responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 7  صفحه : 306
وَذَكَرَ بَعْدَهُ اللهْوَ لِمَا فِيهِ مِنَ الْقَصْدِ الَّذِي لَا يَأْتِي مِنَ الطِّفْلِ ; لِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ إِلَّا لِذِي الْفِكْرِ وَبَعْدَهُ الزِّينَةَ الَّتِي هِيَ شَأْنُ سِنِّ الصِّبَا، وَبَعْدَهُ التَّفَاخُرَ الَّذِي هُوَ شَأْنُ الشُّبَّانِ، وَبَعْدَهُ التَّكَاثُرَ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ الَّذِي هُوَ شَأْنُ الْكُهُولِ وَالشُّيُوخِ، فَالنُّكْتَةُ يَنْبَغِي أَنْ تُلْتَمَسَ فِي آيَةِ الْعَنْكَبُوتِ لَا فِي آيَتِي مُحَمَّدٍ وَالْأَنْعَامِ، وَهِيَ قَدْ وَرَدَتْ فِي سِيَاقِ إِقَامَةِ الْحُجَجِ الْعَقْلِيَّةِ عَلَى الْمُشْرِكِينَ، فَذَكَرَ فِيهَا اللهْوَ قَبْلَ اللَّعِبِ عَلَى طَرِيقَةِ التَّدَلِّي الْمُؤْذِنِ بِالِانْتِقَالِ مِنَ الشَّيْءِ إِلَى مَا هُوَ دُونَهُ فِي نَظَرِ الْعُقَلَاءِ، فَإِنَّ اللَّعِبَ مِنَ الْعَاقِلِ الَّذِي لَا يَلِيقُ بِهِ الْعَبَثُ أَقْبَحُ مِنَ اللهْوِ؛ إِذِ اللهْوُ تُقْصَدُ بِهِ فَائِدَةٌ وَلَوْ سَلْبِيَّةً، وَاللَّعِبُ هُوَ الْعَبَثُ الَّذِي لَا تُقْصَدُ بِهِ فَائِدَةٌ أَلْبَتَّةَ، فَهُوَ شَأْنُ الْأَطْفَالِ لَا الْعُقَلَاءِ الْعَالِمِينَ بِالْمَصَالِحِ، الَّذِينَ يَقْصِدُونَ بِكُلِّ عَمَلٍ مِنْ أَعْمَالِهِمْ، إِمَّا دَفْعَ بَعْضِ الْمَضَارِّ، وَإِمَّا تَحْصِيلَ بَعْضِ الْمَنَافِعِ ; وَلِذَلِكَ بَيَّنَ جَهْلَهُمْ بِقَوْلِهِ: (وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) (29: 64) وَقَالَ فِي الْحُجَّةِ الَّتِي قَبْلَهَا (بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ) (29: 63) وَلَا حَاجَةَ إِلَى مَثْلِ هَذَا التَّدَلِّي فِي آيَةِ الْأَنْعَامِ الَّتِي نُفَسِّرُهَا، فَإِنَّهَا لَمْ تَرِدْ فِي سِيَاقِ حُجَجِ الْإِيمَانِ الْعَقْلِيَّةِ الَّتِي يُرَادُ بِهَا بَيَانُ ضَعْفِ نَظَرِ الْمُشْرِكِينَ وَجَهْلِهِمْ، وَإِنْ ذُيِّلَتْ بِالتَّوْبِيخِ عَلَى عَدَمِ عَقْلِ مَا قَرَّرَ فِيهَا وَفِي هَذَا التَّذْيِيلِ، بَلْ وَرَدَتْ فِي بَيَانِ حَقِيقَةِ الدُّنْيَا بَعْدَ الْإِعْلَامِ بِمَا يُصِيبُ الْمَفْتُونِينَ بِهَا فِي الْآخِرَةِ بِحَصْرِ هَمِّهِمْ فِي لَذَّاتِهَا، وَتَلَاهُ بَيَانُ الْمُقَابَلَةِ بَيْنَهُمْ
وَبَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَتَّقُونَ اللهَ فِيهَا، فَفِي مِثْلِ هَذَا السِّيَاقِ - كَآيَةِ " سُورَةِ مُحَمَّدٍ " - يَحْسُنُ التَّرْتِيبُ الْوُجُودِيُّ، بِتَقْدِيمِ اللَّعِبِ عَلَى اللهْوِ الَّذِي هُوَ طَرِيقُ التَّرَقِّي ; لِأَنَّهُ انْتِقَالٌ مِنْ عَبَثٍ لَيْسَ لَهُ عَاقِبَةٌ نَافِعَةٌ إِلَى لَهْوٍ فَائِدَتُهُ سَلْبِيَّةٌ عَاجِلَةٌ ; وَلِذَلِكَ بَيَّنَ بَعْدَهُ أَنَّ عَمَلَ الْمُؤْمِنِينَ الْمُتَّقِينَ فِيهَا - وَمِنْهُ تَمَتُّعُهُمْ بِلَذَّاتِهَا - يُؤْجَرُونَ عَلَيْهِ فِي الْآخِرَةِ، وَأَنَّهَا بِسَبَبِ اعْتِصَامِهِمْ فِيهَا بِالتَّقْوَى، خَيْرٌ لَهُمْ مِنَ الْعَاجِلَةِ الدُّنْيَا.
هَذَا وَإِنَّنِي عِنْدَ بُلُوغِي هَذَا الْبَحْثَ ظَفِرْتُ بِكِتَابِ (دُرَّةِ التَّنْزِيلِ وَغُرَّةِ التَّأْوِيلِ) لِأَبِي عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْخَطِيبِ الْإِسْكَافِيِّ، فَرَاجَعْتُهُ بَعْدَ اسْتِقْرَارِ فَهْمِي عَلَى مَا تَقَدَّمَ، فَعَلِمْتُ أَنَّهُ هُوَ الَّذِي نَقَلَ الْأَلُوسِيُّ عَنِ الشِّهَابِ عَنْهُ مَا لَا يَكَادُ يُفْهَمُ. وَمَا ذَلِكَ إِلَّا لِلنَّقْلِ بِالْمَعْنَى دُونَ النَّصِّ، الَّذِي يَكْثُرُ بِسَبَبِهِ الْخَطَأُ فِي النَّقْلِ. وَقَدْ ذَكَرَ الْإِسْكَافِيُّ هَذَا الْبَحْثَ عِنْدَ ذِكْرِ الْآيَةِ الثَّامِنَةِ مِمَّا أَوْرَدَهُ مِنْ " سُورَةِ الْأَنْعَامِ " (وَهِيَ الْآيَةُ ال70) الْوَارِدَةُ فِي اتِّخَاذِ الْكُفَّارِ دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا - مَعَ مَا يُقَابِلُهَا فِي " سُورَةِ الْأَعْرَافِ " (7: 51) مِنِ اتِّخَاذِهِمْ دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا. وَبِهَذِهِ الْمُنَاسَبَةِ ذَكَرَ آيَتَيِ الْحَدِيدِ وَالْعَنْكَبُوتِ اللَّتَيْنِ بَيْنَهُمَا مِثْلُ هَذَا الِاخْتِلَافِ، وَنَسِيَ ذِكْرَ الْآيَةِ الَّتِي نَحْنُ بِصَدَدِ تَفْسِيرِهَا. وَسَيَأْتِي ذِكْرُ اتِّخَاذِ الدِّينِ لَعِبًا وَلَهْوًا فِي مَحَلِّهِ. وَقَدِ اعْتَمَدَ الْخَطِيبُ فِي تَفْسِيرِ اللهْوِ فِي الْآيَاتِ أَنَّهُ اجْتِلَابُ الْمَسَرَّةِ بِمُخَالَطَةِ النِّسَاءِ وَهُوَ مُخْطِئٌ فِي ذَلِكَ. وَقَالَ فِي تَعْلِيلِ تَقْدِيمِ اللَّعِبِ عَلَى اللهْوِ فِي " سُورَةِ الْحَدِيدِ ": إِنَّ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا لِمَنِ اشْتَغَلَ بِهَا وَلَمْ يَتْعَبْ لِغَيْرِهَا مَقْسُومَةٌ مِنَ الصِّبَا وَهُوَ وَقْتُ اللَّعِبِ، وَبَعْدَهُ اللهْوُ وَهُوَ التَّرْوِيحُ عَنِ النَّفْسِ

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 7  صفحه : 306
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست