responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 5  صفحه : 86
وَفَرْقٌ بَيْنَهُمَا، وَهَذَا كُلُّهُ مِنَ الْجَدَلِ الْبَاطِلِ وَالْهَذَيَانِ، وَإِدْخَالِ الْفَلْسَفَةِ فِي الدِّينِ بِغَيْرِ عَقْلِ وَلَا بَيَانٍ، وَمِثْلُهُ قَوْلُ بَعْضِ الْمُنْتَمِينَ إِلَى السُّنَّةِ بِجَوَازِ تَخَلُّفِ الْوَعِيدِ وَلَا يُعَدُّ ذَلِكَ ظُلْمًا؛ لِأَنَّ الظُّلْمَ لَا يُتَصَوَّرُ مِنْهُ تَعَالَى، وَبَلَغَ بِهِمُ الْجَهْلُ مِنْ تَأْيِيدِ هَذَا الرَّأْيِ إِلَى تَجْوِيزِ الْكَذِبِ عَلَى اللهِ تَعَالَى وَجَعَلُوا هَذَا نَصْرًا لِلسُّنَّةِ، وَالَّذِي قَذَفَ بِهَؤُلَاءِ فِي هَذِهِ الْمُهَاوِي هُوَ الْجَدَلُ وَالْمِرَاءُ لِتَأْيِيدِ الْمَذَاهِبِ الَّتِي تَقَلَّدُوهَا، وَالْتِزَامُ كُلِّ فَرِيقٍ تَفْنِيدَ الْآخَرِ وَإِظْهَارَ خَطَئِهِ لَا طَلَبَ الْحَقِّ أَيْنَمَا ظَهَرَ، وَلَهُمْ مِثْلُ هَذِهِ الْجَهَالَاتِ الْكَثِيرُ الْبَعِيدُ عَنْ كِتَابِ اللهِ وَدِينِهِ، كَقَوْلِ الْمُعْتَزِلَةِ: إِنَّ بَعْضَ الْأَشْيَاءِ حَسَنٌ لِذَاتِهِ وَبَعْضَهَا قَبِيحٌ لِذَاتِهِ، وَيَجِبُ عَلَى اللهِ تَعَالَى أَنْ يَفْعَلَ الْأَصْلَحَ مِنَ الْأَمْرَيْنِ الْجَائِزَيْنِ، وَكَقَوْلِ بَعْضِ مَنْ لَمْ يَفْهَمْ مَسْأَلَةَ أَفْعَالِ الْعِبَادِ بِمَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الْعَبَثِ عَلَى اللهِ تَعَالَى وَكُلُّ هَذَا جَهْلٌ.
(قَالَ) : وَالَّذِي يُفْهَمُ مِنَ الْآيَةِ أَنَّ هُنَاكَ حَقِيقَةً ثَابِتَةً فِي نَفْسِهَا وَهِيَ الظُّلْمُ، وَأَنَّ هَذَا لَا يَقَعُ مِنَ اللهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّهُ مِنَ النَّقْصِ الَّذِي يَتَنَزَّهُ عَنْهُ وَهُوَ ذُو الْكَمَالِ الْمُطْلَقِ وَالْفَضْلِ
الْعَظِيمِ، وَقَدْ خَلَقَ لِلنَّاسِ مَشَاعِرَ يُدْرِكُونَ بِهَا، وَعُقُولًا يَهْتَدُونَ بِهَا إِلَى مَا لَا يُدْرِكُهُ الْحِسُّ، وَشَرَعَ لَهُمْ مِنْ أَحْكَامِ الدِّينِ وَآدَابِهِ مَا لَا تَسْتَقِلُّ عُقُولُهُمْ بِالْوُصُولِ إِلَى مِثْلِهِ فِي هِدَايَتِهِمْ وَحِفْظِ مَصَالِحِهِمْ، وَجَعَلَ فَوَائِدَ الدِّينِ وَآدَابَهُ سَائِقَةً إِلَى الْخَيْرِ صَارِفَةً عَنِ الشَّرِّ لِتَأْيِيدِهَا بِالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ، فَمَنْ وَقَعَ بَعْدَ ذَلِكَ فِيمَا يَضُرُّهُ وَيُؤْذِيهِ وَتَرَتَّبَتْ عَلَيْهِ عُقُوبَتُهُ كَانَ هُوَ الظَّالِمَ لِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّ اللهَ لَا يَظْلِمُ أَحَدًا.
قَالَ: وَنَفْيُ الظُّلْمِ هَاهُنَا عَلَى إِطْلَاقِهِ يَشْمَلُ الْمُؤْمِنَ وَالْكَافِرَ، وَالذَّرَّةُ فِيهِ عِبَارَةٌ عَنْ مُنْتَهَى الصِّغَرِ فِي الْأَجْسَامِ، وَقِيلَ: الذَّرُّ: الْهَبَاءُ، وَقِيلَ: النَّمْلُ الصَّغِيرُ الْأَحْمَرُ، أَوِ الذَّرَّةُ: رَأْسُ النَّمْلَةِ الصَّغِيرَةِ، وَأَظْهَرُ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ فِي الْعُمُومِ: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ إِلَخْ، وَقَدْ قَدَّرَ مُفَسِّرُنَا (الْجَلَالُ) فِي الْآيَةِ هُنَا (أَحَدًا) لِلْإِشَارَةِ إِلَى الْعُمُومِ، وَلَكِنْ وَرَدَ فِي الْكَافِرِينَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ لَا أَثَرَ لِعَمَلِهِمْ فِي الْآخِرَةِ كَقَوْلِهِ: أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا (18: 105) ، وَقَوْلِهِ فِي عَمَلِهِمْ: فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا (25: 23) ، وَقَدْ قَالَ بَعْضُهُمْ فِي الْجَمْعِ: إِنَّ اللهَ يُجَازِيهِمْ عَلَى أَعْمَالِهِمْ فِي الدُّنْيَا، وَهَذَا تَأْوِيلٌ لَا يَأْتِي فِي سُورَةِ الزَّلْزَلَةِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيهَا خَاصٌّ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ غَيْرَ ذَلِكَ، كَلٌّ يَحْمِلُ الْآيَةَ عَلَى مَذْهَبِهِ كَمَا هِيَ عَادَةُ الْمُقَلِّدِينَ فِي جَعْلِ مَذَاهِبِهِمْ أَصْلًا، وَالْقُرْآنِ الْعَزِيزِ فَرْعًا يُحْمَلُ عَلَيْهَا، وَلَوْ بِالتَّأْوِيلِ السَّقِيمِ وَالتَّحْرِيفِ الْبَعِيدِ.
قَالَ: وَمِنَ الْعَجَبِ أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ بِهَذِهِ التَّأْوِيلَاتِ، وَقَدْ وَرَدَ فِي الْأَحَادِيثِ الْمُسَلَّمَةِ عِنْدَ قَائِلِيهَا أَنَّ بَعْضَ الْمُشْرِكِينَ يُخَفَّفُ عَنْهُ الْعَذَابُ بِعَمَلٍ لَهُ، حَاتِمٌ بِكَرَمِهِ، وَأَبُو طَالِبٍ بِكَفَالَتِهِ النَّبِيَّ وَنَصْرِهِ إِيَّاهُ، بَلْ وَرَدَ حَدِيثٌ بِالتَّخْفِيفِ عَنْ أَبِي لَهَبٍ لِعِتْقِهِ ثُوَيْبَةَ حِينَ بُشِّرَ بِالنَّبِيِّ
ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 5  صفحه : 86
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست