responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 7  صفحه : 264
الْأَمْرِ بِهَلَاكِهِمْ بِمُجَرَّدِ نُزُولِ الْمَلَكِ، وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِتَمَثُّلِ الْمَلَائِكَةِ لِإِبْرَاهِيمَ وَلُوطٍ بِصُورَةِ النَّاسِ، وَتَمَثُّلِ جِبْرِيلَ لِمَرْيَمَ بَشَرًا سَوِيًّا، وَظُهُورِهِ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِصُورَةِ دِحْيَةَ الْكَلْبِيِّ غَالِبًا، وَبِصُورَةِ غَيْرِهِ أَحْيَانًا كَمَا فِي حَدِيثِ الْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ وَغَيْرِهِ، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ مِنْ خَصَائِصِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ رَآهُ فِي صُورَتِهِ الْأَصْلِيَّةِ مَرَّتَيْنِ فَقَطْ. وَقَدْ نَازَعَ آخَرُونَ فِي عَدِّ هَذَا خُصُوصِيَّةً لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ لَا يَثْبُتُ ذَلِكَ إِلَّا بِنَصٍّ، وَلَا نَصَّ فِي الْمَسْأَلَةِ وَإِنَّمَا وَرَدَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ عِنْدَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَحَدِيثِ عَائِشَةَ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ " أَنَّهُ لَمْ يَرَهُ فِي صُورَتِهِ الَّتِي خَلَقَهُ اللهُ عَلَيْهَا إِلَّا مَرَّتَيْنِ " وَقَدْ وَرَدَ أَنَّ مِنَ الصَّحَابَةِ مَنْ رَأَى الْمَلَائِكَةَ فِي غَيْرِ صُورَةِ الْبَشَرِ كَرُؤْيَةِ أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ لَهُمْ فِي مِثْلِ الظُّلَّةِ فِيهَا أَمْثَالُ الْمَصَابِيحِ، كَمَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ عَنْهُ. وَلَكِنَّ هَذَا تَمْثِيلٌ أَيْضًا.
وَالْمُخْتَارُ عِنْدَنَا أَنَّ الْبَشَرَ فِي حَالَتِهِمُ الْعَادِيَّةِ غَيْرِ مُسْتَعِدِّينَ لِرُؤْيَةِ الْمَلَائِكَةِ وَالْجِنِّ فِي حَالَتِهِمُ الَّتِي خُلِقُوا عَلَيْهَا، كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي الشَّيْطَانِ: (إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ) (7: 27) لَا لِأَنَّهُمْ لَا يُطِيقُونَهَا لِهَوْلِهَا، بَلْ لِأَنَّ أَبْصَارَ الْبَشَرِ لَا تُدْرِكُ كُلَّ الْمَوْجُودَاتِ، بَلْ تُدْرِكُ فِي عَالَمِهَا هَذَا بَعْضَ الْأَجْسَامِ كَالْمَاءِ وَمَا هُوَ أَكْثَفُ مِنْهُ مِنَ الْأَجْرَامِ الْمُلَوَّنَةِ دُونَ مَا هُوَ أَلْطَفُ مِنْهُ كَالْهَوَاءِ، وَمَا هُوَ أَلْطَفُ مِنْهُ كَالْعَنَاصِرِ الْبَسِيطَةِ الَّتِي يَتَأَلَّفُ مِنْهَا الْمَاءُ وَالْهَوَاءُ، وَالْمَلَائِكَةُ وَالْجِنُّ مِنْ عَالَمٍ آخَرَ غَيْبِيٍّ أَلْطَفُ مِمَّا ذُكِرَ، وَهَذَا الْعَالَمُ مِمَّا يَعُدُّهُ الْمُتَكَلِّمُونَ فِي الْفَلْسَفَةِ وَرَاءَ عَالَمِ الْمَادَّةِ، وَلَيْسَ عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ عَالَمٌ غَيْرَ مَادِّيٍّ، وَلِذَلِكَ يَعُدُّونَ الْمَلَائِكَةَ وَالْجِنَّ مِنَ الْأَجْسَامِ اللَّطِيفَةِ، وَيَقُولُونَ إِنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَى التَّشَكُّلِ فِي صُوَرِ الْأَجْسَامِ الْكَثِيفَةِ، فَمَثَلَ تَشَكُّلِهِمْ كَمَثَلِ تَشَكُّلِ الْمَاءِ فِي صُورَةِ الْبُخَارِ اللَّطِيفِ وَالْبُخَارِ الْكَثِيفِ وَصُورَةِ الْمَائِعِ السَّيَّالِ وَصُورَةِ الثَّلْجِ وَالْجَلِيدِ، وَلَكِنَّ الْمَاءَ يَتَشَكَّلُ بِمَا يَطْرَأُ عَلَيْهِ مِنْ حَرٍّ وَبَرْدٍ بِغَيْرِ اخْتِيَارٍ مِنْهُ، وَذَانِكَ يَتَشَكَّلَانِ بِاخْتِيَارِهِمَا، إِذْ جَعَلَ اللهُ لَهُمَا سُلْطَانًا عَلَى الْعَنَاصِرِ الَّتِي تَتَرَكَّبُ مِنْهَا مَادَّةُ الْعَالَمِ أَقْوَى مِنْ سُلْطَانِ الْبَشَرِ الَّذِينَ يَتَصَرَّفُونَ فِيهَا بِأَيْدِيهِمْ لَا بِأَنْفُسِهِمْ وَمَاهِيَّاتِهِمْ، فَهُمْ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى تَحْلِيلِ أَبْدَانِهِمْ وَتَرْكِيبِهَا مَعَ غَيْرِهَا مِنَ الْمَوَادِّ، فَإِذَا تَمَثَّلَ الْمَلَكُ أَوِ الْجَانُّ فِي صُورَةٍ كَثِيفَةٍ كَصُورَةِ الْبَشَرِ أَوْ غَيْرِهِمْ أَمْكَنَ لِلْبَشَرِ أَنْ يَرَوْهُ، وَلَكِنَّهُمْ لَا يَرَوْنَهُ عَلَى صُورَتِهِ وَخِلْقَتِهِ الْأَصْلِيَّةِ بِحَسَبِ الْعَادَةِ وَسُنَّةِ اللهِ فِي خَلْقِ عَالَمِهِ وَعَالَمِهَا، فَإِذَا وَقَعَ ذَلِكَ
كَرُؤْيَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِجِبْرِيلَ مَرَّتَيْنِ كَانَ مِنْ خَوَارِقِ الْعَادَاتِ، وَالْخَوَارِقُ لَا تَثْبُتُ إِلَّا بِنَصٍّ; لِأَنَّهَا خِلَافُ الْأَصْلِ، عَلَى أَنَّ رُؤْيَتَهُ بِصُورَتِهِ لَا يُنَافِي التَّشَكُّلَ، إِذْ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَادَّةُ صُورَتِهِ اللَّطِيفَةِ الَّتِي لَا تُرَى قَدْ ظَهَرَتْ بِمَادَّةٍ كَثِيفَةٍ فَيَكُونُ التَّشَكُّلُ فِي هَذَا الْحَالَةِ بِمَادَّةٍ جَدِيدَةٍ مَعَ حِفْظِ الصُّورَةِ الْأَصْلِيَّةِ، وَالتَّشَكُّلِ فِي غَيْرِهَا بِالْمَادَّةِ وَالصُّورَةِ مَعًا، عَلَى أَنَّ لِأَرْوَاحِ الْأَنْبِيَاءِ

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 7  صفحه : 264
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست