responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : فتح القدير نویسنده : الشوكاني    جلد : 2  صفحه : 363
الذَّوْقِ بِالْفَمِ، وَالْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: ذلِكَ إِلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ الضَّرْبِ وَالْعَذَابِ وَالْبَاءُ فِي بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ سَبَبِيَّةٌ، أَيْ: ذَلِكَ وَاقِعٌ بِسَبَبِ مَا كَسَبْتُمْ مِنَ الْمَعَاصِي، وَاقْتَرَفْتُمْ مِنَ الذُّنُوبِ، وَجُمْلَةُ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ فِي مَحَلِّ رَفْعٍ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ: وَالْأَمْرُ أَنَّهُ لَا يَظْلِمُهُمْ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَعْطُوفَةً عَلَى الْجُمْلَةِ الْوَاقِعَةِ خَبَرًا لِقَوْلِهِ: ذلِكَ وَهِيَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ أَيْ: ذَلِكَ العذاب بسبب المعاصي، وبسبب أَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ لِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ قَدْ أَرْسَلَ إِلَيْهِمْ رُسُلَهُ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِمْ كُتَبَهُ، وَأَوْضَحَ لَهُمُ السَّبِيلَ، وَهَدَاهُمُ النَّجْدَيْنِ، كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ: وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ [1] قَوْلُهُ:
كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ لَمَّا ذَكَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ مَا أَنْزَلَهُ بِأَهْلِ بَدْرٍ، أَتْبَعَهُ بِمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذِهِ سُنَّتُهُ فِي فِرَقِ الْكَافِرِينَ، وَالدَّأْبُ: الْعَادَةُ، وَالْكَافُ: فِي مَحَلِّ الرَّفْعِ عَلَى الْخَبَرِيَّةِ لِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ: دَأْبِ هَؤُلَاءِ مِثْلُ دَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ. وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ جُوزِيَ هَؤُلَاءِ كَمَا جُوزِيَ أُولَئِكَ، فَكَانَتِ الْعَادَةُ فِي عَذَابِ هَؤُلَاءِ كَالْعَادَةِ الْمَاضِيَةِ لِلَّهِ فِي تَعْذِيبِ طَوَائِفِ الْكُفْرِ، وَجُمْلَةُ قَوْلِهِ: كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ مُفَسِّرَةٌ لِدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ، أَي: دَأْبُهُمْ هَذَا هُوَ أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ، فَتَسَبَّبَ عَنْ كُفْرِهِمْ أَخْذُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ لَهُمْ، وَالْمُرَادُ بِذُنُوبِهِمْ:
مَعَاصِيهِمُ الْمُتَرَتِّبَةُ عَلَى كُفْرِهِمْ، فَيَكُونُ الْبَاءَ فِي بِذُنُوبِهِمْ لِلْمُلَابَسَةِ، أَيْ: فَأَخَذَهُمْ مُتَلَبِّسِينَ بِذُنُوبِهِمْ غَيْرَ تَائِبِينَ عَنْهَا، وَجُمْلَةُ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقابِ مُعْتَرِضَةٌ مُقَرِّرَةٌ لِمَضْمُونِ مَا قَبْلَهَا، وَالْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ:
ذلِكَ إِلَى الْعِقَابِ الَّذِي أَنْزَلَهُ اللَّهُ بِهِمْ، وَهُوَ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرُهُ مَا بَعْدَهُ، وَالْجُمْلَةُ جَارِيَةٌ مَجْرَى التَّعْلِيلِ لِمَا حَلَّ بِهِمْ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ. وَالْمَعْنَى: أَنَّ ذَلِكَ الْعِقَابَ بِسَبَبِ أَنَّ عَادَةَ اللَّهِ فِي عِبَادِهِ عَدَمُ تَغْيِيرِ نِعَمِهِ الَّتِي يُنْعِمُ بِهَا عَلَيْهِمْ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ مِنَ الْأَحْوَالِ وَالْأَخْلَاقِ بِكُفْرَانِ نِعَمِ اللَّهِ، وَغَمْطِ إِحْسَانِهِ، وَإِهْمَالِ أَوَامِرِهِ وَنَوَاهِيهِ، وَذَلِكَ كَمَا كَانَ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ وَمَنْ قَبْلَهُمْ، وَمِنْ قُرَيْشٍ وَمَنْ يُمَاثِلُهُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَإِنَّ اللَّهَ فَتَحَ لَهُمْ أَبْوَابَ الْخَيْرَاتِ فِي الدُّنْيَا، وَمَنَّ عَلَيْهِمْ بِإِرْسَالِ الرُّسُلِ وَإِنْزَالِ الْكُتُبِ، فَقَابَلُوا هَذِهِ النِّعَمَ بِالْكُفْرِ فَاسْتَحَقُّوا تَغْيِيرَ النِّعَمِ، كَمَا غَيَّرُوا مَا كَانَ يَجِبُ عَلَيْهِمْ سُلُوكُهُ، وَالْعَمَلُ بِهِ مِنْ شُكْرِهَا وَقَبُولِهَا، وَجُمْلَةُ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ مَعْطُوفَةٌ عَلَى بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً دَاخِلَةٌ مَعَهَا فِي التَّعْلِيلِ، أَيْ: ذَلِكَ بِسَبَبِ أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا إِلَخْ، وَبِسَبَبِ أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ يَسْمَعُ مَا يَقُولُونَهُ وَيَعْلَمُ مَا يَفْعَلُونَهُ. وَقُرِئَ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ، ثُمَّ كَرَّرَ مَا تَقَدَّمَ، فَقَالَ كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لِقَصْدِ التَّأْكِيدِ، مَعَ زِيَادَةِ أَنَّهُ كَالْبَيَانِ لِلْأَخْذِ بِالذُّنُوبِ بِأَنَّهُ كَانَ بِالْإِغْرَاقِ وَقِيلَ: إِنَّ الْأَوَّلَ بِاعْتِبَارِ مَا فَعَلَهُ آلُ فِرْعَوْنَ وَمَنْ شُبِّهَ بِهِمْ، وَالثَّانِي بِاعْتِبَارٍ مَا فُعِلَ بِهِمْ وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالْأَوَّلِ كُفْرُهُمْ بِاللَّهِ، وَبِالثَّانِي تَكْذِيبُهُمُ الْأَنْبِيَاءَ وَقِيلَ:
غَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَخْلُو عَنْ تعسف، والكلام في فَأَهْلَكْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ كَالْكَلَامِ الْمُتَقَدِّمِ فِي: فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ مَعْطُوفٌ عَلَى أَهْلَكْنَاهُمْ، عَطْفَ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ، لِفَظَاعَتِهِ وَكَوْنِهِ مِنْ أَشَدِّ أنواع الإهلاك، ثم حكم على كلا الطَّائِفَتَيْنِ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ، وَمِنْ كَفَّارِ قُرَيْشٍ بِالظُّلْمِ لِأَنْفُسِهِمْ، بِمَا تَسَبَّبُوا بِهِ لِعَذَابِ اللَّهِ مِنَ الْكُفْرِ بِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرُسُلِهِ، وَبِالظُّلْمِ لِغَيْرِهِمْ، كَمَا كَانَ يَجْرِي مِنْهُمْ في معاملاتهم للناس بأنواع الظلم.

[1] النحل: 118.
نام کتاب : فتح القدير نویسنده : الشوكاني    جلد : 2  صفحه : 363
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست