responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 6  صفحه : 320
تَعْلِيمٌ وَتَأْدِيبٌ لِلْمُؤْمِنِينَ يَتَضَمَّنُ النَّهْيَ عَنْ مُخَاطَبَتِهِ بِاسْمِهِ وَالْأَمْرَ بِأَنْ يُخَاطِبُوهُ بِوَصْفِهِ، وَكَذَلِكَ كَانَ يَدْعُوهُ أَصْحَابُهُ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَجَهِلَ هَذَا الْأَدَبَ بَعْضُ الْأَعْرَابِ ; لِمَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ سَذَاجَةِ الْبَادِيَةِ وَخُشُونَتِهَا، فَكَانُوا يُنَادُونَهُ بِاسْمِهِ " يَا مُحَمَّدُ " حَتَّى أَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى: (لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا)
(24: 63) فَلَمْ يَعُدْ إِلَى دُعَائِهِ بِاسْمِهِ أَحَدٌ، وَلَكِنَّ الْمُفَسِّرِينَ يَغْفَلُونَ عَنْ هَذَا، فَيُكَرِّرُ كَثِيرٌ مِنْهُمْ كَلِمَةَ " يَا مُحَمَّدُ " عِنْدَ تَفْسِيرِهِمْ لِخِطَابِ اللهِ لِرَسُولِهِ بِمِثْلِ: (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ) (108: 1) وَمَا أَشْبَهَهُ مِنَ الْخِطَابِ، وَأَخَذَهُ عَنْهُمْ قُرَّاءُ التَّفْسِيرِ، فَيَكَادُونَ يَقُولُونَهُ فِي تَفْسِيرِ كُلِّ خِطَابٍ، وَإِنْ لَمْ يُذْكَرِ النِّدَاءُ فِي الْكِتَابِ.
وَالْحُزْنُ ضِدَّ السُّرُورِ، وَهُوَ ضَرْبٌ مِنْ آلَامِ النَّفْسِ يَجِدُهُ الْإِنْسَانُ عِنْدَ فَوْتِ مَا يُحِبُّهُ، وَيُسْتَعْمَلُ الْفِعْلُ الثُّلَاثِيُّ مِنْهُ مُتَعَدِّيًا بِـ " عَلَى " كَحَزِنَ فُلَانٌ عَلَى وَلَدِهِ، وَمُتَعَدِّيًا بِنَفْسِهِ ; كَحَزَنَهُ الْأَمْرُ، وَهَذِهِ لُغَةُ قُرَيْشٍ. وَتَمِيمٌ تُعَدِّيهِ بِالْهَمْزَةِ فَتَقُولُ: أَحْزَنَهُ مَوْتُ وَلَدِهِ، وَالْحُزْنُ مَذْمُومٌ طَبْعًا وَشَرْعًا مَهْمَا كَانَ سَبَبُهُ ; وَلِهَذَا نَهَى اللهُ تَعَالَى عَنْهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، وَفِي آيَاتٍ أُخْرَى، وَجَعَلَ التَّجَرُّدَ مِنْهُ وَمِنْ مُقَابِلِهِ، وَهُوَ فَرَحُ الْبَطَرِ وَالْخِفَّةِ بِالْأَشْيَاءِ الْمَحْبُوبَةِ، غَايَةً لِكَمَالِ الْإِيمَانِ فِي قَوْلِهِ: (لِكَيْ لَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ) (57: 23) . وَأَمَّا الْفَرَحُ وَالسُّرُورُ بِالْحَقِّ وَالْفَضْلِ، دُونَ أَعْرَاضِ الدُّنْيَا وَلَذَّاتِهَا، فَهُوَ مَحْمُودٌ (قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) (10: 58) كَمَا أَنَّ حُزْنَ الرَّحْمَةِ وَالرَّأْفَةِ عَنْ مَوْتِ الْوَلَدِ وَغَيْرِهِ مِنَ الصِّفَاتِ الْفِطْرِيَّةِ الشَّرِيفَةِ، لَا مَا تَكَلَّفَهُ الْمَرْءُ مِنْ لَوَازِمِهِ.
فَإِنْ قِيلَ: إِنَّ الْحُزْنَ أَلَمٌ طَبِيعِيٌّ يَعْرِضُ لِلْإِنْسَانِ عِنْدَ فَوْتِ مَا يُحِبُّهُ، وَلَيْسَ أَمْرًا اخْتِيَارِيًّا؛ فَكَيْفَ نَهَى اللهُ تَعَالَى عَنْهُ؟ قُلْنَا: إِنَّ النَّهْيَ عَنِ الْحُزْنِ يُرَادُ بِهِ النَّهْيُ عَنْ لَوَازِمِهِ الَّتِي يَفْعَلُهَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ مُخْتَارِينَ، فَتَكُونُ مُحَرِّكَةً لِذَلِكَ الْأَلَمِ وَمُجَدِّدَةً لَهُ وَمُبْعِدَةً أَمَدَ السَّلْوَى، وَالْأَمْرُ بِضِدِّهَا مِنْ تَكَلُّفِ الْأَعْمَالِ الَّتِي تَشْغَلُ النَّفْسَ وَتَصْرِفُهَا عَنِ التَّذَكُّرِ وَالتَّفَكُّرِ فِيمَا حَزِنَتْ لِأَجْلِهِ احْتِسَابًا وَرِضَاءً مِنَ اللهِ تَعَالَى، وَهَذِهِ الْأَفْعَالُ تَكُونُ بَدَنِيَّةً نَفْسِيَّةً، وَتَكُونُ نَفْسِيَّةً فَقَطْ أَوْ بَدَنِيَّةً فَقَطْ، وَفَسَّرُوهُ هُنَا بِقَوْلِهِمْ: أَيْ لَا تَهْتَمَّ، وَلَا تُبَالِ بِهَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ ; أَيْ فِي إِظْهَارِهِ بِالتَّحَيُّزِ إِلَى أَعْدَاءِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَهْلِهِ عِنْدَمَا تَسْنَحُ لَهُمُ الْفُرْصَةُ، وَيَجِدُونَ قُوَّةً يَعْتَصِمُونَ بِهَا مِنَ التَّبِعَةِ، فَإِنَّ اللهَ يَكْفِيكَ شَرَّهُمْ، وَيَنْصُرُكَ عَلَيْهِمْ، وَعَلَى مَنْ يَتَشَيَّعُونَ لَهُمْ.
وَلِلنَّاسِ فِي الْمَصَائِبِ عَادَاتٌ رَدِيئَةٌ، وَأَعْمَالٌ سَخِيفَةٌ ضَارَّةٌ، تَدُلُّ عَلَى ضَعْفِ الْبَشَرِ وَالسُّخْطِ عَلَى الْقَدَرِ، وَمُعْظَمُ الْعُقَلَاءِ وَالْحُكَمَاءِ يَذُمُّونَهُ وَيَنْهَوْنَ عَنْهُ كَمَا نَهَى عَنْهُ الدِّينُ، وَقَدْ قُلْتُ فِي مَرْثِيَّةٍ نَظَمْتُهَا فِي أَيَّامِ طَلَبِ الْعِلْمِ، نَاهِيًا ذَامًّا مَا اعْتِيدَ
مِنْ شَعَائِرَ الْحُزْنِ:

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 6  صفحه : 320
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست