responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : فتح القدير نویسنده : الشوكاني    جلد : 1  صفحه : 225
بِالْعَلَانِيَةِ، وَإِيَّاكَ وَالسِّرَّ» . وَهَكَذَا يَنْبَغِي حَمْلُ مَا وَرَدَ مِنَ الْأَحَادِيثِ الَّتِي قَرَنَ فِيهَا بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فِي أَنَّهُمَا مِنْ أَفْضَلِ الْأَعْمَالِ، وَأَنَّهُمَا كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا، وَأَنَّهُمَا يَهْدِمَانِ مَا كَانَ قَبْلَهُمَا، وَنَحْوِ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ الْحَصْرُ: الْحَبْسُ. قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ وَالْكِسَائِيُّ وَالْخَلِيلُ: إِنَّهُ يُقَالُ: أُحْصِرَ بِالْمَرَضِ، وَحُصِرَ بِالْعَدُوِّ.
وَفِي الْمُجْمَلِ لِابْنِ فَارِسٍ الْعَكْسُ، يُقَالُ: أُحْصِرَ بِالْعَدُوِّ، وَحُصِرَ بِالْمَرَضِ. وَرَجَّحَ الْأَوَّلَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ وَقَالَ:
هُوَ رَأْيُ أَكْثَرِ أَهْلِ اللُّغَةِ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: إِنَّهُ كَذَلِكَ عِنْدَ جَمِيعِ أَهْلِ اللُّغَةِ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: هُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ فِي الْمَرَضِ وَالْعَدُوِّ. وَوَافَقَهُ عَلَى ذَلِكَ أَبُو عَمْرٍو الشَّيْبَانِيُّ، فَقَالَ: حَصَرَنِي الشَّيْءُ وَأَحْصَرَنِي: أَيْ: حَبَسَنِي.
وَبِسَبَبِ هَذَا الِاخْتِلَافِ بَيْنَ أَهْلِ اللُّغَةِ اخْتَلَفَ أَئِمَّةُ الْفِقْهِ فِي مَعْنَى الْآيَةِ، فَقَالَتِ الْحَنَفِيَّةُ: الْمُحْصَرُ مَنْ يَصِيرُ مَمْنُوعًا مِنْ مَكَّةَ بَعْدَ الْإِحْرَامِ بِمَرَضٍ أو عدوّ أو غيره. وقال الشَّافِعِيَّةُ وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ: الْمُرَادُ بِالْآيَةِ: حَصْرُ الْعَدُوِّ.
وَقَدْ ذَهَبَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ إِلَى أَنَّ الْمُحْصَرَ بِعَدُوٍّ يَحِلُّ حَيْثُ أُحْصِرَ، وَيَنْحَرُ هَدْيَهُ إِنْ كَانَ ثَمَّ هَدْيٌ، وَيَحْلِقُ رَأْسَهُ، كَمَا فَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ فِي الْحُدَيْبِيَةِ. وَقَوْلُهُ: فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ «مَا» فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ عَلَى الِابْتِدَاءِ أَوِ الْخَبَرِ، أَيْ: فَالْوَاجِبُ أَوْ فَعَلَيْكُمْ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ، أَيْ: فَانْحَرُوا، أَوْ فَاهْدُوا مَا اسْتَيْسَرَ، أَيْ: مَا تَيَسَّرَ، يُقَالُ: يَسَّرَ الْأَمْرَ وَاسْتَيْسَرَ، كَمَا يُقَالُ: صَعَّبَ وَاسْتَصْعَبَ، والهديّ وَالْهَدِيُّ لُغَتَانِ، وَهُمَا جَمْعُ هَدِيَّةٍ، وَهِيَ: مَا يُهْدَى إِلَى الْبَيْتِ مِنْ بَدَنَةٍ أَوْ غَيْرِهَا. قَالَ الْفَرَّاءُ: أَهْلُ الْحِجَازِ وَبَنُو أَسَدٍ يُخَفِّفُونَ الْهَدْيَ، وَتَمِيمٌ وَسُفْلَى قَيْسٍ يُثَقِّلُونَ. قَالَ الشَّاعِرُ:
حلفت بربّ مكّة وَالْمُصَلَّى ... وَأَعْنَاقِ الْهَدْيِ مُقَلَّدَاتِ
قَالَ: وَوَاحِدُ الْهَدْيِ هدية، ويقال في جمع الهديّ أهداء. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الْمُرَادِ بِقَوْلِهِ: فَمَا اسْتَيْسَرَ فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّهُ شَاةٌ. وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ، وَعَائِشَةُ، وَابْنُ الزُّبَيْرِ: جَمَلٌ أَوْ بَقَرَةٌ. وَقَالَ الْحَسَنُ:
أَعْلَى الْهَدْيِ بَدَنَةٌ، وَأَوْسَطُهُ بقرة، وأدناه شاة، وقوله: وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ هُوَ خِطَابٌ لِجَمِيعِ الْأُمَّةِ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ مُحْصَرٍ وَغَيْرِ مُحْصَرٍ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ جَمْعٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ- وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ إِلَى أَنَّهُ خِطَابٌ لِلْمُحْصَرِينَ خَاصَّةً، أَيْ: لَا تَحِلُّوا مِنَ الْإِحْرَامِ حَتَّى تَعْلَمُوا أَنَّ الْهَدْيَ الَّذِي بَعَثْتُمُوهُ إِلَى الْحَرَمِ قَدْ بَلَغَ مَحِلَّهُ، وَهُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي يَحِلُّ فِيهِ ذَبْحُهُ. وَاخْتَلَفُوا فِي تَعْيِينِهِ، فَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ: هُوَ مَوْضِعُ الْحَصْرِ، اقْتِدَاءً بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيْثُ أُحْصِرَ فِي عَامِ الْحُدَيْبِيَةِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: هُوَ الْحَرَمُ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ثُمَّ مَحِلُّها إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ [1] وَأُجِيبَ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ الْمُخَاطَبَ بِهِ هُوَ الْآمِنُ الَّذِي يُمْكِنُهُ الْوُصُولُ إِلَى الْبَيْتِ. وَأَجَابَ الْحَنَفِيَّةُ عَنْ نَحْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحُدَيْبِيَةِ بِأَنَّ طَرَفَ الْحُدَيْبِيَةِ الَّذِي إِلَى أَسْفَلَ مَكَّةَ هُوَ مِنَ الْحَرَمِ، وَرُدَّ بِأَنَّ الْمَكَانَ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ النَّحْرُ لَيْسَ هُوَ مِنَ الْحَرَمِ. قَوْلُهُ: فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً
الْآيَةَ، الْمُرَادُ بِالْمَرَضِ هُنَا: مَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ مُسَمَّى الْمَرَضِ لُغَةً. وَالْمُرَادُ بِالْأَذَى مِنَ الرَّأْسِ: مَا فِيهِ مِنْ قَمْلٍ أَوْ جِرَاحٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَمَعْنَى الْآيَةِ: أَنَّ مَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَحَلَقَ فَعَلَيْهِ فِدْيَةٌ. وَقَدْ بَيَّنَتِ السُّنَّةُ مَا أُطْلِقَ هُنَا مِنَ الصِّيَامِ وَالصَّدَقَةِ وَالنُّسُكِ، فَثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ رَأَى كَعْبَ بْنَ عُجْرَةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ وَقَمْلُهُ يَتَسَاقَطُ عَلَى وَجْهِهِ، فَقَالَ: «أَيُؤْذِيكَ هَوَامُّ رَأْسِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَحْلِقَ ويطعم ستّة مساكين، أو يهدي

[1] الحج: 33.
نام کتاب : فتح القدير نویسنده : الشوكاني    جلد : 1  صفحه : 225
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست