responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 6  صفحه : 41
الْفَرَنْسِيُّ بَيَانًا عِلْمِيًّا فِي الْفَصْلِ الثَّانِي مِنْ كِتَابِهِ (رُوحُ الِاجْتِمَاعِ) وَمِمَّا قَالَهُ فِي بَيَانِ قَابِلِيَّةِ الْجَمَاعَاتِ لِلتَّأَثُّرِ وَالتَّصْدِيقِ وَانْخِدَاعِ الْفِكْرِ مَا يَأْتِي مُلَخَّصًا:
" إِنَّ سُرْعَةَ تَصْدِيقِ الْجَمَاعَةِ لَيْسَ هُوَ السَّبَبَ الْوَحِيدَ فِي اخْتِرَاعِ الْأَقَاصِيصِ الَّتِي تَنْتَشِرُ بَيْنَ النَّاسِ بِسُرْعَةٍ. بَلْ لِذَلِكَ سَبَبٌ آخَرُ، وَهُوَ التَّشْوِيهُ الَّذِي يَعْتَوِرُ الْحَوَادِثَ فِي مُخَيِّلَةِ الْمُجْتَمِعِينَ ; إِذْ تَكُونُ الْوَاقِعَةُ بَسِيطَةً لِلْغَايَةِ فَتَنْقَلِبُ صُورَتُهَا فِي خَيَالِ الْجَمَاعَةِ بِلَا إِبْطَاءٍ ; لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ تُفَكِّرُ بِوَاسِطَةِ التَّخَيُّلَاتِ، وَكُلُّ تَخَيُّلٍ يَجُرُّ إِلَى تَخَيُّلَاتٍ لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَدْنَى عَلَاقَةٍ مَعْقُولَةٍ ".
وَلَقَدْ كَانَ يَجِبُ تَعَدُّدُ صُوَرِ التَّشْوِيشِ الَّتِي تُدْخِلُهَا الْجَمَاعَةُ عَلَى حَادِثَةٍ شَاهَدَتْهَا، وَتَنَوُّعُ تِلْكَ الصُّوَرِ ; لِأَنَّ أَمْزِجَةَ الْأَفْرَادِ الَّذِينَ تَتَكَوَّنُ هِيَ مِنْهُمْ مُخْتَلِفَةٌ مُتَبَايِنَةٌ بِالضَّرُورَةِ، لَكِنَّ الْمُشَاهَدَ غَيْرُ ذَلِكَ، وَالتَّشْوِيشُ وَاجِبٌ عِنْدَ الْكُلِّ بِعَامِلِ الْعَدْوَى ; لِأَنَّ أَوَّلَ تَشْوِيشٍ تَخَيَّلَهُ وَاحِدٌ مِنَ الْجَمَاعَةِ يَكُونُ كَالْخَمِيرَةِ تَنْتَشِرُ مِنْهُ الْعَدْوَى إِلَى الْبَقِيَّةِ. فَقَبْلَ أَنْ يَرَى جَمِيعُ الصَّلِيبِيِّينَ الْقِدِّيسَ جُورْجَ فَوْقَ أَسْوَارِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، كَانَ بِالطَّبْعِ قَدْ تَخَيَّلَهُ أَحَدُهُمْ أَوَّلًا فَمَا لَبِثَ التَّأَثُّرُ وَالْعَدْوَى أَنْ مَثَّلَاهُ لِلْبَقِيَّةِ جِسْمًا مَرْئِيًّا.
هَكَذَا وَقَعَتْ جَمِيعُ التَّخَيُّلَاتِ الْإِجْمَاعِيَّةِ الْكَثِيرَةِ الَّتِي رَوَاهَا التَّارِيخُ، وَعَلَيْهَا كُلِّهَا مَسْحَةُ الْحَقِيقَةِ لِمُشَاهَدَتِهَا مِنَ الْأُلُوفِ الْمُؤَلَّفَةِ مِنَ النَّاسِ.
" وَلَا يَنْبَغِي فِي رَدِّ مَا تَقَدَّمَ الِاحْتِجَاجُ بِمَنْ كَانَ بَيْنَ تِلْكَ الْجَمَاعَاتِ مِنْ أَهْلِ الْعَقْلِ الرَّاجِحِ وَالذَّكَاءِ الْوَافِرِ ; لِأَنَّهُ لَا تَأْثِيرَ لِتِلْكَ الصِّفَةِ فِي مَوْضُوعِنَا ; إِذِ الْعَالِمُ وَالْجَاهِلُ سَوَاءٌ فِي عَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى النَّظَرِ وَالتَّمْيِيزِ مَا دَامُوا فِي الْجَمَاعَةِ، وَرُبَّ مُعْتَرِضٍ يَقُولُ:
إِنَّ تِلْكَ سَفْسَطَةٌ لِأَنَّ الْوَاقِعَ غَيْرُ ذَلِكَ، إِلَّا أَنَّ بَيَانَهُ يَسْتَلْزِمُ سَرْدَ عَدَدٍ عَظِيمٍ مِنَ الْحَوَادِثِ التَّارِيخِيَّةِ، وَلَا يَكْفِي لِهَذَا الْعَمَلِ عِدَّةُ مُجَلَّدَاتٍ، غَيْرَ أَنِّي لَا أُرِيدُ أَنْ أَتْرُكَ الْقَارِئَ أَمَامَ قَضَايَا لَا دَلِيلَ عَلَيْهَا، وَلِذَلِكَ سَآتِي بِبَعْضِ الْحَوَادِثِ أَنْقُلُهَا بِلَا انْتِقَاءٍ مِنْ بَيْنِ الْأُلُوفِ مِنَ الْحَوَادِثِ الَّتِي يُمْكِنُ سَرْدُهَا.
" وَأَبْدَأُ بِرِوَايَةِ وَاقِعَةٍ مِنْ أَظْهَرِ الْأَدِلَّةِ فِي مَوْضُوعِنَا ; لِأَنَّهَا وَاقِعَةُ خَيَالٍ اعْتَقَدَتْهُ جَمَاعَةٌ ضَمَّتْ إِلَى صُفُوفِهَا مِنَ الْأَفْرَادِ صُفُوفًا وَأَنْوَاعًا مَا بَيْنَ جَاهِلٍ غَبِيٍّ، وَعَالَمٍ أَلْمَعِيٍّ، رَوَاهَا عَرَضًا رُبَّانُ السَّفِينَةِ (جُولْيَانُ فِيلِيكْسَ) فِي كِتَابِهِ الَّذِي أَلَّفَهُ فِي مَجَارِي مِيَاهِ الْبَحْرِ، وَسَبَقَ نَشْرُهَا فِي (الْمَجَلَّةِ الْعِلْمِيَّةِ) قَالَ:
" كَانَتِ الْمُدَرَّعَةُ (بِيلْ بُولْ) تَبْحَثُ فِي الْبَحْرِ عَنْ بَاخِرَةٍ (بِيرْسُو) حَيْثُ كَانَتْ قَدِ انْقَطَعَتْ عَنْهَا بِعَاصِفَةٍ شَدِيدَةٍ، وَكَانَ النَّهَارُ طَالِعًا، وَالشَّمْسُ صَافِيَةً، وَبَيْنَمَا هِيَ سَائِرَةٌ إِذَا بِالرَّائِدِ يُشِيرُ إِلَى زَوْرَقٍ يُسَاوِرُهُ الْغَرَقُ، فَشَخَصَ رِجَالُ السَّفِينَةِ إِلَى الْجِهَةِ الَّتِي أَشَارَ إِلَيْهَا، وَرَأَوْا جَمِيعًا مِنْ عَسَاكِرَ وَضُبَّاطٍ زَوْرَقًا مَشْحُونًا بِالْقَوْمِ، تَجُرُّهُ سُفُنٌ تَخْفِقُ عَلَيْهَا أَعْلَامُ الْيَأْسِ وَالشِّدَّةِ. وَكُلُّ ذَلِكَ كَانَ خَيَالًا، فَقَدْ أَنْفَذَ الرُّبَّانُ زَوْرَقًا صَارَ يَنْهَبُ الْبَحْرَ إِنْجَادًا لِلْبَائِسِينَ.

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 6  صفحه : 41
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست