responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 5  صفحه : 95
دِقَّةِ عِبَارَةِ الْقُرْآنِ وَبَلَاغَتِهَا، وَاشْتِمَالِهَا عَلَى الْمَعَانِي الْكَثِيرَةِ بِاخْتِلَافِ التَّعْبِيرِ ; فَقَدْ دَلَّتِ الْآيَةُ بِاخْتِلَافِ الْحَالَيْنِ عَلَى أَنَّ الشَّارِعَ يُرِيدُ صَرْفَ النَّاسِ عَنِ السُّكْرِ، وَتَرْبِيَتَهُمْ عَلَى تَرْكِهِ بِالتَّدْرِيجِ لِمَا فِيهِ مِنَ الْإِثْمِ وَالضَّرَرِ، وَلَا يُرِيدُ صَرْفَهُمْ عَنِ الْجَنَابَةِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ سُنَنِ الْفِطْرَةِ، وَإِنَّمَا يَنْهَاهُمْ عَنِ الصَّلَاةِ فِي أَثْنَائِهَا حَتَّى يَغْتَسِلُوا، فَهَذَا النَّهْيُ تَمْهِيدٌ لِفَرْضِ الطَّهَارَةِ مِنَ الْجَنَابَةِ، وَكَوْنِهَا شَرْطًا لِلصَّلَاةِ، وَذَلِكَ النَّهْيُ تَمْهِيدٌ لِتَحْرِيمِ الْخَمْرِ أَلْبَتَّةَ فِي سِيَاقِ إِيجَابِ الْفَهْمِ، وَالتَّدَبُّرِ لِمَا فِي الصَّلَاةِ مِنَ الْأَذْكَارِ وَالتِّلَاوَةِ.
وَالْجُنُبُ، قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ: يَعْرِفُهُ كُلُّ أَحَدٍ ـ يَعْنِي مِنْ قُرَّاءِ الْعَرَبِيَّةِ ـ لِأَنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ الْآنَ عِنْدَ الْخَاصَّةِ وَالْعَامَّةِ فِي الْمَعْنَى الَّذِي جَاءَ بِهِ الْقُرْآنُ، وَلَكِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ مَا هِيَ صِيغَتُهُ وَمَا مَعْنَى أَصْلِ مَادَّتِهِ، وَقَدِ اسْتَعْمَلَتِ الْعَرَبُ هَذَا اللَّفْظَ اسْتِعْمَالَ الْمَصَادِرِ فِي الْوَصْفِيَّةِ، فَقَالُوا: هُوَ جُنُبٌ وَهِيَ جُنُبٌ، وَهُمْ جُنُبٌ وَهُمْ جُنُبٌ، وَثَنَّاهُ وَجَمَعَهُ بَعْضُهُمْ فَقَالُوا: جُنُبَانِ وَأَجْنَابٌ وَجَنُوبٌ، وَقَالَ أَبُو الْبَقَاءِ: هُوَ مُشْتَقٌّ مِنَ الْمُجَانَبَةِ بِمَعْنَى الْمُبَاعَدَةِ، وَلَيْسَ بِظَاهِرٍ.
وَقَدْ قَالُوا: جَانَبَهُ بِمَعْنَى سَارَ إِلَى جَنْبِهِ، وَمِنْهُ الصَّاحِبُ بِالْجَنْبِ لِرَفِيقِ السَّفَرِ، وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّهُ يَرْكَبُ بِجَانِبِ رَفِيقِهِ فِي الشُّقْدُفِ عَلَى الْبَعِيرِ، فَيَكُونُ إِشَارَةً إِلَى الْمُضَاجَعَةِ الَّتِي هِيَ أَعَمُّ أَسْبَابِ الْجَنَابَةِ، وَعِنْدِي أَنَّ الْجَارَ الْجُنُبَ هُوَ مَنْ كَانَ بَيْتُهُ بِجَانِبِ بَيْتِكَ، وَفَاتَنِي ذِكْرُ ذَلِكَ فِي مَوْضِعِهِ.
إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ أَيْ: لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ جُنُبًا فِي حَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ إِلَّا كَوْنَكُمْ عَابِرِي سَبِيلٍ أَيْ: مُجْتَازِي طَرِيقٍ، وَقِيلَ: إِنَّ إِلَّا هُنَا صِفَةٌ بِمَعْنَى غَيْرَ، وَلَمْ يَلْتَفِتْ صَاحِبُ هَذَا الْقَوْلِ إِلَى مَا اشْتَرَطَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ لِذَلِكَ مِنْ تَعَذُّرِ الِاسْتِثْنَاءِ، وَمَنْ قَالَ: إِنَّ الْمُرَادَ بِالصَّلَاةِ هُنَا حَقِيقَتُهَا فَسَّرَ عَابِرَ السَّبِيلِ هُنَا بِالْمُسَافِرِ، وَمَنْ قَالَ: إِنَّ الْمُرَادَ بِالصَّلَاةِ مَوَاضِعُهَا ـ أَيِ الْمَسَاجِدُ ـ فُسِّرَ بِالْمُجْتَازِ لِحَاجَةٍ، قَالَهُ الْأُسْتَاذُ وَغَيْرُهُ، وَقَدِ اسْتَدَلَّ الشَّافِعِيَّةُ بِالْآيَةِ عَلَى جَوَازِ مُرُورِ الْجُنُبِ فِي الْمَسْجِدِ إِذَا كَانَتْ لَهُ حَاجَةٌ، وَعَلَى تَحْرِيمِ الْمُكْثِ فِيهِ عَلَيْهِ، وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ الشَّافِعِيَّ يُجِيزُ أَنْ يُرَادَ بِالصَّلَاةِ هُنَا حَقِيقَتُهَا وَمَكَانُهَا مَعًا، وَحِينَئِذٍ يَجْعَلُ اسْتِثْنَاءَ الْعُبُورِ بِاعْتِبَارِ الْمَكَانِ، وَإِنِّي لَأَسْتَبْعِدُ التَّعْبِيرَ عَنِ السَّفَرِ بِعُبُورِ السَّبِيلِ، وَالسَّفَرُ مَذْكُورٌ فِي الْآيَةِ وَفِي غَيْرِهَا مِنَ الْآيَاتِ بِلَفْظِ السَّفَرِ، فَالْمُتَعَيَّنُ عِنْدِي فِي الْعُبُورِ مَا قَالَهُ الشَّافِعِيَّةُ وَغَيْرُهُمْ مِنْ مُفَسِّرِي السَّلَفِ وَهُوَ بِالْمُرُورِ بِالْمَسْجِدِ ; لِأَنَّهُ مَنْ قَرُبَ الصَّلَاةَ سَوَاءٌ أُرِيدَ بِهَا الْمَكَانُ وَحْدَهُ، أَمِ الْمَكَانُ وَالْحَقِيقَةُ وَالْمَجَازُ مَعًا أَمِ الْحَقِيقَةُ وَحْدَهَا ; لِأَنَّ الْمُكْثَ فِي الْمَسْجِدِ مِنْ مُقَدِّمَاتِ الصَّلَاةِ، فَالْمَنْعُ مِنْهُ يَدْخُلُ فِي النَّهْيِ عَنْ قُرْبِ الصَّلَاةِ، وَيُؤَيِّدُ هَذَا مَا هُوَ مَعْرُوفٌ مِنْ كَوْنِ بَعْضِ جِيرَانِ الْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ كَانَ لِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابٌ وَمَنَافِذُ مِنَ الْمَسْجِدِ، فَكَانُوا يَعْبُرُونَ مِنْهُ إِلَى بُيُوتِهِمْ، وَكَانَ كَثِيرٌ مِنْ فُقَرَاءِ الصَّحَابَةِ يُقِيمُونَ فِي الْمَسْجِدِ، فَلَمَّا نَزَلَتْ فَهِمُوا مِنْهَا

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 5  صفحه : 95
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست