responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 7  صفحه : 296
خَطِيئَتُهُمْ وَيُخْتَمَ عَلَى قُلُوبِهِمْ، وَهَؤُلَاءِ الْمُقَلِّدُونَ الْعُمْيَانُ هُمُ الَّذِينَ بَيَّنَتِ الْآيَاتُ حَالَهُمْ فِي الدُّنْيَا، وَإِنَّمَا جَعَلْنَا مَا تَلَا ذَلِكَ مِنْ بَيَانِ حَالِهِمْ فِي الْآخِرَةِ عَامًّا لِكُلِّ مَنْ مَاتَ عَلَى الْكُفْرِ لِتَسَاوِيهِمْ فِيهِ وَعَدَمِ اسْتِفَادَةِ أَحَدٍ مِنْهُمْ مِنَ اسْتِعْدَادِهِ لِلْإِيمَانِ، لِعَدَمِ اسْتِعْمَالِهِمْ لِذَلِكَ الِاسْتِعْدَادِ.
وَقَدْ يَعُمُّ الْإِخْفَاءُ لِلشَّيْءِ مَا كَانَ مِنْهُ بِالْقَصْدِ إِلَيْهِ وَالْإِرَادَةِ لَهُ فِي ذَاتِهِ، وَمَا كَانَ ظَاهِرًا فِي نَفْسِهِ وَخَفِيَ عَنْ أَهْلِهِ بِأَعْمَالٍ وَتَقَالِيدَ لَهُمْ عَدْوًا بِهَا مُخْفِينَ لَهُ، كَالْعَقَائِدِ وَالْفَضَائِلِ الَّتِي أُودِعَتْ فِي الْفِطْرَةِ، وَدَلَّتْ عَلَيْهَا آيَاتُ اللهِ الْبَيِّنَةُ، وَأَعْرَضَ عَنْهَا الضَّالُّونَ وَالْتَزَمُوا مَا يُضَادُّهَا فَأَخْفَوْهَا بِذَلِكَ حَتَّى عَنْ أَنْفُسِهِمْ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ اللهِ الَّذِي تُبْلَى فِيهِ السَّرَائِرُ، وَتَنْكَشِفُ جَمِيعُ الْحَقَائِقِ، وَتَشْهَدُ عَلَى النَّاسِ الْأَعْضَاءُ وَالْجَوَارِحُ، إِذْ تُنْشَرُ كُتُبُ الْأَعْمَالِ الَّتِي كَانَتْ مَطْوِيَّةً فِي زَوَايَا الْأَرْوَاحِ، فَتَتَمَثَّلُ لِكُلِّ فَرْدٍ أَعْمَالُهُ النَّفْسِيَّةُ وَالْبَدَنِيَّةُ كُلُّهَا، فِي كِتَابِهِ الَّذِي لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا، كَمَا تَتَمَثَّلُ الْوَقَائِعُ الْمُصَوَّرَةُ، فِي الْمَنْظَرَةِ الَّتِي يُعْرَضُ فِيهَا مَا يُعْرَفُ الْآنَ بِالصُّوَرِ الْمُتَحَرِّكَةِ، فَإِنَّ حِفْظَ أَلْوَاحِ الْأَنْفُسِ الْمُدْرِكَةِ لِمَا تَرْسُمُهُ وَتُطِيعُهُ الْعَقَائِدُ وَالْأَعْمَالُ فِيهَا أَقْوَى وَأَثْبَتُ مِنْ حِفْظِ أَلْوَاحِ الزُّجَاجِ الْحَسَّاسَةِ لِمَا يَرْسُمُهُ وَيَطْبَعُهُ نُورُ الشَّمْسِ عَلَيْهَا، وَعَرْضُ الصُّوَرِ الشَّمْسِيَّةِ فِي الدُّنْيَا دُونَ عَرْضِ الصُّوَرِ النَّفْسِيَّةِ فِي الْآخِرَةِ، وَبِهَذَا الْبَيَانِ تَعْلَمُ أَنَّ كُلَّ أَحَدٍ يَظْهَرُ لَهُ فِي الْآخِرَةِ كُلُّ مَا كَانَ خَفِيًّا عَنْهُ مِنْ خَيْرِ نَفْسِهِ وَشَرِّهَا (يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ) (69: 18) أَيْ لَا تَخْفَى عَلَى أَنْفُسِكُمْ، فَضْلًا عَنْ خَفَائِهَا عَلَى رَبِّكُمْ، وَقَدْ خَصَّ بِالذِّكْرِ هُنَا بُدُوَّ مَا كَانَ يُخْفِيهِ الْكُفَّارُ، وَلِكُلِّ مَقَامٍ مَقَالٌ.
بَيَّنَ اللهُ تَعَالَى لَنَا أَنَّ تَمَنِّي أُولَئِكَ الْكُفَّارِ لِمَا تَمَنَّوْا لَا يَدُلُّ عَلَى تَبَدُّلِ حَقِيقَتِهِمْ، بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانَ خَفِيًّا عَنْهُمْ مِنْهَا، بِإِخْفَائِهِمْ إِيَّاهُ عَنِ النَّاسِ أَوْ عَنْهَا: (وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ) (39: 47، 48) فَتَمَنَّوُا الْخُرُوجَ مِمَّا حَاقَ بِهِمْ وَلَكِنَّ الْحَقِيقَةَ لَا تَتَغَيَّرُ، وَإِنَّمَا يَكُونُ لَهَا أَطْوَارٌ، تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ وَالْأَوْطَارِ.
(وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ) مِنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ وَالنِّفَاقِ وَالْكَيْدِ وَالْمَكْرِ وَالْمَعَاصِي، لِأَنَّ مُقْتَضَى ذَلِكَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ثَابِتٌ فِيهَا، وَمَا دَامَتِ الْعِلَّةُ ثَابِتَةً فَإِنَّ أَثَرَهَا وَهُوَ الْمَعْلُولُ لَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا (وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ) فِيمَا تَضَمَّنَهُ تَمَنِّيهِمْ مِنَ الْوَعْدِ بِتَرْكِ التَّكْذِيبِ بِآيَاتِ اللهِ، وَبِالْكَوْنِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ سَوَاءً عَلِمُوا حِينَ تَمَنَّوْا وَوَعَدُوا أَنَّهُمْ كَاذِبُونَ فِي هَذَا الْوَعْدِ أَمْ لَمْ يَعْلَمُوا، فَلَوْ رُدُّوا إِلَى الدُّنْيَا لَرُدَّ الْمُعَانِدُ الْمُسْتَكْبِرُ مِنْهُمْ مُشْتَمِلًا بِكِبْرِهِ وَعِنَادِهِ، وَكُلٌّ مِنَ الْمَاكِرِ وَالْمُنَافِقِ مُرْتَدِيًا بِمَكْرِهِ وَنِفَاقِهِ، وَالْمُقَلِّدُ مُقَيَّدًا بِتَقْلِيدِهِ لِغَيْرِهِ وَعَدَمِ ثِقَتِهِ بِفَهْمِهِ وَعِلْمِهِ، وَالشَّهْوَانِيُّ مُلَوَّثًا بِشَهَوَاتِهِ الْمَالِكَةِ لِرِقِّهِ.

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 7  صفحه : 296
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست