responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : فتح القدير نویسنده : الشوكاني    جلد : 1  صفحه : 420
قوله: قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ خِطَابٌ لِلْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، وَالِاسْتِفْهَامُ فِي قَوْلِهِ: لِمَ تَكْفُرُونَ:
لِلْإِنْكَارِ وَالتَّوْبِيخِ. وَقَوْلُهُ: وَاللَّهُ شَهِيدٌ عَلى مَا تَعْمَلُونَ جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ، مُؤَكِّدَةٌ لِلتَّوْبِيخِ وَالْإِنْكَارِ، وَهَكَذَا الْمَجِيءُ بِصِيغَةِ الْمُبَالَغَةِ فِي: شَهِيدٍ، يُفِيدُ مَزِيدَ التَّشْدِيدِ وَالتَّهْوِيلِ، وَالِاسْتِفْهَامُ فِي قَوْلِهِ: لِمَ تَصُدُّونَ يُفِيدُ مَا أَفَادَهُ الِاسْتِفْهَامُ الْأَوَّلُ. وَقَرَأَ الْحَسَنُ: تَصُدُّونَ مِنْ أَصُدُّ، وَهُمَا لُغَتَانِ: مِثْلُ: صَدَّ اللَّحْمُ، وَأَصَدَّ:
إِذَا تَغَيَّرَ وَأَنْتَنَ، وَسَبِيلُ اللَّهِ: دِينُهُ الَّذِي ارْتَضَاهُ لِعِبَادِهِ، وَهُوَ دِينُ الْإِسْلَامِ، وَالْعِوَجُ: الْمَيْلُ وَالزَّيْغُ، يُقَالُ:
عِوَجٌ بِالْكَسْرِ: إِذَا كَانَ فِي الدِّينِ وَالْقَوْلِ وَالْعَمَلِ، وَبِالْفَتْحِ: فِي الْأَجْسَامِ كَالْجِدَارِ وَنَحْوِهِ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، وَغَيْرِهِ، وَمَحَلُّ قَوْلِهِ: تَبْغُونَها عِوَجاً النَّصْبُ عَلَى الْحَالِ. وَالْمَعْنَى: تَطْلُبُونَ لَهَا اعْوِجَاجًا، وَمَيْلًا عَنِ الْقَصْدِ وَالِاسْتِقَامَةِ، بِإِبْهَامِكُمْ عَلَى النَّاسِ بِأَنَّهَا كَذَلِكَ، تَثْقِيفًا لِتَحْرِيفِكُمْ، وَتَقْوِيمًا لِدَعَاوِيكُمُ الْبَاطِلَةِ: وَقَوْلُهُ: وَأَنْتُمْ شُهَداءُ جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ، أَيْ: كَيْفَ تَطْلُبُونَ ذَلِكَ بِمِلَّةِ الْإِسْلَامِ وَالْحَالُ أَنَّكُمْ تَشْهَدُونَ أَنَّهَا دِينُ اللَّهِ الَّذِي لَا يَقْبَلُ غيره كما عرفتم ذلك من كتبكم المنزلة على أنبيائكم؟ قيل: إن في التوراة: أن دين الله الذي لا يقبل غيره الإسلام، وَأَنَّ فِيهِ نَعْتَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقِيلَ: الْمُرَادُ وَأَنْتُمْ شُهَداءُ أَيْ: عُقَلَاءُ وَقِيلَ: الْمَعْنَى وَأَنْتُمْ شُهَدَاءُ بَيْنَ أَهْلِ دِينِكُمْ، مَقْبُولُونَ عِنْدَهُمْ، فَكَيْفَ تَأْتُونَ بِالْبَاطِلِ الَّذِي يُخَالِفُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بَيْنَ أَهْلِ دِينِكُمْ؟ ثُمَّ تَوَعَّدَهُمْ سُبْحَانَهُ بِقَوْلِهِ: وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ثُمَّ خَاطَبَ سُبْحَانَهُ الْمُؤْمِنِينَ مُحَذِّرًا لَهُمْ عَنْ طَاعَةِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، مُبَيِّنًا لَهُمْ أَنَّ تلك الطاعة تفضي إلى أن يردونهم بَعْدَ إِيمَانِهِمْ كَافِرِينَ، وَسَيَأْتِي بَيَانُ سَبَبِ نُزُولِ الْآيَةِ. وَالِاسْتِفْهَامُ فِي قَوْلِهِ: وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ لِلْإِنْكَارِ، أَيْ: مِنْ أَيْنَ يَأْتِيكُمْ ذَلِكَ وَلَدَيْكُمْ مَا يَمْنَعُ مِنْهُ وَيَقْطَعُ أَثَرَهُ، وَهُوَ تِلَاوَةُ آيَاتِ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَكَوْنُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ؟ وَمَحَلُّ قَوْلِهِ: وَأَنْتُمْ وَمَا بَعْدَهُ: النَّصْبُ عَلَى الْحَالِ. ثُمَّ أَرْشَدَهُمْ إِلَى الِاعْتِصَامِ بِاللَّهِ، لِيَحْصُلَ لَهُمْ بِذَلِكَ الْهِدَايَةُ إِلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ، الَّذِي هُوَ الْإِسْلَامُ، وَفِي وَصْفِ الصِّرَاطِ بِالْاسْتِقَامَةِ رَدٌّ عَلَى مَا ادَّعَوْهُ مِنَ الْعِوَجِ. قَالَ الزَّجَّاجُ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الخطاب لأصحاب محمد صلّى الله عليه وَسَلَّمَ خَاصَّةً، لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِيهِمْ وَهُمْ يُشَاهِدُونَهُ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْخِطَابُ لِجَمِيعِ الْأُمَّةِ، لِأَنَّ آثَارَهُ وَعَلَامَتَهُ وَالْقُرْآنَ الَّذِي أُوتِيَهُ فِينَا، فَكَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فينا وإن لم نشاهد. انْتَهَى. وَمَعْنَى الِاعْتِصَامِ بِاللَّهِ: التَّمَسُّكُ بِدِينِهِ وَطَاعَتِهِ، وَقِيلَ: بِالْقُرْآنِ، يُقَالُ: اعْتَصَمَ بِهِ وَاسْتَعْصَمَ وَتَمَسَّكَ وَاسْتَمْسَكَ: إِذَا امْتَنَعَ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ، وَعَصَمَهُ الطَّعَامُ: مُنِعَ الْجُوعُ مِنْهُ.
قَوْلُهُ: اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ أَيِ: التَّقْوَى الَّتِي تَحِقُّ لَهُ، وَهِيَ: أَنْ لَا يَتْرُكَ الْعَبْدُ شَيْئًا مِمَّا يلزمه فعله، ولا يفعل شَيْئًا مِمَّا يَلْزَمُهُ تَرْكُهُ، وَيَبْذُلُ فِي ذَلِكَ جُهْدَهُ وَمُسْتَطَاعَهُ. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: ذَكَرَ الْمُفَسِّرُونَ: أَنَّهَا لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! مَنْ يَقْوَى عَلَى هَذَا؟ وَشَقَّ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ فَنُسِخَتْ هَذِهِ الْآيَةُ. رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ قَتَادَةَ، وَالرَّبِيعِ، وَابْنِ زَيْدٍ. قَالَ مُقَاتِلٌ: وَلَيْسَ فِي آلِ عِمْرَانَ مِنَ الْمَنْسُوخِ شَيْءٌ إِلَّا هَذَا. وَقِيلَ: إِنَّ قَوْلَهُ: اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ مُبَيَّنٌ بِقَوْلِهِ: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [1] وَالْمَعْنَى: اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ مَا اسْتَطَعْتُمْ. قَالَ: وَهَذَا أَصْوَبُ، لِأَنَّ النَّسْخَ إِنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ عَدَمِ الْجَمْعِ، وَالْجَمْعُ مُمْكِنٌ، فَهُوَ أَوْلَى. قَوْلُهُ: وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ أَيْ: لَا تكونن على حال

[1] التغابن: 16.
نام کتاب : فتح القدير نویسنده : الشوكاني    جلد : 1  صفحه : 420
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست