responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 6  صفحه : 54
وَمَا لَهُمْ مِنَ النَّصْبِ عَلَى الِاخْتِصَاصِ مِنْ الِافْتِنَانِ، وَغُبِّيَ عَلَيْهِ أَنَّ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ كَانُوا أَبْعَدَ هِمَّةً فِي الْغَيْرَةِ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَذَبِّ الْمَطَاعِنِ عَنْهُ مِنْ أَنْ يَتْرُكُوا فِي كِتَابِ اللهِ ثُلْمَةً لِيَسُدَّهَا مَنْ بَعْدَهُمْ، وَخَرْقًا يَرْفُوهُ مَنْ يَلْحَقُ بِهِمْ. اهـ.
وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هَذَا عَطْفًا عَلَى الرَّاسِخُونَ وَعَلَى ضَمِيرِ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَأَنْ يَكُونَ مُبْتَدَأً خَبَرُهُ مَحْذُوفٌ ; أَيْ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ، وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ، وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ. أَوْ كَذَلِكَ، أَيْ مِثْلَ أُولَئِكَ الْمُؤْمِنِينَ، أَوْ مِثْلَ الْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ فِي اسْتِحْقَاقِ الْمَدْحِ بِالتَّبَعِ، وَإِقَامَةُ الصَّلَاةِ تَسْتَلْزِمُ إِيتَاءَ الزَّكَاةِ دُونَ الْعَكْسِ، فَإِنَّ الَّذِي يُقِيمُ الصَّلَاةَ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَمْنَعَ الزَّكَاةَ ; لِأَنَّ الصَّلَاةَ تُعْلِي هِمَّتَهُ، وَتُزَكِّي نَفْسَهُ، فَيَهُونُ عَلَيْهِ مَالُهُ، وَقَدْ قَالَ، تَعَالَى: إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا إِلَّا الْمُصَلِّينَ (70: 19 - 22) إِلَخْ.
وَقَدْ يَرِدُ هَهُنَا سُؤَالٌ، وَهُوَ أَنَّ مِنْ سُنَّةِ الْقُرْآنِ أَنْ يَذْكُرَ الْإِيمَانَ بِاللهِ قَبْلَ الْعَمَلِ الصَّالِحِ، سَوَاءٌ ذَكَرَ الْإِيمَانَ غُفْلًا مُطْلَقًا، أَوْ ذُكِرَتْ أَرْكَانُهُ كُلُّهَا أَوْ بَعْضُهَا كَقَوْلِهِ، تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا (18: 107) وَمِثْلُهَا كَثِيرٌ وَكَقَوْلِهِ: إِنِ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ (2: 62) وَالْجَوَابُ: أَنِ الْقَاعِدَةَ الْأَسَاسِيَّةَ فِي التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ هِيَ أَنْ يُقَدَّمَ الْأَهَمُّ ; الَّذِي يَقْتَضِيهِ السِّيَاقُ لَا الْأَهَمُّ فِي ذَاتِهِ ; وَلِذَلِكَ قَالَ - تَعَالَى - فِي سِيَاقِ تَخْطِئَةِ الْمُفَاخِرِينَ بِدِينِهِمْ بِالْأَمَانِيِّ وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا
(4: 124) بَعْدَمَا قَالَ فِي الْآيَةِ الَّتِي قَبْلَهَا لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ فَالسِّيَاقُ لِبَيَانِ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِالْعَمَلِ بِالدِّينِ، لَا بِالِانْتِمَاءِ إِلَيْهِ وَإِلَى الرَّسُولِ الَّذِي جَاءَ بِهِ وَالْفَخْرِ بِذَلِكَ، فَقَدَّمَ ذِكْرَ الْعَمَلِ عَلَى الْإِيمَانِ، وَالسِّيَاقُ الَّذِي نَحْنُ فِيهِ هُوَ بَيَانُ أَحْوَالِ أَهْلِ الْكِتَابِ فِي عَصْرِ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَانَ الْمُهِمُّ أَوَّلًا بَيَانَ إِيمَانِ خِيَارِهِمْ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ كَإِيمَانِهِمْ بِمَا أُنْزِلَ إِلَى أَنْبِيَائِهِمْ مِنْ قَبْلِهِ، ثُمَّ كَوْنُ هَذَا الْإِيمَانِ إِذْعَانِيًّا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْعَمَلُ، وَاكْتَفَى مِنْهُ بِأَعْلَى أَنْوَاعِ الْعِبَادَاتِ الْبَدَنِيَّةِ وَالْمَالِيَّةِ، ثُمَّ خَتَمَ الْكَلَامَ بِوَصْفِهِمْ بِأَوَّلِ صِفَاتِ الْكَمَالِ ; أَيْ بِالْإِيمَانِ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِالْمُؤْمِنِينَ هُنَا: الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ، وَبِالْمُؤْمِنِينَ فِي أَوَّلِ الْآيَةِ: الْمُؤْمِنُونَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ.
أُولَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا أَيْ أُولَئِكَ الْمَوْصُوفُونَ بِمَا ذُكِرَ كُلُّهُ سَنُعْطِيهِمْ فِي الْآخِرَةِ أَجْرًا عَظِيمًا، لَا يُدْرِكُ كُنْهَهُ فِي الدُّنْيَا أَحَدٌ مِنْهُمْ.

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 6  صفحه : 54
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست