responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 6  صفحه : 355
مُعَاشَرَةِ الْكِتَابِيِّ وَالْإِقَامَةِ مَعَهُ، وَإِنْ كَانَ ذَا ذِمَّةٍ أَوْ عَهْدٍ لَا خَوْفَ مِنَ الْإِقَامَةِ مَعَهُ وَلَا خَطَرَ، وَقَدْ كَانَ الْيَهُودُ يُقِيمُونَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَ الصَّحَابَةِ فِي الْمَدِينَةِ، وَكَانُوا يُعَامِلُونَهُمْ بِالْمُسَاوَاةِ التَّامَّةِ، حَتَّى إِنَّ عَلِيًّا الْمُرْتَضَى لَمَّا تَحَاكَمَ مَعَ يَهُودِيٍّ إِلَى عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا وَخَاطَبَهُ عُمَرُ أَمَامَ خَصْمِهِ الْيَهُودِيِّ بِالْكُنْيَةِ (يَا أَبَا الْحَسَنِ) غَضِبَ وَعَاتَبَ عُمَرَ ; أَنَّهُ عَظَّمَهُ أَمَامَ خَصْمِهِ، وَعُمَرُ لَمْ يَقْصِدْ تَمْيِيزَهُ عَلَى خَصْمِهِ، وَإِنَّمَا جَرَى لِسَانُهُ بِذَلِكَ ; لِتَعَوُّدِهِ تَكْرِيمَ عَلِيٍّ بِمُخَاطَبَتِهِ بِالْكُنْيَةِ. عَلَى أَنَّ الْحَدِيثَ وَرَدَ فِي الْمُشْرِكِينَ، لَا فِي أَهْلِ الْكِتَابِ، وَقَدْ فَرَّقَ الشَّرْعُ بَيْنَهُمَا فِي عِدَّةِ مَسَائِلَ. أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ تَعَالَى أَبَاحَ لَنَا طَعَامَ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالتَّزَوُّجَ بِنِسَائِهِمْ دُونَ الْمُشْرِكِينَ، وَهُوَ يَقُولُ فِي حِكْمَةِ الزَّوْجِيَّةِ وَسِرِّهَا: (وَجَعَلَ بَيْنِكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً) (30: 21) . وَقَدْ جَرَى الَّذِينَ يُفَسِّرُونَ الْقُرْآنَ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ تَصْنِيفًا وَتَدْرِيسًا عَلَى آثَارِ الْبَيْضَاوِيِّ ; إِذْ هُوَ الَّذِي يُدَرَّسُ الْآنَ فِي أَكْثَرِ الْأَمْصَارِ الْإِسْلَامِيَّةِ، وَقَدِ اتَّفَقَ أَنَّنِي لَمَّا زُرْتُ مَدِينَةَ دَارِ الْفُنُونِ فِي الْآسِتَانَةِ سَنَةَ 1328، وَطُفْتُ عَلَى حُجُرَاتِ الْمُدَرِّسِينَ أَلْفَيْتُ مُدَرِّسَ التَّفْسِيرِ يُفَسِّرُ هَذِهِ الْآيَةَ، فَلَمَّا قَرَّرَ مَا قَالَهُ الْبَيْضَاوِيُّ قَامَ أَحَدُ طُلَّابِ الْعِلْمِ مِنَ التُّرْكِ وَقَالَ: إِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ، فَلِمَاذَا جَعَلَتِ الدَّوْلَةُ بَعْضَ الْوُزَرَاءِ وَالْأَعْيَانِ وَالْمَبْعُوثِينَ وَالْمُوَظَّفِينَ مِنَ النَّصَارَى وَالْيَهُودِ؟ فَأُرْتِجَ عَلَى الْمُدَرِّسِ، وَعَرِقَ جَبِينُهُ، وَنَاهِيكَ بِعِقَابِ الْحُكُومَةِ الْعُرْفِيَّةِ الْعَسْكَرِيَّةِ هُنَالِكَ لِمَنْ يَطْعَنُ فِي دُسْتُورِهَا، فَقُلْتُ لِلْمُدَرِّسِ: أَتَأْذَنُ لِي أَنْ أُجِيبَ هَذَا السَّائِلَ؟ قَالَ: نَعَمْ. فَقُمْتُ، فَبَيَّنْتُ لَهُ أَنَّ الْوِلَايَةَ فِي الْآيَةِ وِلَايَةُ النُّصْرَةِ بِنَحْوِ مَا قَدَّمْتُهُ هُنَا، وَإِنَّهَا لَا تَدُلُّ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ اسْتِخْدَامِ الدَّوْلَةِ لِغَيْرِ الْمُحَارِبِينَ لَنَا، وَلَا هِيَ مِنْ هَذَا السِّيَاقِ فِي شَيْءٍ، فَاقْتَنَعَ السَّائِلُ وَالسَّامِعُ، وَسُرَّ الْأُسْتَاذُ، وَسُرِّيَ عَنْهُ، وَكَانَ لِهَذَا الْجَوَابِ أَحْسَنُ الْوَقْعِ عِنْدَ مُدِيرِ قِسْمِ الْإِلَهِيَّاتِ وَالْأَدَبِيَّاتِ مِنَ الْمَدْرَسَةِ، وَبَلَّغَهُ نَاظِرَ الْمَعَارِفِ فَارْتَاحَ إِلَيْهِ وَأَعْجَبَهُ، فَاقْتَرَحَ الْمُدِيرُ عَلَيْهِ أَنْ يُقَرِّرَ جَعْلَ تَدْرِيسِ التَّفْسِيرِ بِالْعَرَبِيَّةِ، وَكَذَلِكَ الْحَدِيثِ؛ رَجَاءَ أَنْ يُعْهَدَ إِلَيَّ بِهِ إِنْ أَقَمْتُ فِي الْآسِتَانَةِ، فَأَجَابَهُ إِلَى ذَلِكَ.
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: (بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ) فَهُوَ اسْتِئْنَافٌ بَيَانِيٌّ سِيقَ لِتَعْلِيلِ النَّهْيِ كَمَا قَالُوا وَمَعْنَاهُ أَنَّ الْيَهُودَ بَعْضَهُمْ أَوْلِيَاءُ وَأَنْصَارُ بَعْضٍ، وَالنَّصَارَى بَعْضَهُمْ أَوْلِيَاءُ وَأَنْصَارُ بَعْضٍ، لَا أَنَّ الْيَهُودَ أَوْلِيَاءُ وَحُلَفَاءُ النَّصَارَى، وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءُ وَحُلَفَاءُ الْيَهُودِ، وَلَمْ يَكُنْ لِلْمُؤْمِنِينَ مِنْهُمْ مَنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ ; إِذْ كَانَ الْيَهُودُ قَدْ نَقَضُوا مَا عَقَدَهُ الرَّسُولُ مَعَهُمْ مِنَ الْعَهْدِ كَمَا تَقَدَّمَتِ الْإِشَارَةُ إِلَيْهِ ; فَصَارَ الْجَمِيعُ حَرْبًا لِلرَّسُولِ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَبْدَأَهُمْ بِعُدْوَانٍ وَلَا قِتَالٍ، كَمَا عَلِمْتَ مِنْ عِبَارَةِ ابْنِ الْقَيِّمِ السَّابِقَةِ.

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 6  صفحه : 355
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست