responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 6  صفحه : 8
بَيَّنَ اللهُ تَعَالَى لَنَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَصْلَيِ الْإِيمَانِ الْأَوَّلَيْنِ اللَّذَيْنِ يُبْنَى عَلَيْهِمَا مَا عَدَاهُمَا وَكَوْنَهُمَا لَا يُقْبَلُ الْأَوَّلُ مِنْهُمَا بِدُونِ الثَّانِي، فَمَنِ ادَّعَاهُ فَدَعْوَاهُ مَرْدُودَةٌ، وَجَزَاءَ
الْكَافِرِ بِهِمَا أَوْ بِأَحَدِهِمَا، ثُمَّ جَزَاءَ مَنْ أَقَامَهُمَا كَمَا أَمَرَ اللهُ أَنْ يُقَامَا فَقَالَ: إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ، هَذَا الْقَوْلُ مِنْهُمْ تَفْسِيرٌ لِتَفْرِقَتِهِمْ بَيْنَ اللهِ وَرُسُلِهِ ; أَيْ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلَا يُؤْمِنُونَ بِرُسُلِهِ، وَهُمْ فَرِيقَانِ: مِنْهُمْ مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِأَحَدٍ مِنَ الرُّسُلِ لِإِنْكَارِهِمُ الْوَحْيَ، وَزَعْمِهِمْ أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَدْ أَتَوْا بِمَا أَتَوْا بِهِ مِنَ الْهُدَى وَالشَّرَائِعِ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ، وَأَكْثَرُ كُفَّارِ هَذَا الْعَصْرِ مِنْ هَذَا الْفَرِيقِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِبَعْضِ الرُّسُلِ دُونَ بَعْضٍ، بَلْ يَقُولُونَ ذَلِكَ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَدَّعُونَهُ بِأَلْسِنَتِهِمْ، كَقَوْلِ الْيَهُودِ: نُؤْمِنُ بِمُوسَى وَنَكْفُرُ بِعِيسَى وَمُحَمَّدٍ. وَإِنْ لَمْ يُسَمُّوهُمَا رَسُولَيْنِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا أَيْ طَرِيقًا بَيْنَ الْإِيمَانِ بِاللهِ وَرُسُلِهِ بِفَصْلِ أَحَدِهِمَا عَنِ الْآخَرِ أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا، هَذَا هُوَ الْخَبَرُ الَّذِي حَكَمَ اللهُ تَعَالَى بِهِ عَلَى أُولَئِكَ الْمُفَرِّقِينَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رُسُلِهِ ; أَيْ أُولَئِكَ الْمُفَرِّقُونَ هُمُ الْكَافِرُونَ الْكَامِلُونَ فِي الْكُفْرِ الرَّاسِخُونَ فِيهِ، وَأَكَّدَ هَذَا الْحُكْمَ بِالْجُمْلَةِ الْمُعَرَّفَةِ الْجُزْءَيْنِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى ضَمِيرِ الْفَصْلِ بَيْنَهُمَا، وَبِقَوْلِهِ: حَقًّا، وَأَيُّ حَقٍّ يَكُونُ أَثْبَتَ وَأَصَحَّ مِمَّا يُحِقُّهُ اللهُ تَعَالَى حَقًّا؟ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ، مِنْهُمْ وَمِنْ غَيْرِهِمْ، وَهَذِهِ هِيَ نُكْتَةُ وَضْعِ الْمُظْهَرِ مَوْضِعَ الضَّمِيرِ؛ إِذْ قَالَ: لِلْكَافِرِينَ وَلَمْ يَقُلْ " لَهُمْ " عَذَابًا مُهِينًا أَيْ ذَا إِهَانَةٍ تَشْمَلُهُمْ فِيهِ الْمَذَلَّةُ وَالضَّعَةُ.
أَمَّا سَبَبُ هَذَا الْحُكْمِ الشَّدِيدِ، وَمَا تَرَتَّبَ عَلَيْهِ مِنَ الْوَعِيدِ، فَهُوَ أَنَّ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللهِ أَيْ بِأَنَّ لِلْعَالَمِ خَالِقًا وَلَا يُؤْمِنُ بِوَحْيِهِ إِلَى رُسُلِهِ لَا يَكُونُ إِيمَانُهُ بِصِفَاتِهِ صَحِيحًا، وَلَا يَهْتَدِي إِلَى مَا يَجِبُ لَهُ مِنَ الشُّكْرِ سَبِيلًا، لَا يَعْرِفُ كَيْفَ يَعْبُدُهُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يُرْضِيهِ، وَلَا كَيْفَ يُزَكِّي نَفْسَهُ التَّزْكِيَةَ الَّتِي يَسْتَحِقُّ بِهَا دَارَ كَرَامَتِهِ ; وَلِذَلِكَ نَرَى هَؤُلَاءِ الْكَافِرِينَ بِالرُّسُلِ مَادِّيِّينَ لَا تُهِمُّهُمْ إِلَّا شَهَوَاتُهُمْ، وَأَوْسَعُهُمْ عِلْمًا وَأَعْلَاهُمْ تَرْبِيَةً مَنْ يُرَاعِي فِي أَعْمَالِهِ مَا يُسَمُّونَهُ الشَّرَفَ بِاجْتِنَابِ مَا هُوَ مَذْمُومٌ بَيْنَ الطَّبَقَةِ الَّتِي يَعِيشُ فِيهَا أَوِ اجْتِنَابِ إِظْهَارِهِ فَقَطْ.
وَأَمَّا الَّذِينَ يَقُولُونَ: إِنَّهُمْ يُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الرُّسُلِ وَيَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ. كَأَهْلِ الْكِتَابِ، فَلَا يُعْتَدُّ بِقَوْلِهِمْ، وَلَا يُعَدُّ مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنَ التَّعَصُّبِ لِبَعْضِهِمْ، وَحِفْظِ بَعْضِ الْمَأْثُورِ عَنْهُمْ مِنَ الْأَحْكَامِ وَالْمَوَاعِظِ إِيمَانًا صَحِيحًا، وَإِنَّمَا تِلْكَ تَقَالِيدٌ اعْتَادُوهَا، وَعَصَبِيَّةٌ جِنْسِيَّةٌ أَوْ سِيَاسِيَّةٌ جَرَوْا عَلَيْهَا، وَإِنَّمَا الْإِيمَانُ بِالرِّسَالَةِ عَلَى الْوَجْهِ الصَّحِيحِ الَّذِي يُرْضِي اللهَ تَعَالَى هُوَ مَا كَانَ مَبْنِيًّا عَلَى فَهْمِ مَعْنَى الرِّسَالَةِ وَالْمُرَادِ مِنْهَا وَصِفَاتِ الرُّسُلِ وَوَظَائِفِهِمْ وَتَأْثِيرِ هِدَايَتِهِمْ، وَمِنْ فَهْمِ هَذَا لَا يُمْكِنُ أَنْ يُؤْمِنَ بِمُوسَى وَعِيسَى وَيَكْفُرَ بِمُحَمَّدٍ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ؛ فَإِنَّ صِفَاتِ الرِّسَالَةِ قَدْ ظَهَرَتْ فِي مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَكْمَلِ مَا ظَهَرَتْ فِي غَيْرِهِ، وَالْهِدَايَةَ بِهِ كَانَتْ أَكْبَرَ مِنَ الْهِدَايَةِ بِمَنْ قَبْلَهُ، وَحُجَّتَهُ كَانَتْ أَنْهَضَ، وَطُرُقَ الْعِلْمِ بِهَا أَقْوَى، وَالشُّبْهَةَ عَلَيْهَا

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 6  صفحه : 8
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست