responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 7  صفحه : 558
الْإِيمَانَ، وَبَعْضُهُمْ بِغَيْرِ ذَلِكَ، وَاحْتَجَّ بِهَا بَعْضُ الْجَبْرِيَّةِ فِي الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ مَعًا، وَبَعْضُ الْأَشْعَرِيَّةِ الَّذِينَ يَعْتَقِدُونَ الْجَبْرَ وَيُقِيمُونَ الْحُجَجَ لِإِثْبَاتِهِ وَيَتَبَرَّءُونَ مِنْ لَفْظِهِ وَالِانْتِسَابِ إِلَى أَهْلِهِ - احْتَجَّ كُلٌّ مِنْهُمَا بِأَنَّهَا نَصٌّ فِي مَذْهَبِهِ. وَقَدْ تَفَلْسَفَ الرَّازِيُّ فِي الِاسْتِدْلَالِ عَلَى أَنَّ تَزْيِينَ الْكُفْرِ بِخَلْقِ اللهِ تَعَالَى مِنْ غَيْرِ اخْتِيَارٍ لِلْعَبْدِ، فَزَعَمَ أَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَخْتَارُ الْكُفْرَ وَالْجَهْلَ ابْتِدَاءً مَعَ الْعِلْمِ لِكَوْنِهِ كُفْرًا وَجَهْلًا، وَإِنَّمَا يَخْتَارُهُ لِاعْتِقَادِهِ كَوْنَهُ إِيمَانًا وَعِلْمًا وَصِدْقًا وَحَقًّا، فَلَوْلَا سَابِقَةُ الْجَهْلِ الْأَوَّلِ لَمَا اخْتَارَ هَذَا الْجَهْلَ الثَّانِي، وَذَلِكَ الْجَهْلُ السَّابِقُ إِنْ كَانَ اخْتِيَارِيًّا يُقَالُ فِيهِ مِثْلُ مَا قِيلَ فِيمَا قَبْلَهُ فَيَلْزَمُ التَّسَلْسُلُ الْمُحَالُ، وَقَالَ: " لَمَّا كَانَ ذَلِكَ بَاطِلًا وَجَبَ انْتِهَاءُ تِلْكَ الْجَهَالَاتِ إِلَى جَهْلٍ أَوَّلٍ يَخْلُقُهُ اللهُ تَعَالَى فِيهِ ابْتِدَاءً، وَهُوَ بِسَبَبِ ذَلِكَ الْجَهْلِ ظَنَّ فِي الْكُفْرِ كَوْنَهُ إِيمَانًا وَحَقًّا وَعِلْمًا وَصِدْقًا، فَثَبَتَ أَنَّهُ يَسْتَحِيلُ مِنَ الْكَافِرِ اخْتِيَارُ الْجَهْلِ فِي قَلْبِهِ " اهـ. وَيُبْطِلُ هَذَا الدَّلِيلَ الَّذِي سَمَّاهُ قَطْعِيًّا أَنَّ الْجَهْلَ أَمْرٌ سَلْبِيٌّ لَا يُوصَفُ بِأَنَّهُ خَلْقٌ ابْتِدَائِيٌّ، وَأَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ كُفْرٍ مُزَيَّنًا لِصَاحِبِهِ بِاعْتِقَادِهِ أَنَّهُ حَقٌّ وَعِلْمٌ وَصِدْقٌ كَمَا زَعَمَ بَلْ شَرُّ الْكُفْرِ وَأَشَدُّهُ كُفْرُ الْجُحُودِ وَالْعِنَادِ وَالْمُكَابَرَةِ، وَإِنَّمَا يُزَيِّنُهُ الشَّيْطَانُ لِصَاحِبِهِ بِعَدِّهِ مِنْ عِزَّةِ النَّفْسِ وَشَرَفِهَا، بِالِامْتِنَاعِ مِنِ اعْتِرَافِهَا بِمَا تَرَاهُ عَارًا عَلَيْهَا وَعَلَى الْآبَاءِ وَالْأَجْدَادِ بِاتِّبَاعِ مَنْ هُوَ دُونَهَا فِي الشَّرَفِ وَالْجَاهِ كَمَا عُرِفَ مِنْ شَأْنِ الْجَادِّينَ، مِنْ رُؤَسَاءِ الْأُمَمِ الْمُتْرَفِينَ، مَعَ الْأَنْبِيَاءِ الْمُرْسَلِينَ، وَوَرِثَتِهِمْ مِنَ الْعُلَمَاءِ الْمُصْلِحِينَ.
فَعُلِمَ مِنْ هَذَا التَّحْقِيقِ أَنَّ تَزْيِينَ الْأَعْمَالِ لِلْأُمَمِ عِبَارَةٌ عَنْ سُنَّةِ اللهِ تَعَالَى فِي أَعْمَالِهَا وَعَادَاتِهَا وَأَخْلَاقِهَا الْمَكْسُوبَةِ وَالْمَوْرُوثَةِ. وَقَدْ بَيَّنَّا فِي تَفْسِيرِ: (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ) 3: 14 أَنَّ مَا كَانَ كَذَلِكَ لَا يُسْنَدُ إِلَى اللهِ تَعَالَى وَاضِعِ السُّنَنِ وَكَاتِبِ الْمَقَادِيرِ وَأَمَّا تَزْيِينُ الْقَبِيحِ مِنْ عَمَلٍ وَاعْتِقَادٍ فَيُسْنِدُهُ تَارَةً إِلَى الشَّيْطَانِ، وَشَوَاهِدُهُ فِي هَذِهِ السُّورَةِ (6: 43 و137) وَفِي الْأَنْفَالِ (8: 48) وَالنَّحْلِ (16: 63) وَالنَّمْلِ (27: 24) وَالْعَنْكَبُوتِ (29: 38) وَحم السَّجْدَةِ (41: 25) وَتَارَةً إِلَى الْمَفْعُولِ وَشَوَاهِدُهُ فِي هَذِهِ السُّورَةِ (6: 22) وَفِي التَّوْبَةِ وَيُونُسَ وَفَاطِرٍ وَالْمُؤْمِنِ وَالْقِتَالِ وَالْفَتْحِ وَوَرَدَ إِسْنَادُهُ إِلَى اللهِ تَعَالَى فِي أَوَّلِ سُورَةِ النَّمْلِ فَقَطْ، وَيُقَابِلُهُ إِسْنَادُ تَزْيِينِ الْإِيمَانِ إِلَيْهِ تَبَارَكَ اسْمُهُ فِي سُورَةِ الْحُجُرَاتِ فَقَطْ وَيَجْمَعُهُمَا مَعًا إِسْنَادُ الْأَعْمَالِ إِلَيْهِ تَعَالَى فِي الْآيَةِ الَّتِي نَحْنُ بِصَدَدِ تَفْسِيرِهَا، وَنَحْوُهُ إِسْنَادُ " حُبُّ الشَّهَوَاتِ " إِلَى الْمَفْعُولِ فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ وَيُرَاجَعُ تَفْسِيرُنَا لَهَا، وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي أَوَاخِرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ: (لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ) ، وَفِي تَفْسِيرِ الْأَخِيرَةِ كَلَامٌ حَسَنٌ لِلْأُسْتَاذِ الْإِمَامِ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ.

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 7  صفحه : 558
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست