِالتَّمَتُّعِ، وَفِيهِ مِنَ التَّهْدِيدِ مَا لَا يُقَادَرُ قَدَرُهٌ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْجُمْلَةُ جَوَابًا لِمَحْذُوفٍ دَلَّ عَلَيْهِ سِيَاقُ الْكَلَامِ، كَأَنَّهُ قِيلَ: فَإِنْ دُمْتُمْ عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، وَالنَّظْمُ الْقُرْآنِيِّ عَلَيْهِ أَدَلُّ، وَذَلِكَ كَمَا يُقَالُ لِمَنْ يَسْعَى فِي مُخَالَفَةِ السُّلْطَانِ: اصْنَعْ مَا شِئْتَ مِنَ الْمُخَالَفَةِ فَإِنَّ مَصِيرَكَ إِلَى السَّيْفِ قُلْ لِعِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً لَمَّا أَمَرَهُ بِأَنْ يَقُولَ لِلْمُبَدِّلِينَ نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا، الْجَاعِلِينَ لِلَّهِ أَنْدَادًا، مَا قَالَهُ لَهُمْ أَمَرَهُ سُبْحَانَهُ أَنْ يَقُولَ لِلطَّائِفَةِ الْمُقَابِلَةِ لَهُمْ، وَهِيَ طَائِفَةُ الْمُؤْمِنِينَ هَذَا الْقَوْلَ، وَالْمَقُولُ مَحْذُوفٌ دَلَّ عَلَيْهِ الْمَذْكُورُ أَيْ: قُلْ لِعِبَادِي أَقِيمُوا وَأَنْفِقُوا وَيُقِيمُوا وَيُنْفِقُوا، فَجَزَمَ يُقِيمُوا عَلَى أَنَّهُ جَوَابُ الْأَمْرِ الْمَحْذُوفِ، وَكَذَلِكَ يُنْفِقُوا، ذَكَرَ مَعْنَى هَذَا الْفَرَّاءُ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: إِنَّ يُقِيمُوا مَجْزُومٌ بِمَعْنَى اللَّامِ، أَيْ:
لِيُقِيمُوا فَأُسْقِطَتِ اللَّامُ، ثُمَّ ذَكَرَ وَجْهًا آخَرَ لِلْجَزْمِ مِثْلَ مَا ذَكَرَهُ الْفَرَّاءُ: وَانْتِصَابُ سِرًّا وَعَلَانِيَةً، إِمَّا عَلَى الْحَالِ، أَيْ: مُسِرِّينَ وَمُعْلِنِينَ، أَوْ عَلَى الْمَصْدَرِ، أَيْ: إِنْفَاقَ سِرٍّ وَإِنْفَاقَ عَلَانِيَةٍ، أَوْ عَلَى الظَّرْفِ، أَيْ:
وَقْتَ سِرٍّ وَوَقْتَ عَلَانِيَةٍ. قَالَ الْجُمْهُورُ: السِّرُّ مَا خَفِيَ، وَالْعَلَانِيَةُ مَا ظَهَرَ. وَقِيلَ: السِّرُّ التَّطَوُّعُ، وَالْعَلَانِيَةُ الْفَرْضُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ هَذَا عِنْدَ تَفْسِيرِ قَوْلِهِ: إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمَّا هِيَ [1] . مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خِلالٌ قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: الْبَيْعُ هَاهُنَا الْفِدَاءُ، وَالْخِلَالُ الْمُخَالَّةُ، وَهُوَ مَصْدَرٌ. قَالَ الْوَاحِدِيُّ:
هَذَا قَوْلُ جَمِيعِ أَهْلِ اللُّغَةِ. وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ جَمْعَ خُلَّةٍ مِثْلَ بُرْمَةِ وَبِرَامٍ، وَعُلْبَةِ وَعِلَابٍ، وَالْمَعْنَى: أَنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا بَيْعَ فِيهِ حَتَّى يَفْتَدِيَ الْمُقَصِّرُ فِي الْعَمَلِ نَفْسَهُ مِنْ عَذَابِ الله بدفع عوض عن ذلك،

[1] البقرة: 271.
نام کتاب : فتح القدير نویسنده : الشوكاني    جلد : 3  صفحه : 131
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست