responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 7  صفحه : 526
الَّتِي يَكُونُ بِهَا الْحَبُّ قَابِلًا لِلْإِنْبَاتِ حَيَاةً، وَلَكِنَّ هَذَا لَا يَصِحُّ فِي اللُّغَةِ إِلَّا بِضَرْبٍ مِنَ التَّجَوُّزِ، وَإِنَّمَا حَقِيقَةُ الْحَيَاةِ فِي اللُّغَةِ مَا يَكُونُ بِهِ الْجِسْمُ مُتَغَذِّيًا نَامِيًا بِالْفِعْلِ وَهَذَا أَدْنَى مَرَاتِبِ الْحَيَاةِ عِنْدَ الْعَرَبِ، وَلَهَا مَرَاتِبُ أُخْرَى كَالْإِحْسَاسِ وَالْقُدْرَةِ وَالْإِرَادَةِ وَالْعِلْمِ وَالْعَقْلِ وَالْحِكْمَةِ وَالنِّظَامِ، وَهَذِهِ أَعْلَى مَرَاتِبِ الْحَيَاةِ فِي الْمَخْلُوقِ، وَفَوْقَ ذَلِكَ حَيَاةُ الْخَالِقِ الَّتِي هِيَ مَصْدَرُ كُلِّ حَيَاةٍ وَحِكْمَةٍ وَنِظَامٍ فِي الْكَوْنِ. وَمَا قُلْنَا إِنَّهُ الْحَقِيقَةُ أَظْهَرُ مِنْ مُقَابَلَهِ، وَهُوَ جَعْلُ إِطْلَاقِ الْمَيِّتِ عَلَى الْحَبِّ وَالنَّوَى مِنْ مَجَازِ التَّشْبِيهِ، كَأَنَّهُ لَمَّا لَمْ تَظْهَرْ فِيهِ آيَاتُ حَيَاتِهِ الْكَامِنَةِ مِنَ النَّمَاءِ وَغَيْرِهِ سُمِّيَ مَيِّتًا ; فَإِنَّ وَاضِعِي اللُّغَةِ فِي طَوْرِ الْبَدَاوَةِ لَمْ يَكُونُوا يَعْلَمُونَ أَنَّ فِي الْحَبِّ وَالنَّوَى صِفَةً هِيَ مَصْدَرُ النَّمَاءِ قَدْ تَزُولُ فَلَا يَبْقَى قَابِلًا لِلْإِنْبَاتِ. وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ كُلًّا مِنَ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ هُنَا مَجَازًا، وَيَرُدُّهُ مِثْلُ قَوْلِهِ تَعَالَى: (وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ) 21: 30 (وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ) كَالْحَبِّ وَالنَّوَى مِنَ النَّبَاتِ وَالْبَيْضَةِ وَالنُّطْفَةِ مِنَ الْحَيَوَانِ. وَهَذَا قِيلَ إِنَّهُ عَطْفٌ عَلَى " فَالِقِ الْحَبِّ " لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْكَلَامِ الْفَصِيحِ أَنْ يُعْطَفَ الِاسْمُ عَلَى الِاسْمِ، وَلِأَنَّ إِخْرَاجَ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ لَا يَدْخُلُ فِي بَيَانِ فَلْقِ الْحَبِّ وَالنَّوَى، وَقِيلَ إِنَّهُ عَطْفٌ عَلَى " يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ " سَوَاءٌ كَانَ بَيَانًا لِمَا قَبْلَهُ أَوْ خَبَرًا بَعْدَ خَبَرٍ، لِأَنَّ التَّنَاسُبَ بَيْنَ هَذَيْنَ الْأَمْرَيْنِ الْمُتَقَابِلَيْنِ أَقْوَى مِنَ التَّنَاسُبِ بَيْنَ الثَّانِي وَبَيْنَ فَلْقِ الْحَبِّ وَالنَّوَى ; وَلِذَلِكَ وَرَدَا بِصِيغَةِ الْفِعْلِ فِي سُورَتَيْ يُونُسَ وَالرُّومِ (يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ) 10: 31، 30: 19 وَقَدْ حَسُنَ عَطْفُ اسْمِ الْفَاعِلِ بِمَعْنَى فِعْلِ الْمُضَارِعِ، فَإِنَّ مُخْرِجَ الشَّيْءِ هُوَ الَّذِي يُخْرِجُهُ فِي الْحَالِ أَوِ الِاسْتِقْبَالِ، وَلَكِنَّ هَذَا الْفِعْلَ يَدُلُّ أَيْضًا عَلَى التَّجَدُّدِ وَالِاسْتِمْرَارِ. وَقَدْ يُرَادُ بِوَضْعِهِ مَوْضِعَ اسْمِ الْفَاعِلِ أَوْ مَوْضِعِ الْفِعْلِ الْمَاضِي إِفَادَةُ تَجَدُّدِهِ وَاسْتِمْرَارِهِ، أَوْ تَصَوُّرِ حُدُوثِ مُتَعَلِّقِهِ وَاسْتِحْضَارِ صُورَتِهِ. مِثَالُ الْأَوَّلِ: الْمُقَابَلَةُ الَّتِي
أَوْرَدَهَا الشَّيْخُ عَبْدُ الْقَاهِرِ فِي دَلَائِلِ الْإِعْجَازِ بَيْنَ قَوْلِهِ تَعَالَى: (هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ) 35: 3 وَقَوْلُهُ: (وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ) 18: 18 فَصِيغَةُ الْفِعْلِ فِي " يَرْزُقُكُمْ " تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَرْزُقُهُمْ حَالًا فَحَالَا وَسَاعَةً فَسَاعَةً، وَصِيغَةُ الِاسْمِ فِي بَاسِطٍ ذِرَاعَيْهِ تُفِيدُ الْبَقَاءَ عَلَى تِلْكَ الْحَالَةِ، وَمِثَالُ الثَّانِي قَوْلُهُ تَعَالَى: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً) 22: 63 جَعَلَ " فَتُصْبِحُ " مَوْضِعَ " فَأَصْبَحَتْ " لِإِفَادَةِ اسْتِحْضَارِ تِلْكَ الْهَيْئَةِ الْجَمِيلَةِ وَتَمَثُّلِهَا كَأَنَّهَا حَاضِرَةٌ مُشَاهَدَةٌ، وَكُلٌّ مِنْ هَذَيْنَ الْمَعْنَيَيْنِ لِلْمُضَارِعِ قِيلَ بِأَنَّهُ مُرَادٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: (يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ) الْقَائِلُ بِالْأَوَّلِ هُوَ فَخْرُ الدِّينِ الرَّازِيُّ، وَالْقَائِلُ بِالْآخَرِ هُوَ ابْنُ الْمُنِيرِ فِي الِانْتِصَافِ عَلَى الْكَشَّافِ. وَقَالَ الرَّازِيُّ فِي تَعْلِيلِ اخْتِلَافِ التَّعْبِيرِ فِي الْمَعْنَى: إِنَّ الْعِنَايَةَ بِإِيجَادِ الْحَيِّ مِنَ الْمَيِّتِ أَكْثَرُ وَأَكْمَلُ مِنَ الْعِنَايَةِ بِإِخْرَاجِ

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 7  صفحه : 526
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست