responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 7  صفحه : 407
إِسْرَارِهِ هَرَبًا مِنَ الرِّيَاءِ، وَهَاتَانِ حَالَتَانِ تَعْرِضَانِ لِلْإِنْسَانِ عِنْدَ شُعُورِهِ بِالْحَاجَةِ إِلَى اللهِ تَعَالَى وَيَأْسِهِ مِنَ الْأَسْبَابِ؛ تَارَةً يَجْأَرُ بِالدُّعَاءِ رَافِعًا صَوْتَهُ مُتَضَرِّعًا مُبْتَهِلًا، وَتَارَةً يُسِرُّ الدُّعَاءَ وَيُخْفِيهِ مُخْلِصًا مُحْتَسِبًا، وَيَتَحَرَّى أَلَّا تَسْمَعَهُ أُذُنٌ، وَلَا يَعْلَمَ بِهِ أَحَدٌ، وَيَرَى أَنَّهُ يَكُونُ بِذَلِكَ أَجْدَرَ بِالْقَبُولِ، وَأَرْجَى لِنِيلِ السُّؤْلَ، وَالْمَعْنَى: قُلْ أَيُّهَا الرَّسُولُ لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الْغَافِلِينَ عَنْ أَنْفُسِهِمْ وَمَا أُودِعَ مِنْ آيَاتِ التَّوْحِيدِ فِي أَعْمَالِ فِطْرَتِهِمْ: مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ الْحِسِّيَّةِ وَالْمَعْنَوِيَّةِ عِنْدَمَا تَغْشَاكُمْ فِي أَسْفَارِكُمْ حَالَ كَوْنِكُمْ تَدْعُونَهُ عِنْدَ وُقُوعِكُمْ فِي كُلِّ ظُلْمَةٍ مِنْهَا دُعَاءَ تَضَرُّعٍ وَدُعَاءَ خُفْيَةٍ قَائِلِينَ: (لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ لِنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ) أَيْ مُقْسِمِينَ هَذَا الْقَسَمَ فِي دُعَائِكُمْ: لَئِنْ أَنْجَانَا اللهُ مِنْ هَذِهِ الظُّلْمَةِ أَوِ الدَّاهِيَةِ الْمُظْلِمَةِ لِنَكُونَنَّ مِنَ الْمُتَّصِفِينَ بِالشُّكْرِ الدَّائِمِ لَهُ، الْمُنْتَظِمِينَ فِي سِلْكِ أَهْلِهِ، وَفِي قِرَاءَةٍ (لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا) بِالْخِطَابِ وَسَيَأْتِي.
(قُلِ اللهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ) الْكَرْبُ: الْغَمُّ الشَّدِيدُ،
مَأْخُوذٌ مِنْ كَرْبِ الْأَرْضَ، وَهُوَ إِثَارَتُهَا وَقَلْبُهَا بِالْحَفْرِ، إِذِ الْغَمُّ يُثِيرُ النَّفْسَ كَذَلِكَ، أَوْ مِنَ الْكَرَبِ (بِالتَّحْرِيكِ) وَهُوَ الْعِقْدُ الْغَلِيظُ فِي رِشَاءِ الدَّلْوِ (حَبْلُهُ) وَقَدْ يُوصَفُ الْغَمُّ بِأَنَّهُ عُقْدَةٌ عَلَى الْقَلْبِ، أَيْ لِمَا يَشْعُرُ بِهِ الْمَغْمُومُ مِنَ الضَّغْطِ عَلَى قَلْبِهِ وَالضِّيقِ فِي صَدْرِهِ، أَوْ مِنْ أَكْرَبْتُ الدَّلْوَ إِذَا مَلَأْتَهُ - أَفَادَهُ الرَّاغِبُ. وَالْمَعْنَى أَنَّ اللهَ يُنْجِيكُمُ الْمَرَّةَ بَعْدَ الْمَرَّةِ مِنْ تِلْكَ الظُّلُمَاتِ وَمَنْ كُلِّ كَرْبٍ يَعْرِضُ لَكُمْ، ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ بِهِ غَيْرَهُ بَعْدَ النَّجَاةِ أَقْبَحَ الشِّرْكِ مُخْلِفِي وَعْدَكُمْ لَهُ بِالشُّكْرِ، حَانِثِينَ بِمَا وَكَّدْتُمُوهُ بِهِ مِنَ الْيَمِينِ، مُوَاظِبِينَ عَلَى هَذَا الشِّرْكِ مُسْتَمِرِّينَ، لَا تَكَادُونَ تَنْسَوْنَهُ إِلَّا عِنْدَ ظُلْمَةِ الْخَطْبِ، وَشَدَّةِ الْكَرْبِ. وَأَجْلَى شِرْكِكُمْ أَنَّكُمْ تَدْعُونَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللهِ وَتُسْنِدُونَ إِلَيْهِمُ الْأَعْمَالَ إِنْ لَمْ يَكُنْ بِالِاسْتِقْلَالِ فَبِالشَّفَاعَةِ عِنْدَ اللهِ، حَتَّى إِنَّكُمْ لَا تَسْتَثْنَوْنَ مِنْهَا تِلْكَ النَّجَاةَ، وَهَذِهِ الْحُجَّةُ مِنْ أَبْلَغِ الْحُجَجِ لِمَنْ تَأَمَّلَهَا، وَلِذَلِكَ تَكَرَّرَ فِي التَّنْزِيلِ ذِكْرُهَا، وَطَالَمَا ذَكَرْنَاهَا فِي آيَاتِ التَّوْحِيدِ وَدَلَائِلِهِ، وَأَقْرَبُ بَسْطٍ لَهَا مَا أَوْرَدْنَاهُ فِي تَفْسِيرِ الْآيَتَيْنِ (40) ، وَ (41) مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ، وَفِيهِ شَوَاهِدُ بِمَعْنَى هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ.
قَرَأَ عَاصِمٌ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ (يُنَجِّيكُمْ) بِالتَّشْدِيدِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ؛ مِنَ التَّنْجِيَةِ، وَالْبَاقُونَ بِالتَّخْفِيفِ فِيهِمَا؛ مِنَ الْإِنْجَاءِ وَهُمَا لُغَتَانِ فِي تَعْدِيَةٍ نَجَا يَنْجُو، يُقَالُ: نَجَّاهُ وَأَنْجَاهُ، وَنَطَقَ بِهِمَا الْقُرْآنُ فِي غَيْرِ هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ أَيْضًا، وَلَكِنْ فِي التَّشْدِيدِ مِنَ الْمُبَالَغَةِ وَالدَّلَالَةِ عَلَى التَّكْرَارِ مَا لَيْسَ فِي التَّخْفِيفِ، وَقَرَأَ عَاصِمٌ فِي رِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ (خِفْيَةً) بِكَسْرِ الْخَاءِ وَالْبَاقُونَ بِضَمِّهَا وَهُمَا لُغَتَانِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَقَرَأَ عَاصِمٌ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ (أَنْجَانَا) عَلَى الْغَيْبَةِ، فَعَاصِمٌ فَخَّمَهَا وَالْآخَرُونَ قَرَءُوهَا بِالْإِمَالَةِ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ (أَنْجَيْتَنَا) عَلَى الْخِطَابِ، وَهِيَ مَرْسُومَةٌ فِي الْمُصْحَفِ الْإِمَامِ هَكَذَا (أَنْجَيْنَا) وَقِرَاءَةُ الْغَيْبَةِ أَقْوَى مُنَاسَبَةً لِلَّفْظِ، وَالْخِطَابُ أَشَدُّ تَأْثِيرًا فِي النَّفْسِ.

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 7  صفحه : 407
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست