responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 6  صفحه : 398
فَقَدْ بَيَّنَ اللهُ تَعَالَى إِجْمَالَهُ بِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ الْكُلِّيَّةِ، وَهِيَ أَنَّهُمْ كَانُوا كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِشَيْءٍ لَا تَهْوَاهُ أَنْفُسُهُمْ، وَإِنْ كَانَ مُقْتَرِنًا بِأَشْيَاءَ يُوَافِقُ فِيهَا الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ، عَامَلُوهُ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ: التَّكْذِيبِ الْمُسْتَلْزِمِ لِلْإِعْرَاضِ وَالْعِصْيَانِ، أَوِ الْقَتْلِ وَسَفْكِ الدَّمِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ جُمْلَةَ (كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ) اسْتِئْنَافُ بَيَانٍ، لَا صِفَةٌ لِرُسُلٍ كَمَا قَالَ الْجُمْهُورُ. وَجَعْلُ الرُّسُلِ فَرِيقَيْنِ فِي الْمُعَامَلَةِ، بَعْدَ ذِكْرِ لَفْظِ الرَّسُولِ مُفْرَدًا فِي اللَّفْظِ، جَائِزٌ ; لِأَنَّ وُقُوعَهُ مُفْرَدًا إِنَّمَا هُوَ بَعْدَ (كُلَّمَا) الْمُفِيدَةِ لِلتَّكْرَارِ وَالتَّعَدُّدِ، وَاسْتَحْسَنَ بَعْضُهُمْ أَنْ يَكُونَ جَوَابُ " كُلَّمَا " مَحْذُوفًا تَقْدِيرُهُ: اسْتَكْبَرُوا وَأَعْرَضُوا، وَجَعَلَ التَّفْصِيلَ بَعْدَ ذَلِكَ اسْتِئْنَافًا بَيَانِيًّا، مُفَصِّلًا لِمَا تَرَتَّبَ عَلَى الِاسْتِكْبَارِ وَعَدَمِ قَبُولِ هِدَايَةِ الرُّسُلِ. وَهُوَ حَسَنٌ لِمُوَافَقَتِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي آيَةٍ أُخْرَى: (أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ) (2: 87) وَتَقَدَّمَ تَفْسِيرُهَا. وَالتَّعْبِيرُ عَنِ الْقَتْلِ بِالْمُضَارِعِ مَعَ كَوْنِهِ كَالتَّكْذِيبِ وَقَعَ فِي الْمَاضِي نُكْتَتُهُ تَصْوِيرُ جُرْمِ الْقَتْلِ الشَّنِيعِ وَاسْتِحْضَارُ هَيْئَتِهِ الْمُنْكَرَةِ كَأَنَّهُ وَاقِعٌ فِي الْحَالِ لِلْمُبَالَغَةِ فِي النَّعْيِ عَلَيْهِمْ وَالتَّوْبِيخِ لَهُمْ. فَقَدْ أَفَادَتِ الْآيَةُ أَنَّهُمْ بَلَغُوا مِنَ الْفَسَادِ وَاتِّبَاعِ أَهْوَائِهِمْ أَخْشَنَ مَرْكَبٍ وَأَشَدَّهُ تَقَحُّمًا بِهِمْ فِي الضَّلَالِ حَتَّى لَمْ يَعُدْ يُؤْثِّرُ فِي قُلُوبِهِمْ وَعْظُ الرُّسُلِ وَهَدْيُهُمْ، بَلْ صَارَ يُغْرِيهِمْ بِزِيَادَةِ الْكُفْرِ وَالتَّكْذِيبِ وَقَتْلِ أُولَئِكَ الْهُدَاةِ الْأَخْيَارِ.
(وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ) أَيْ وَظَنُّوا ظَنًّا تَمَكَّنَ مِنْ نُفُوسِهِمْ، فَكَانَ كَالْعِلْمِ فِي قُوَّتِهِ أَنَّهُ لَا تُوجَدُ وَلَا تَقَعُ لَهُمْ فِتْنَةٌ بِمَا فَعَلُوا مِنَ الْفَسَادِ. وَالْفِتْنَةُ: الِاخْتِبَارُ بِالشَّدَائِدِ ; كَتَسَلُّطِ الْأُمَمِ الْقَوِيَّةِ عَلَيْهِمْ بِالْقَتْلِ وَالتَّخْرِيبِ وَالِاضْطِهَادِ، وَقِيلَ الْمُرَادُ بِهَا الْقَحْطُ
وَالْجَوَائِحُ، وَلَيْسَ بِظَاهِرٍ هُنَا، وَإِنَّمَا الْمُتَبَادَرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِمَا أُجْمِلَ هُنَا هُوَ مَا جَاءَ مُفَصَّلًا فِي أَوَائِلِ سُورَةِ الْإِسْرَاءِ، الَّتِي تُسَمَّى سُورَةَ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَيْضًا مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: (وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ) (17: 4) إِلَى قَوْلِهِ: (عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا) الْآيَةَ. فَالْفَسَادُ مَرَّتَيْنِ هُنَاكَ هُوَ الْمُشَارُ إِلَيْهِ هُنَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى:
(فَعَمُوا وَصَمُّوا ثُمَّ تَابَ اللهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ) أَيْ فَعَمُوا عَنِ آيَاتِ اللهِ فِي كُتُبِهِ، الدَّالَّةِ عَلَى عِقَابِ اللهِ لِلْأُمَمِ الْمُفْسِدَةِ الظَّالِمَةِ، وَعَنْ سُنَنِهِ فِي خَلْقِهِ الْمُصَدِّقَةِ لَهَا، وَصَمُّوا عَنْ سَمَاعِ الْمَوَاعِظِ الَّتِي جَاءَهُمْ بِهَا الرُّسُلُ وَأَنْذَرُوهُمْ بِهَا عِقَابَ اللهِ لِمَنْ نَقَضَ مِيثَاقَهُ، وَخَرَجَ عَنْ هِدَايَةِ دِينِهِ، فَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَظَلَمَ نَفْسَهُ وَالنَّاسَ، فَلَمَّا عَمُوا وَصَمُّوا، وَانْهَمَكُوا فِي الظُّلْمِ وَالْفَسَادِ، سَلَّطَ اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِمُ الْبَابِلِيِّينَ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ، وَأَحْرَقُوا الْمَسْجِدَ الْأَقْصَى

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 6  صفحه : 398
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست