responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 7  صفحه : 99
يَاءً لِانْكِسَارِ مَا قَبْلَهَا كَالْمِيزَانِ، وَالْمُرَادُ بِهِ مَا يَقُومُ بِهِ أَمْرُ النَّاسِ وَيَتَحَقَّقُ أَوْ يَسْتَقِيمُ وَيَصْلُحُ، وَقَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ " قِيَمًا " بِكَسْرِ الْقَافِ وَفَتْحِ الْيَاءِ، وَهُوَ بِمَعْنَى " قِيَامًا " وَقَدْ تَقَدَّمَ مِثْلُهُ فِي أَوَّلِ سُورَةِ النِّسَاءِ (وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ) ذُو الْحِجَّةِ الَّذِي تُؤَدَّى فِيهِ مَنَاسِكُ الْحَجِّ فِي تِلْكَ الْمَعَاهِدِ الْمُقَدَّسَةِ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِهِ جِنْسُ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ الَّتِي كَانُوا يَتْرُكُونَ فِيهَا الْقِتَالَ، (وَالْهَدْيَ) مَا يُهْدَى إِلَى الْحَرَمِ مِنَ الْأَنْعَامِ لِلتَّوْسِعَةِ عَلَى فُقَرَائِهِ، (وَالْقَلَائِدَ) هُنَا ذَاتُ الْقَلَائِدِ مِنَ الْهَدْيِ وَهِيَ الْأَنْعَامُ الَّتِي كَانُوا يُقَلِّدُونَهَا إِذَا سَاقُوهَا هَدْيًا، خَصَّهَا بِالذِّكْرِ لِعِظَمِ شَأْنِهَا، وَقِيلَ: هِيَ عَلَى مَعْنَاهُ الْأَصْلِيِّ، وَهُوَ مَا يُقَلَّدُ بِهِ الْهَدْيُ مِنَ النَّبَاتِ، وَكَذَا مَا كَانَ يَتَقَلَّدُ بِهِ مُرِيدُو الْحَجِّ وَالرَّاجِعُونَ مِنْهُ إِلَى بِلَادِهِمْ لِيَأْمَنُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ فِي عَهْدِ الْجَاهِلِيَّةِ، وَتَقَدَّمَ تَفْصِيلُ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَوَّلَ السُّورَةِ.
وَالْمَعْنَى عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ فِي الْجَعْلِ: أَنَّ اللهَ تَعَالَى جَعَلَ الْكَعْبَةَ الَّتِي هِيَ الْبَيْتُ الْحَرَامُ قِيَامًا لِلنَّاسِ الَّذِينَ يُقِيمُونَ بِجِوَارِهَا وَالَّذِينَ يَحُجُّونَهَا، أَيْ سَبَبًا لِقِيَامِ مَصَالِحِهِمْ وَمَنَافِعِهِمْ بِإِيدَاعِ تَعْظِيمِهَا فِي الْقُلُوبِ، وَجَذْبِ الْأَفْئِدَةِ إِلَيْهَا، وَصَرْفِ النَّاسِ عَنِ الِاعْتِدَاءِ فِيهَا وَعَلَى مُجَاوَرِيهَا وَحُجَّابِهَا، وَتَسْخِيرِهِمْ لِجَلْبِ الْأَرْزَاقِ إِلَيْهَا، فَهَذَا هُوَ الْجَعْلُ الْخِلْقِيُّ التَّكْوِينِيُّ، وَيُؤَيِّدُهُ دُعَاءُ إِبْرَاهِيمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ الَّذِي حَكَاهُ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ بِقَوْلِهِ: (رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ) (14: 37) وَفِي مَعْنَاهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا
مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ) (28: 57) وَقَوْلُهُ تَعَالَى: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ 29: 67) .
وَالْمَعْنَى عَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي: أَنَّهُ جَعَلَهَا قِيَامًا لِلنَّاسِ فِي أَمْرِ دِينِهِمُ الْمُهَذِّبِ لِأَخْلَاقِهِمُ الْمُزَكِّي لِأَنْفُسِهِمْ، بِمَا فَرَضَ عَلَيْهِمْ مِنَ الْحَجِّ الَّذِي هُوَ مِنْ أَعْظَمِ أَرْكَانِ الدِّينِ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ رُوحِيَّةٌ بَدَنِيَّةٌ مَالِيَّةٌ اجْتِمَاعِيَّةٌ وَتَقَدَّمَ بَيَانُ بَعْضِ حِكَمِهِ وَسَيَأْتِي لَهَا مَزِيدٌ إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى وَمَا شَرَعَ فِي مَنَاسِكَ الْحَجِّ مِنَ الصَّدَقَاتِ وَالذَّبَائِحِ الَّتِي تُطَهِّرُ فَاعِلَهَا مِنْ رَذِيلَةِ الْبُخْلِ وَتُحَبِّبُهُ إِلَى الْفُقَرَاءِ وَتُحَبِّبُ إِلَيْهِ الْفُقَرَاءَ وَالْمَسَاكِينَ، وَيَتَّسِعُ بِهَا رِزْقُ أَهْلِ الْحَرَمِ، وَهَذَا هُوَ الْجَعْلُ الْأَمْرِيُّ التَّشْرِيعِيُّ، دَعْ مَا تَسْتَلْزِمُهُ كَثْرَةُ النَّاسِ هُنَاكَ مِنْ جَلْبِ الْأَرْزَاقِ وَعُرُوضِ التِّجَارَةِ الَّتِي تَقُومُ بِهَا أُمُورُ الْمَعِيشَةِ.
رَوَى ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ فَسَّرَ الْقِيَامَ هُنَا بِقَوْلِهِ: قِيَامًا لِدِينِهِمْ وَمَعَالِمَ لِحَجِّهِمْ، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْهُ قَالَ: قِيَامُهَا أَنْ يَأْمَنَ مَنْ تَوَجَّهَ إِلَيْهَا.

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 7  صفحه : 99
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست