responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 7  صفحه : 244
رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ وَوَصْفُهُ بِسَعَةِ الْقُدْرَةِ، وَالْمَلَائِكَةُ مِنَ الْأَنْوَارِ الْإِلَهِيَّةِ الَّتِي تَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَالَّتِي تَعْرُجُ فِيهَا. فَظَهَرَ بِهَا أَنَّ السُّوَرَ الثَّلَاثَ مُفَصِّلَةٌ لِمَا أَجْمَلَ فِي الْأُولَى " الْأَنْعَامِ " مِمَّا حَمِدَ اللهَ عَلَيْهِ، كَمَا أَنَّهَا مُؤَيِّدَةٌ لِمَا فِيهَا مِنْ إِثْبَاتِ التَّوْحِيدِ وَالرِّسَالَةِ وَالْبَعْثِ.
(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ) الْحَمْدُ هُوَ الثَّنَاءُ الْحَسَنُ وَالذِّكْرُ بِالْجَمِيلِ كَمَا تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي سُورَةِ الْفَاتِحَةِ، وَإِسْنَادُ الْحَمْدِ إِلَى اللهِ تَعَالَى خَبَرٌ مِنْهُ تَعَالَى عَلَى الْمُخْتَارِ، وَالْعَبْدُ يَحْكِيهِ بِالتِّلَاوَةِ مُؤْمِنًا بِهِ فَيَكُونُ حَامِدًا لِمَوْلَاهُ، وَيَذْكُرُهُ فِي غَيْرِ التِّلَاوَةِ إِنْشَاءً لِلْحَمْدِ وَتَذَكُّرًا لَهُ، وَيَجُوزَ أَنْ يَكُونَ الْحَمْدُ هُنَا إِنْشَاءً مِنْهُ تَعَالَى، وَإِنَّ إِنْشَاءَ الْحَمْدِ بِالْجُمْلَةِ الْخَبَرِيَّةِ جَمْعٌ بَيْنَ الْخَبَرِ وَالْإِنْشَاءِ، أَثْنَى سُبْحَانَهُ عَلَى نَفْسِهِ بِمَا عَلَّمَ بِهِ عِبَادَهُ الثَّنَاءَ عَلَيْهِ، فَأَثْبَتَ أَنَّ كُلَّ ثَنَاءٍ حَسَنٍ فَهُوَ ثَابِتٌ لَهُ بِالِاسْتِحْقَاقِ وَبِمَا هُوَ مُتَّصِفٌ بِهِ مِنَ الْخَلْقِ وَالْإِيجَادِ وَالْإِعْدَادِ وَالْإِمْدَادِ. فَذَاتُهُ تَعَالَى مُتَّصِفَةٌ بِجَمِيعِ صِفَاتِ الْكَمَالِ وُجُوبًا فَالْكَمَالُ الْأَعْلَى دَاخِلٌ فِي مَفْهُومِ حَقِيقَتِهَا أَوْ لَازِمٌ بَيِّنٌ مِنْ لَوَازِمِهِ. وَقَدْ وَصَفَ تَعَالَى نَفْسَهُ فِي مَقَامِ هَذَا الْحَمْدِ بِصِفَتَيْنِ مِنْ صِفَاتِهِ الْفِعْلِيَّةِ الَّتِي هِيَ مِنْ مُوجِبَاتِ الْحَمْدِ لَهُ، وَهُمَا خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَجَعْلُ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورِ.
أَمَّا خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَمَعْنَاهُ إِيجَادُ هَذِهِ الْعَوَالِمِ الْعُلْوِيَّةِ الَّتِي نَرَى كَثِيرًا مِنْهَا فَوْقَنَا، وَهَذَا الْعَالَمُ الَّذِي نَعِيشُ فِيهِ إِيجَادًا مُرَتَّبًا مُنَظَّمًا. وَقَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِي مَعْنَى الْخَلْقِ لُغَةً وَشَرْعًا.
وَأَمَّا جَعْلُ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورِ فَهُوَ فِي الْحِسِّيَّاتِ بِمَعْنَى إِيجَادِهِمَا لِأَنَّ هَذَا هُوَ مَعْنَى الْجَعْلِ الْمُتَعَدِّي إِلَى مَفْعُولٍ وَاحِدٍ، وَسَيَأْتِي بَيَانُ مَعْنَاهُ فِي الْمَعْنَوِيَّاتِ. قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي الْكَشَّافِ جَعَلَ يَتَعَدَّى إِلَى مَفْعُولٍ وَاحِدٍ إِذَا كَانَ بِمَعْنَى أَحْدَثَ وَأَنْشَأَ كَقَوْلِهِ: (وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ) وَإِلَى مَفْعُولَيْنِ إِذَا كَانَ بِمَعْنَى صَيَّرَ كَقَوْلِهِ: (وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا) (43: 19) وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْخَلْقِ وَالْجَعْلِ أَنَّ الْخَلْقَ فِيهِ مَعْنَى التَّقْدِيرِ، وَفِي الْجَعْلِ مَعْنَى التَّضْمِينِ، كَإِنْشَاءِ شَيْءٍ مِنْ شَيْءٍ، أَوْ تَصْيِيرِ شَيْءٍ شَيْئًا، أَوْ نَقْلِهِ مِنْ مَكَانٍ إِلَى مَكَانٍ، وَمِنْ ذَلِكَ (وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا) (7: 189) (وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ) لِأَنَّ الظُّلُمَاتِ مِنَ الْأَجْرَامِ
الْمُتَكَاثِفَةِ وَالنُّورَ مِنَ النَّارِ (وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا) (13: 38) (أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا) (38: 5) اهـ. وَقَدْ أَخَذَهُ الرَّازِيُّ مِنْ غَيْرِ عَزْوٍ وَزَادَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ: وَإِنَّمَا حَسُنَ لَفْظُ الْجَعْلِ هُنَا لِأَنَّ النُّورَ وَالظُّلْمَةَ لَمَّا تَعَاقَبَا صَارَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَأَنَّمَا تَوَلَّدَ مِنَ الْآخَرِ انْتَهَى. وَقَالَ أَبُو السُّعُودِ: وَالْجَعْلُ هُوَ الْإِنْشَاءُ وَالْإِبْدَاعُ كَالْخَلْقِ خَلَا أَنَّ ذَلِكَ مُخْتَصٌّ بِالْإِنْشَاءِ التَّكْوِينِيِّ.

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 7  صفحه : 244
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست