نام کتاب : زاد المسير في علم التفسير نویسنده : ابن الجوزي جلد : 3 صفحه : 245
بلغ قوله: أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (19) وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى [1] فألقى الشيطان على لسانه: تلك الغرانيق العلى، وإِن شفاعتهن لترتجى فلما سمعت قريش بذلك فرحوا، فأتاه جبريل، فقال: ماذا صنعتَ؟
تلوتَ على الناس ما لم آتِكَ به عن الله، فحزن رسول الله صلى الله عليه وسلّم حزناً شديداً، فنزلت هذه الآية تطييباً لقلبه، وإِعلاماً له أن الأنبياء قد جرى لهم مثل هذا. قال العلماء المحققون: وهذا لا يصحّ، لأنّ رسول الله صلى الله عليه وسلّم معصوم عن مثل هذا، ولو صح، كان المعنى أن بعض شياطين الإِنس قال تلك الكلمات [2] ، فإنهم كانوا إِذا تلا لغطوا، كما قال الله عزّ وجلّ: لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ [3] .
قال: وفي معنى «تمنّى» قولان [4] :
وانظر «فتح القدير» 1681 و «أحكام القرآن» 1517 وابن كثير عند هذه الآية.
أخيرا: أورد لك الوجه الصحيح في قصة سورة النجم، والسجود فيها. وقد ورد في ذلك حديثان الأول حديث ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم سجد في النجم وسجد معه المسلمون والمشركون والجن والإنس.
وهذا ثابت عن ابن عباس، أخرجه البخاري 1071 و 4862 والترمذي 575 وابن حبان 2763 والدارقطني [1]/ 409. وحديث ابن مسعود، أخرجه البخاري 1067 و 1070 و 3853 و 3972 ومسلم 576 وأبو داود 1406 والنسائي [2]/ 160 والدارمي [1]/ 342 وابن حبان 2764 وحديث ابن مسعود أنّ النبي صلى الله عليه وسلّم قرأ سورة النجم فسجد فما بقي أحد من القوم إلا سجد إلا رجل واحد أخذ كفا من حصى، فوضعه على جبهته، وقال:
يكفيني. قال عبد الله: فلقد رأيته بعد قتل كافرا. فالوارد الصحيح عن ابن عباس هو المتقدم عنه لا ما رواه عنه الضعفاء والهلكى من ذكر الغرانيق ...
هذا من ناحية، ومن ناحية ثانية فالصحيح في هذا المقام هو الوارد عن ابن مسعود فإنه قد أدرك الحادثة وهي مكية، بخلاف ابن عباس، فإنه ما حضرها ولا أدركها، فالصحيح في هذا ما ورد عن ابن مسعود رضي الله عنه أحد السابقين الأعلام، وأما ما رواه جماعة من التابعين، فإنما تلقّاه بعضهم عن بعض واشتهر بسبب غرابته، وكان الأصلح لهؤلاء رحمهم الله أن يأخذوا ذلك عن ابن مسعود، فتنبه والله الموفق، وهو حسبنا، ونعم الوكيل. [1] سورة النجم: 19- 20. [2] قلت الصواب أن النبي صلى الله عليه وسلّم ما قال ذلك، ولا زاده الشيطان أيضا بل لا سلطان للشيطان في شيء في شيء من ذلك، حاشا لله أن يكون للشيطان مدخل على القرآن أو في حال تبليغه، وما هي إلا روايات عامتها مراسيل، وكأن بعض الزنادقة حدث بها في عهد التابعين، فأولع بها هؤلاء فرووها وانتشرت، والدليل على أن مصدرها رجال مجاهيل لا يعرفون، هو أنها وردت عن عشرة أو أكثر من التابعين، ولم يذكر عامتهم من حدثه بها، فهذا دليل على أن لا أصل لها، وأنه مفتعلة مصنوعة مزورة، تروج على من لا علم له ولا دراية، وبالله التوفيق، وهو الهادي إلى سواء السبيل، وهو حسبنا ونعم الوكيل. [3] سورة فصلت: 26. [4] قال الطبري رحمه الله في «تفسيره» 9/ 178: التمني يعني التلاوة والقراءة قاله الضحاك. وهذا القول أشبه بتأويل الكلام، بدلالة قوله: فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته على ذلك، لأن الآيات التي أخبر الله جل ثناؤه أنه يحكمها، لا شك أنها آيات تنزيله، فمعلوم أن الذي ألقى فيه الشيطان هو ما أخبر الله تعالى ذكره أنه نسخ ذلك منه وأبطله، ثم أحكمه بنسخه ذلك منه.
فتأويل الكلام إذن: وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تلا كتاب الله وقرأ، أو حدّث وتكلم، ألقى الشيطان في كتاب الله الذي تلاه وقرأه، أو في حديثه الذي حدث وتكلم فَيَنْسَخُ اللَّهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ يقول الله تعالى: فيذهب الله ما يلقي الشيطان من ذلك على لسان نبيه ويبطله.
نام کتاب : زاد المسير في علم التفسير نویسنده : ابن الجوزي جلد : 3 صفحه : 245