responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 7  صفحه : 196
حَالِ الْمُسْلِمِينَ مَعَ الْكَفَّارِ فِي عَصْرِ التَّنْزِيلِ وَعَصْرِ وَضْعِ الْفِقْهِ وَالتَّصْنِيفِ فِيهِ وَعَمَلِ الْحُكَّامِ بِاجْتِهَادِهِمْ ثُمَّ بِأَقْوَالِ عُلَمَائِهِ.
فَأَمَّا الِاسْتِدْلَالُ فَقَدْ عُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ لَهُ مِنَ الْقُرْآنِ مَأْخَذَيْنِ:
(الْمَأْخَذُ الْأَوَّلُ) : جَعْلُ قَوْلِهِ تَعَالَى: (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ) مُقَيِّدًا لِلْإِطْلَاقِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: (وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ) وَفِي هَذَا الِاسْتِدْلَالِ أَبْحَاثٌ.
(أَحَدُهَا) : أَنَّهُ مِنْ مَسَائِلِ الْأُصُولِ الَّتِي اخْتَلَفَ فِيهَا الْمُتَفَقِّهُونَ عَلَى مَنْعِ شَهَادَةِ غَيْرِ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ، وَقَدِ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْمُطْلَقَ وَالْمُقَيَّدَ إِذَا اخْتَلَفَا فِي السَّبَبِ وَالْحُكْمِ لَا يُحْمَلُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ، وَإِذَا اتَّفَقَا فَالْخِلَافُ فِي عَدَمِ الْحَمْلِ ضَعِيفٌ وَالْجُمْهُورُ عَلَى الْحَمْلِ، وَأَمَّا إِذَا اخْتَلَفَا فِي السَّبَبِ دُونَ الْحُكْمِ كَمَسَائِلِ الْإِشْهَادِ عَلَى النِّسَاءِ وَالْيَتَامَى وَالْبَيْعِ وَالْوَصِيَّةِ وَكَذَا عِتْقُ الرَّقَبَةِ فِي كَفَّارَاتِ الْقَتْلِ وَالظِّهَارِ وَالْيَمِينِ. فَالْخِلَافُ فِي الْحَمْلِ وَعَدَمِهِ قَوِيٌّ وَالْأَقْوَالُ فِيهِ مُتَعَدِّدَةٌ. فَلِمَ اتَّفَقَ الْمُخْتَلِفُونَ فِيهَا عَلَى مَنْعِ شَهَادَةِ غَيْرِ الْمُسْلِمِ مُطْلَقًا أَوْ فِيمَا عَدَا الْوَصِيَّةَ أَوِ الطِّبَّ؟ .
(ثَانِيهَا) : أَنَّ الْإِشْهَادَ الِاخْتِيَارِيَّ غَيْرُ الشَّهَادَةِ. فَالْأَمْرُ بِاخْتِيَارِ أَفْضَلِ النَّاسِ إِيمَانًا وَعَدَالَةً لِلْإِشْهَادِ لَا يَسْتَلْزِمُ عَدَمَ الِاعْتِدَادِ بِشَهَادَةِ مَنْ دُونَهُمْ فِي الْفَضِيلَةِ. فَإِنَّ الشَّهَادَةَ بَيِّنَةٌ. وَالْبَيِّنَةُ كُلُّ مَا يُتَبَيَّنُ بِهِ الْحَقُّ، كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ اسْتِعْمَالُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَقَدْ أَطَالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي إِثْبَاتِ هَذَا وَإِيضَاحِهِ فِي كِتَابِ (إِعْلَامِ الْمُوَقِّعِينَ) .
(ثَالِثُهَا) : أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: (مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ) فِيهِ تَوْسِعَةٌ عَظِيمَةٌ فِي
الْإِشْهَادِ وَنَحْنُ إِلَى التَّوْسِعَةِ فِي الشَّهَادَةِ نَفْسِهَا أَحْوَجُ، فَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْجِنَايَاتِ وَالْعُقُودِ وَالْإِقْرَارِ قَدْ تَقَعُ مِنْ بَعْضِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى مَرْأًى وَمَسْمَعٍ مِنْ غَيْرِهِمْ وَقَدْ يَكُونُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ سَمِعُوا وَرَأَوْا مِنْ أَهْلِ الصِّدْقِ وَالْأَمَانَةِ; لِأَنَّ دِينَهُمْ يُحَرِّمُ الْكَذِبَ وَالْخِيَانَةَ. فَلِمَاذَا نُضَيِّعُ أَمْثَالَ هَذِهِ الْحُقُوقِ الَّتِي يُمْكِنُ إِثْبَاتُهَا بِشَهَادَتِهِمْ إِذَا تَجَرَّأَ الَّذِينَ أَنْكَرُوهَا عَلَى الْيَمِينِ كَمَا تَجَرَّءُوا عَلَى الْكَذِبِ بِالْإِنْكَارِ؟
(الْمَأْخَذُ الثَّانِي) : أَنَّ اللهَ تَعَالَى قَدْ أَمَرَنَا أَنْ نُشْهِدَ ذَوَيْ عَدْلٍ مِنَّا مَعْشَرِ الْمُؤْمِنِينَ، وَعِلَّةُ ذَلِكَ بَدِيهِيَّةٌ وَهِيَ أَنَّ الْمُؤْمِنَ الْعَدْلَ، يَتَحَرَّى الصِّدْقَ الَّذِي يَثْبُتُ بِهِ الْحَقُّ، وَنَحْنُ نَشْتَرِطُ فِي قَبُولِ الشَّهَادَةِ الْأَمْرَيْنِ. وَنَرَى أَنَّ غَيْرَ الْمُؤْمِنِ الْمُسْلِمِ لَا يَكُونُ صَادِقًا عَدْلًا. وَإِذَا كَانَ فَقْدُ الْعَدَالَةِ يُوجِبُ رَدَّ الشَّهَادَةِ عِنْدَنَا فَفَقْدُ الْإِيمَانِ أَوْلَى بِذَلِكَ.
وَفِي هَذَا الِاسْتِدْلَالِ نَظَرٌ مِنْ وَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) : أَنَّ الْإِيمَانَ بِاللهِ وَبِشَرْعٍ لَهُ يُحَرِّمُ الْكَذِبَ كَافٍ لِتَحْقِيقِ الْمَقْصِدِ الَّذِي تَتَوَخَّوْنَهُ مِنَ الشَّهَادَةِ، وَهَذَا مِمَّا يُوجَدُ فِي غَيْرِ الْإِسْلَامِ مِنَ الْمِلَلِ، وَقَوْلُكُمْ: إِنَّ غَيْرَ الْمُسْلِمِ لَا يَكُونُ صَادِقًا وَلَا عَدْلًا لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ مِنَ النَّقْلِ، وَلَا مِنْ سِيرَةِ الْبَشَرِ الْمَعْلُومَةِ بِالِاخْتِبَارِ وَالْعَقْلِ

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 7  صفحه : 196
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست