responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 7  صفحه : 272
مُنْكِرٌ، وَلَا عَلَى دَفْعِهِ دَافِعٌ، فَقَدْ أَنْكَرَهُ أَهْلُ الْإِلْحَادِ وَالتَّعْطِيلِ، فَالظَّاهِرُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللهَ تَعَالَى أَمَرَهُ بِالْجَوَابِ وَأَنْ يَبْدَأَهُ بِمَا كَانُوا يُجِيبُونَ بِهِ كَمَا عَلِمَ مِنْ آيَاتٍ أُخْرَى لِيَبْنِيَ عَلَى قَوْلِهِ: (كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ) وَالْمَعْنَى أَنَّ اللهَ تَعَالَى الَّذِي تُقِرُّونَ مَعِي بِأَنَّ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ قَدْ أَوْجَبَ عَلَى ذَاتِهِ الْعَلِيَّةِ الرَّحْمَةَ بِخَلْقِهِ، كَمَا يُعْلَمُ ذَلِكَ مِنْ إِفَاضَةِ نِعَمِهِ عَلَيْهِمْ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً. وَمِنْ مُقْتَضَى هَذِهِ الرَّحْمَةِ أَنْ يَجْمَعَكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ حَالَ كَوْنِهِ لَا رَيْبَ فِيهِ أَوْ جَمْعًا لَا رَيْبَ فِيهِ أَيْ لَيْسَ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَرْتَابَ فِيهِ مَنْ تَدَبَّرَ دَلَائِلَ
رَحْمَةِ اللهِ وَحِكْمَتِهِ، فَإِنَّ هَذَا الْجَمْعَ لِأَجْلِ الْحِسَابِ وَالْجَزَاءِ، فَهُوَ رَحْمَةٌ بِالْمُكَلَّفِينَ يُنَافِي الْفَوْضَى وَالْإِهْمَالَ وَاسْتِبَاحَةَ الظُّلْمِ. وَالْعِلْمُ بِهِ رَحْمَةٌ أَيْضًا; لِأَنَّهُ وَازِعٌ نَفْسِيٌّ لَا يَتِمُّ تَهْذِيبُ النَّفْسِ بِدُونِهِ، بَلِ الرَّحْمَةُ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ، فَمِنْ رَحِمَتِهِ تَعَالَى بِالنَّاسِ مَا مَنَحَهُمْ مِنْ هِدَايَاتِ الْحَوَاسِّ وَالْوِجْدَانِ وَالْعَقْلِ وَهِدَايَةِ الدِّينِ الْمُقَاوِمَةِ لِمَا يَجْنُونَهُ عَلَى تِلْكَ الْهِدَايَاتِ بِاسْتِعْمَالِهَا فِيمَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ، وَالْمُسَاعَدَةِ لَهُمْ عَلَى تَكْمِيلِ فِطْرَتِهِمْ وَتَزْكِيَةِ أَنْفُسِهِمْ.
بَيَانُ ذَلِكَ: أَنَّ مِنْ أُصُولِ دِينِهِ الْقَوِيمِ الَّذِي هُوَ مَظْهَرُ رَحْمَتِهِ الْعُلْيَا الْمُوَافِقُ لِفِطْرَتِهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا أَنَّ لِأَعْمَالِ الْبَشَرِ جَزَاءً فِطْرِيًّا هُوَ أَثَرٌ لَازِمٌ لِلْعَمَلِ بِحَسَبِ سُنَّتِهِ تَعَالَى فِي تَأْثِيرِ الْأَعْمَالِ النَّفْسِيَّةِ وَالْبَدَنِيَّةِ فِي إِصْلَاحِ الْأَنْفُسِ أَوْ إِفْسَادِهَا، وَجَزَاءً آخَرَ وَضْعِيًّا أَوْ شَرْعِيًّا تَابِعًا لَهُ هُوَ إِنْشَاءُ فَضْلٍ أَوْ عَدْلٍ مِنْهُ عَزَّ وَجَلَّ، فَالْأَوَّلُ وَهُوَ الْأَصْلُ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى تَزْكِيَةِ النَّفْسِ بِالْعَقَائِدِ الصَّحِيحَةِ وَالْعُلُومِ الثَّابِتَةِ وَالْأَخْلَاقِ الْكَرِيمَةِ، الَّتِي تَطْبَعُهَا فِيهَا عِبَادَةُ اللهِ تَعَالَى وَحُسْنُ الْمُعَامَلَةِ مَعَ خَلْقِهِ مِنْ هَنَاءِ الْمَعِيشَةِ فِي الدُّنْيَا بِالْجَمْعِ بَيْنَ لَذَّةِ الْحَيَاةِ الْعَقْلِيَّةِ وَالرُّوحِيَّةِ، وَلَذَّةِ الْحَيَاةِ الْجَسَدِيَّةِ الْمُعْتَدِلَةِ، وَهُوَ أَدْنَى الْجَزَاءَيْنِ وَأَقَلُّهُمَا وَغَيْرُ الْمُطَّرِدِ وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى تَدْسِيَةِ النَّفْسِ وَإِفْسَادِ فِطْرَتِهَا بِالْعَقَائِدِ الْبَاطِلَةِ كَخُرَافَاتِ الْوَثَنِيَّةِ وَأَوْهَامِهَا وَبِسَفْسَافِ الْأَخْلَاقِ وَالْمَلَكَاتِ الرَّدِيئَةِ الَّتِي تَطْبَعُهَا فِيهَا تِلْكَ الْأَوْهَامُ السَّخِيفَةُ وَالْأَعْمَالُ الْقَبِيحَةُ وَالْعِبَادَاتُ الْوَثَنِيَّةُ مِنْ شَقَاءِ الْمَعِيشَةِ فِي الدُّنْيَا وَعَذَابِ الْآخِرَةِ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا مِنْ لَوَازِمَ تِلْكَ الْعَقَائِدِ وَالْأَخْلَاقِ وَالْأَعْمَالِ، فَهِيَ كَالْأَعْمَالِ الضَّارَّةِ وَالْوَسَاوِسِ الْعَصَبِيَّةِ (الْهِسْتِيرِيَّةِ) الَّتِي تَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا الْأَمْرَاضُ الْمُعْضِلَةُ وَالْأَدْوَاءُ الْقَاتِلَةُ، كَمَا أَنَّ مَا تَقَدَّمَ مِنْ مُقَابِلِهَا يُشْبِهُ الْأَعْمَالَ الْبَدَنِيَّةَ وَالنَّفْسِيَّةَ الَّتِي يَرْتَاضُ بِهَا الْبَدَنُ وَالْعَقْلُ حَتَّى يَبْلُغَ بِهِمَا الْمَرْءُ مِنَ الصِّحَّةِ وَالِاعْتِدَالِ مَا هُوَ مُقَدَّرٌ لَهُ مِنَ الْكَمَالِ، فَعَلَى هَذَا تَكُونُ هِدَايَةُ الدِّينِ لِلْعَقَائِدِ الصَّحِيحَةِ وَالْفَضَائِلِ وَالْآدَابِ وَالْعِبَادَاتِ، وَزَجْرِهِ عَنِ الْوَثَنِيَّةِ وَالْخُرَافَاتِ وَالرَّذَائِلِ وَالشُّرُورِ كُلُّ ذَلِكَ كَبَثِّ الْوَصَايَا

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 7  صفحه : 272
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست