نام کتاب : زاد المسير في علم التفسير نویسنده : ابن الجوزي جلد : 3 صفحه : 162
فإن قيل: ما وجه الاحتجاج على فرعون من هذا؟
فالجواب: أنه قد ثبت وجود خَلْق وهداية، فلا بد من خالقٍ وهادٍ.
قوله تعالى: قالَ فَما بالُ الْقُرُونِ الْأُولى اختلفوا فيما سأل عنه من حال القرون الأولى على ثلاثة أقوال: أحدها: أنه سأله عن أخبارها وأحاديثها، ولم يكن له بذلك عِلْم، إِذ التوراة إِنما نزلت عليه بعد هلاك فرعون، فقال: عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي، هذا مذهب مقاتل. وقال غيره: أراد: إِنِّي رسول، وأخبار الأمم علم غيب، فلا علم له بالغيب. والثاني: أن مراده من السؤال عنها: لم عُبدت الأصنامُ، ولِم لم يُعبدِ اللهُ إِن كان الحقُّ ما وصفتَ؟! والثالث: أن مراده: ما لها لا تُبعث ولا تُحاسَب ولا تجازى؟! فقال: عِلْمها عند الله، أي: عِلْم أعمالها. وقيل: الهاء في «عِلْمُها» كناية عن القيامة، لأنه سأله عن بعث الأمم، فأجابه بذلك.
وقوله: فِي كِتابٍ أراد: اللوح المحفوظ. قوله تعالى: لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسى وقرأ عبد الله بن عمرو، وعاصم الجحدري، وقتادة، وابن محيصن: «لا يُضِلُّ» بضم الياء وكسر الضاد، أي: لا يضيِّعه وقرأ أبو المتوكل، وابن السميفع: «لا يُضَل» بضم الياء وفتح الضاد. وفي هذه الآية توكيد للجزاء على الأعمال، والمعنى: لا يخطئ ربي ولا ينسى ما كان من أمرهم حتى يجازيهم بأعمالهم. وقيل: أراد: لم يجعل ذلك في كتاب لأنه يضل وينسى.
قوله تعالى: الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر:
«مهاداً» . وقرأ عاصم، وحمزة، والكسائي: «مهداً» بغير ألف. والمهاد: الفراش، والمهد: الفرش.
وَسَلَكَ لَكُمْ أي: أدخل لأجْلكم في الأرض طُرُقاً تسلكونها، وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً يعني: المطر.
وهذا آخر الإِخبار عن موسى. ثم أخبر الله تعالى عن نفسه بقوله: فَأَخْرَجْنا بِهِ يعني: بالماء أَزْواجاً مِنْ نَباتٍ شَتَّى أي: أصنافاً مختلفة في الألوان والطُّعوم، كل صنف منها زوج. و «شتى» لا واحد له من لفظه. كُلُوا أي: مما أخرجنا لكم من الثمار وَارْعَوْا أَنْعامَكُمْ يقال: رعى الماشية، يرعاها: إِذا سرَّحها في المرعى. ومعنى هذا الأمر: التذكير بالنِّعم، إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ أي: لَعِبَراً في اختلاف الألوان والطعوم لِأُولِي النُّهى قال الفراء: لذوي العقول، يقال للرجل: إِنه لذو نُهْيَةٍ: إِذا كان ذا عقل. قال الزجاج: واحد النُّهى: نُهْيَة، يقال: فلان ذو نُهْيَة، أي: ذو عقل ينتهي به عن المقابح، ويدخل به في المحاسن قال: وقال بعض أهل اللغة: ذو النُّهية: الذي يُنتهى ِإِلى رأيه وعقله، وهذا حسن أيضاً. قوله تعالى: مِنْها خَلَقْناكُمْ يعني: الأرض المذكورة في قوله: «جعل لكم الأرض مهاداً» .
والإِشارة بقوله: «خلقناكم» إِلى آدم، والبشر كلُّهم منه. وَفِيها نُعِيدُكُمْ بعد الموت وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أي: مَرَّة أُخْرى بعد البعث، يعني: كما أخرجناكم منها أولاً عند خلق آدم من الأرض.