responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 6  صفحه : 102
وَالْعِتْقُ وَالْوَلَاءُ، وَسَبَبُ الْحَدِيثِ بَيَّنَتْهُ رِوَايَةُ عَائِشَةَ فِي الصَّحِيحَيْنِ، قَالَتْ: " وَجَاءَتْنِي بِرَيْرَةُ فَقَالَتْ: كَاتَبْتُ أَهْلِي عَلَى تِسْعِ أَوَاقٍ فِي كُلِّ عَامٍ أُوقِيَّةٌ فَأَعِينِينِي، فَقُلْتُ: إِنْ أَحَبَّ أَهْلُكِ أَنْ أَعُدَّهَا لَهُمْ وَيَكُونَ وَلَاؤُكِ لِي، فَعَلْتُ. فَذَهَبَتْ بِرَيْرَةُ إِلَى أَهْلِهَا فَقَالَتْ لَهُمْ، فَأَبَوْا عَلَيْهَا، فَجَاءَتْ مِنْ عِنْدِهِمْ، وَرَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَالِسٌ فَقَالَتْ: إِنِّي قَدْ عَرَضْتُ عَلَيْهِمْ، فَأَبَوْا إِلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْوَلَاءُ، فَأَخْبَرَتْ عَائِشَةُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: خُذِيهَا وَاشْتَرِطِي لَهُمُ الْوَلَاءَ، فَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ. فَفَعَلَتْ عَائِشَةُ، ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي النَّاسِ، فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: " أَمَّا بَعْدُ فَمَا بَالُ رِجَالٍ يَشْتَرِطُونَ. . . " إِلَخْ.
فَالْوَاقِعَةُ فِي أَمْرٍ دِينِيٍّ اشْتُرِطَ فِيهِ شَرْطٌ مُخَالِفٌ لِحُكْمِ اللهِ فَكَانَ لَغْوًا، وَالْأُمُورُ الدِّينِيَّةُ مَوْقُوفَةٌ عَلَى النَّصِّ، وَأَمَّا الْأُمُورُ الدُّنْيَوِيَّةُ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالشَّرِكَاتِ، وَغَيْرِهَا مِنَ الْمُعَامَلَاتِ الدُّنْيَوِيَّةِ ; فَالْأَصْلُ فِيهَا عُرْفُ النَّاسِ، وَتَرَاضِيهِمْ مَا لَمْ يُخَالِفْ حُكْمَ الشَّرْعِ فِي تَحْلِيلِ حَرَامٍ أَوْ تَحْرِيمِ حَلَالٍ، كَمَا تَقَدَّمَ.
وَمِنْ أَدِلَّةِ هَذَا الْأَصْلِ بَعْدَ الْآيَةِ الَّتِي نُفَسِّرُهَا وَمَا أَيَّدْنَاهَا بِهِ، حَدِيثُ: أَنْتُمْ أَعْلَمُ بِأَمْرِ دُنْيَاكُمْ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ وَعَائِشَةَ، وَحَدِيثُ: مَا كَانَ مِنْ أَمْرِ دِينِكُمْ فَإِلَيَّ، وَمَا كَانَ مِنْ أَمْرِ دُنْيَاكُمْ فَأَنْتُمْ أَعْلَمُ بِهِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ. لِهَذَا تَجِدُ الْإِمَامَ أَحْمَدَ أَكْثَرَ أَئِمَّةِ الْفِقْهِ تَصْحِيحًا لِلْعُقُودِ وَالشُّرُوطِ، عَلَى أَنَّهُ أَوْسَعُهُمْ رِوَايَةً لِلْحَدِيثِ وَأَشَدُّهُمُ اسْتِمْسَاكًا بِهِ، فَأَبُو حَنِيفَةَ يُقَدِّمُ الْقِيَاسَ الْجَلِيَّ عَلَى حَدِيثِ الْآحَادِ الصَّحِيحِ، وَأَحْمَدُ يُقَدِّمُ الْحَدِيثَ الضَّعِيفَ عَلَى الْقِيَاسِ.
وَمِنَ الْعُقُودِ الَّتِي شَدَّدَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ فِي إِبْطَالِ شُرُوطِهَا عَقْدُ النِّكَاحِ، فَتَرَى الَّذِينَ يُجَوِّزُونَ الشُّرُوطَ فِي الْبَيْعِ - وَهُوَ مِنَ الْمُعَامَلَاتِ الدُّنْيَوِيَّةِ الْمَوْكُولَةِ إِلَى الْعُرْفِ - لَا يُجَوِّزُونَ الشُّرُوطَ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ أَحَقَّ الشُّرُوطِ أَنْ تُوفُوا بِهِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا، وَأَصْحَابُ السُّنَنِ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ. وَقَدْ جَوَّزَ أَحْمَدُ بِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْ تَشْتَرِطَ الْمَرْأَةُ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ أَلَّا يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا، وَأَلَّا تَنْتَقِلَ مِنْ بَلَدِهَا أَوْ مِنَ الدَّارِ، وَيُجِيزُ لَهَا فَسْخَ النِّكَاحِ إِذَا تَزَوَّجَ عَلَيْهَا وَقَدِ اشْتَرَطَتْ عَلَيْهِ عَدَمَ التَّزَوُّجِ عَلَيْهَا، كَمَا يُجَوِّزُ لَهَا الْفَسْخَ بِغَيْرِ ذَلِكَ
مِنَ الْعُيُوبِ وَالتَّدْلِيسِ، وَأَجَازَ اشْتِرَاطَ التَّسَرِّي فِي شِرَاءِ الْجَارِيَةِ، وَحِينَئِذٍ لَا تُجْبَرُ عَلَى الْخِدْمَةِ، وَاشْتِرَاطَ أَنْ يَأْخُذَ الْبَائِعُ الْجَارِيَةَ بِثَمَنِهَا إِذَا أَرَادَ الْمُشْتَرِي بَيْعَهَا، وَلَكِنْ قَالَ لَا يَقْرَبُهَا وَلَهُ فِيهَا شَرْطٌ، وَمَذْهَبُهُ هَذَا فِي الشُّرُوطِ هُوَ الْمُوَافِقُ لِسُهُولَةِ الْحَنِيفِيَّةِ السَّمْحَةِ، وَرَفْعِ الْحَرَجِ مِنْهَا. وَلَمْ أَرَ أَحَدًا مِنَ الْعُلَمَاءِ وَفَّى مَوْضُوعَ الْعُقُودِ حَقَّهُ مُؤَيَّدًا بِدَلَائِلِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَآثَارِ السَّلَفِ وَوُجُوهِ الِاعْتِبَارِ فِي مَدَارِكِ الْقِيَاسِ - إِلَّا شَيْخَ الْإِسْلَامِ ابْنَ تَيْمِيَةَ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى. فَلْيُرَاجِعْهُ مَنْ أَرَادَ التَّوَسُّعَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ.

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 6  صفحه : 102
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست