responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : فتح القدير نویسنده : الشوكاني    جلد : 2  صفحه : 342
وَدَاعٍ دَعَا يَا مَنْ يُجِيبُ إِلَى النَّدَى ... فَلَمْ يَسْتَجِبْهُ عِنْدَ ذَاكَ مُجِيبُ
إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ اللَّامُ مُتَعَلِّقَةٌ بِقَوْلِهِ اسْتَجِيبُوا أَيِ: اسْتَجِيبُوا لِمَا يُحْيِيكُمْ إِذَا دَعَاكُمْ، وَلَا مَانِعَ من أن تكون متعلقة بدعا، أَيْ: إِذَا دَعَاكُمْ إِلَى مَا فِيهِ حَيَاتُكُمْ مِنْ عُلُومِ الشَّرِيعَةِ، فَإِنَّ الْعِلْمَ حَيَاةٌ، كَمَا أَنَّ الْجَهْلَ مَوْتٌ، فَالْحَيَاةُ هُنَا: مُسْتَعَارَةٌ لِلْعِلْمِ، قَالَ الْجُمْهُورُ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ: الْمَعْنَى اسْتَجِيبُوا لِلطَّاعَةِ وما تضمّنه القرآن من أوامر ونواه، فَفِيهِ الْحَيَاةُ الْأَبَدِيَّةُ، وَالنِّعْمَةُ السَّرْمَدِيَّةُ وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ لِما يُحْيِيكُمْ الْجِهَادُ، فَإِنَّهُ سَبَبُ الْحَيَاةِ فِي الظَّاهِرِ، لِأَنَّ الْعَدُوَّ إِذَا لَمْ يُغْزَ غَزَا، وَيُسْتَدَلُّ بِهَذَا الْأَمْرِ بِالِاسْتِجَابَةِ عَلَى أَنَّهُ:
يَجِبُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ إِذَا بَلَغَهُ قَوْلُ اللَّهِ، أَوْ قَوْلُ رَسُولِهِ فِي حُكْمٍ مِنَ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ أَنْ يُبَادِرَ إِلَى الْعَمَلِ بِهِ كَائِنًا مَا كَانَ، وَيَدَعَ مَا خَالَفَهُ مِنَ الرَّأْيِ، وَأَقْوَالِ الرِّجَالِ. وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ الشَّرِيفَةِ أَعْظَمُ بَاعِثٍ عَلَى الْعَمَلِ بِنُصُوصِ الْأَدِلَّةِ، وَتَرْكِ التَّقَيُّدِ بِالْمَذَاهِبِ، وَعَدَمِ الِاعْتِدَادِ بِمَا يُخَالِفُ مَا فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ كَائِنًا مَا كَانَ. قَوْلُهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ قِيلَ مَعْنَاهُ: بَادِرُوا إِلَى الِاسْتِجَابَةِ، قَبْلَ أَنْ لَا تَتَمَكَّنُوا مِنْهَا، بِزَوَالِ الْقُلُوبِ الَّتِي تَعْقِلُونَ بِهَا، بِالْمَوْتِ الَّذِي كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكُمْ وَقِيلَ مَعْنَاهُ: إِنَّهُ خَافَ الْمُسْلِمُونَ يَوْمَ بَدْرٍ كَثْرَةَ الْعَدُوِّ، فَأَعْلَمَهُمُ اللَّهُ أَنَّهُ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ، بِأَنْ يُبَدِّلَهُمْ بَعْدَ الْخَوْفِ أَمْنًا، وَيُبَدِّلَ عَدُوَّهُمْ مِنَ الْأَمْنِ خَوْفًا وَقِيلَ:
هُوَ مِنْ بَابِ التَّمْثِيلِ لِقُرْبِهِ سُبْحَانَهُ مِنَ الْعَبْدِ كَقَوْلِهِ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ [1] وَمَعْنَاهُ: أَنَّهُ مُطَّلِعٌ عَلَى ضَمَائِرِ الْقُلُوبِ لَا تَخْفَى عَلَيْهِ مِنْهَا خَافِيَةٌ. وَاخْتَارَ ابْنُ جَرِيرٍ أَنَّ هَذَا مِنْ بَابِ الْإِخْبَارِ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، بِأَنَّهُ أَمْلَكُ لِقُلُوبِ عِبَادِهِ مِنْهُمْ، وَأَنَّهُ يَحُولُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهَا إِذَا شَاءَ، حَتَّى لَا يُدْرِكَ الْإِنْسَانُ شَيْئًا إِلَّا بِمَشِيئَتِهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَلَا يَخْفَاكَ أَنَّهُ لَا مَانِعَ مِنْ حَمْلِ الْآيَةِ عَلَى جَمِيعِ هَذِهِ الْمَعَانِي وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ مَعْطُوفٌ عَلَى أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّكُمْ مَحْشُورُونَ إِلَيْهِ وَهُوَ مُجَازِيكُمْ بِالْخَيْرِ خَيْرًا، وَبِالشَّرِّ شَرًّا، قَالَ الْفَرَّاءُ: وَلَوِ اسْتَأْنَفْتَ فَكَسَرْتَ هَمْزَةَ أَنَّهُ لَكَانَ صَوَابًا، وَلَعَلَّ مُرَادَهُ: أَنَّ مِثْلَ هَذَا جَائِزٌ فِي الْعَرَبِيَّةِ. قَوْلُهُ وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً أَيِ: اتَّقُوا فِتْنَةً تَتَعَدَّى الظَّالِمَ، فَتُصِيبُ الصَّالِحَ وَالطَّالِحَ، وَلَا تَخْتَصُّ إِصَابَتُهَا بِمَنْ يُبَاشِرُ الظُّلْمَ مِنْكُمْ.
وَقَدِ اخْتَلَفَ النُّحَاةُ فِي دُخُولِ هَذِهِ النُّونِ الْمُؤَكِّدَةِ فِي تُصِيبَنَّ فَقَالَ الْفَرَّاءُ: هُوَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِكَ: انْزِلْ عَنِ الدَّابَّةِ لَا تَطْرَحَنَّكَ، فَهُوَ جَوَابُ الْأَمْرِ بِلَفْظِ النَّهْيِ، أَيْ: إِنْ تَنْزِلْ عَنْهَا لَا تَطْرَحَنَّكَ، وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَجُنُودُهُ [2] أَيْ: إِنْ تَدْخُلُوا لَا يَحْطِمَنَّكُمْ، فَدَخَلَتِ النُّونُ لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى الْجَزَاءِ، وَقَالَ الْمِبْرِّدُ: إِنَّهُ نَهْيٌ بَعْدَ أَمْرٍ. وَالْمَعْنَى: النَّهْيُ لِلظَّالِمِينَ، أَيْ: لَا يَقْرَبَنَّ الظُّلْمَ، وَمِثْلُهُ مَا رُوِيَ عَنْ سِيبَوَيْهِ لَا أَرَيَنَّكَ هَاهُنَا، فَإِنَّ مَعْنَاهُ: لَا تَكُنْ هَاهُنَا، فَإِنَّ مَنْ كَانَ هَاهُنَا رَأَيْتَهُ. وَقَالَ الْجُرْجَانِيُّ:
إِنَّ: لَا تُصِيبَنَّ، نَهْيٌ فِي مَوْضِعِ وَصْفٍ لِفِتْنَةٍ، وَقَرَأَ عَلِيٌّ وَزَيْدُ بن ثَابِتٍ وَأُبَيٌّ وَابْنُ مَسْعُودٍ لَتُصِيبَنَّ عَلَى أَنَّ اللَّامَ جَوَابٌ لِقَسَمٍ مَحْذُوفٍ، وَالتَّقْدِيرُ: اتَّقَوْا فِتْنَةً وَاللَّهِ لَتُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً، فَيَكُونُ مَعْنَى هَذِهِ الْقِرَاءَةِ مُخَالِفًا لِمَعْنَى قِرَاءَةِ الْجَمَاعَةِ، لِأَنَّهَا تُفِيدُ أَنَّ الْفِتْنَةَ تُصِيبُ الظَّالِمَ خَاصَّةً بِخِلَافِ قِرَاءَةِ الْجَمَاعَةِ.
وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ وَمِنْ شِدَّةِ عِقَابِهِ أَنَّهُ يُصِيبُ بِالْعَذَابِ من لم يباشر أسبابه، وقد وردت

[1] ق: 16.
[2] النمل: 18.
نام کتاب : فتح القدير نویسنده : الشوكاني    جلد : 2  صفحه : 342
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست