responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 6  صفحه : 388
لَا يَتَجَزَّأُ فِي الْحُكْمِ كَالْإِيمَانِ وَالْكُفْرِ بِمَا يَتَجَزَّأُ كَالْعِبَادَاتِ وَالْمَعَاصِي. وَتَرْكُ التَّبْلِيغِ لَوْ جَازَ وُقُوعُهُ كُفْرٌ. وَلِهَذَا الْمَعْنَى نَظِيرٌ يُؤَيِّدُهُ، وَهُوَ حُكْمُ اللهِ بِأَنَّ مَنْ كَذَّبَ بَعْضَ الرُّسُلِ كَانَ كَمَنْ كَذَّبَهُمْ كُلَّهُمْ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا) (4: 150، 151) بَلْ وَرَدَ مَا يُؤَيِّدُ الْوَجْهَ الْآخَرَ أَيْضًا، وَهُوَ تَشْبِيهُ قَاتَلِ النَّفْسِ الْوَاحِدَةِ بِقَاتِلِ النَّاسِ جَمِيعًا، وَتَقَدَّمَتِ الْآيَةُ فِي ذَلِكَ، وَأَمَّا مَعْنَى قِرَاءَةِ الْآخَرِينَ " رِسَالَتَهُ " بِالْإِفْرَادِ فَهُوَ نَفْيُ الْقِيَامِ بِمَنْصِبِ الرِّسَالَةِ.
وَقَدْ جَاءَ فِي الْقُرْآنِ ذِكْرُ تَبْلِيغِ الرِّسَالَاتِ بِالْجَمْعِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى مِنْ سُورَةِ الْأَحْزَابِ بَعْدَ قِصَّةِ زَيْدٍ وَزَيْنَبٍ: (الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللهَ) (33: 39) هَكَذَا قَرَأَ الْجَمَاعَةُ كُلُّهُمْ " رِسَالَاتِ " بِالْجَمْعِ، وَإِنَّمَا قُرِئَ بِالْإِفْرَادِ فِي الشَّوَاذِّ، وَجَاءَ فِي مَوَاضِعَ أُخْرَى مِنْ سُورَةِ الْأَعْرَافِ وَغَيْرِهَا، وَالِاسْتِشْهَادُ بِآيَةِ
الْأَحْزَابِ أَنْسَبُ فِي هَذَا الْمَقَامِ ; لِأَنَّ مَا نَزَلَ فِي قِصَّةِ زَيْدٍ وَزَيْنَبَ هُوَ أَشَدُّ مَا نَزَلَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَعَلِّقًا بِشَخْصِهِ الْكَرِيمِ، وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ) (33: 37) حَتَّى رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ وَأَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّهُمَا قَالَا: " لَوْ كَتَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْقُرْآنِ شَيْئًا لَكَتَمَ هَذِهِ الْآيَةَ ".
فَإِنْ قِيلَ: إِنَّ اللهَ تَعَالَى قَدْ عَصَمَ الرُّسُلَ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ مِنْ كِتْمَانِ شَيْءٍ مِمَّا أَمَرَهُمْ بِتَبْلِيغِهِ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَبَطَلَتْ حِكْمَةُ الرِّسَالَةِ بِعَدَمِ ثِقَةِ النَّاسِ بِالتَّبْلِيغِ، فَمَا حِكْمَةُ التَّصْرِيحِ مَعَ هَذَا بِالْأَمْرِ بِالتَّبْلِيغِ وَتَأْكِيدِهِ بِجَعْلِ كِتْمَانِ بَعْضِهِ كَكِتْمَانِهِ كُلِّهِ؟
قُلْتُ: حِكْمَتُهُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِعْلَامُ اللهِ تَعَالَى إِيَّاهُ بِأَنَّ التَّبْلِيغَ حَتْمٌ لَا تَخْيِيرَ فِيهِ، وَلَا يَجُوزُ كِتْمَانُهُ، وَلَوْ مُؤَقَّتًا بِتَأْخِيرِ شَيْءٍ مِنْهُ عَنْ وَقْتِهِ، عَلَى سَبِيلِ الِاجْتِهَادِ ; إِذْ كَانَ يَجُوزُ - لَوْلَا هَذَا النَّصُّ - أَنْ يَكُونَ مِنِ اجْتِهَادِ الرَّسُولِ تَأْخِيرُ بَعْضِ الْوَحْيِ إِلَى أَنْ يَقْوَى اسْتِعْدَادُ النَّاسِ لِقَبُولِهِ، وَلَا يَحْمِلَهُمْ سَمَاعُهُ عَلَى رَدِّهِ وَإِيذَاءِ الرَّسُولِ لِأَجْلِهِ، وَحِكْمَتُهُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى النَّاسِ أَنْ يَعْرِفُوا هَذِهِ الْحَقِيقَةَ بِالنَّصِّ، فَلَا يُعْذَرُوا إِذَا اخْتَلَفُوا فِيهَا بِاخْتِلَافِ الرَّأْيِ وَالْفَهْمِ.
أَمَّا الْأَوَّلُ فَيُؤَيِّدُهُ تَأْخِيرُ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْإِذْنَ لِمَوْلَاهُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ بِتَطْلِيقِ زَيْنَبَ مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّ اللهَ تَعَالَى مَا قَضَى بِتَزْوِيجِهَا لَهُ - وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ طِبَاعَهُمَا لَا تَتَّفِقُ، وَأَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يُضْطَرَّ إِلَى طَلَاقِهَا - إِلَّا لِيَتَزَوَّجَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ الطَّلَاقِ، وَيُبْطِلُ بِذَلِكَ جَرِيمَةَ التَّبَنِّي، وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا مِنَ الْبَاطِلِ. وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْشَى أَنْ يَقُولَ النَّاسُ: تَزَوَّجَ مُطَلَّقَةَ ابْنِهِ ; لِأَنَّهُ تَبَنَّى زَيْدًا قَبْلَ الْبَعْثَةِ. وَلَمَّا لَمْ يُؤَقِّتِ اللهُ تَعَالَى وَقْتًا لِتَطْلِيقِ

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 6  صفحه : 388
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست