responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 5  صفحه : 84
بِاللهِ تَعَالَى وَكَوْنِهِ هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا، وَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِحَيَاةٍ أُخْرَى بَعْدَ الْمَوْتِ وَكَانُوا مَعَ ذَلِكَ مُشْرِكِينَ
وَإِيمَانُهُمْ عَلَى غَيْرِ الْوَجْهِ الصَّحِيحِ، وَكَذَلِكَ أَهْلُ الْكِتَابِ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ، وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَلَكِنَّ الشِّرْكَ كَانَ قَدْ تَغَلْغَلَ فِيهِمْ أَيْضًا، فَالْمُرَادُ الْإِيمَانُ الصَّحِيحُ مَعَ الْإِذْعَانِ الَّذِي يَظْهَرُ أَثَرُهُ فِي الْعَمَلِ، وَلَوْ عَلَى مَعْنَاهَا وَجَوَابُهَا مَحْذُوفٌ دَلَّ عَلَيْهِ مَا قَبْلَهُ مِنَ الِاسْتِفْهَامِ، وَالْكَلَامُ مَسُوقٌ مَسَاقَ التَّعَجُّبِ مِنْ حَالِهِمْ فِي إِنْفَاقِ الْمَالِ، وَعَمَلِ الْإِحْسَانِ لِوَجْهِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَابْتِغَاءِ رِضْوَانِهِ وَثَوَابِهِ فِي الْآخِرَةِ، وَالْمُرَادُ مِنَ التَّعَجُّبِ إِثَارَةُ عَجَبِ النَّاسِ مِنْ حَالِهِمْ ; إِذْ لَوْ أَخْلَصُوا لَمَا فَاتَتْهُمْ مَنْفَعَةُ الدُّنْيَا، وَلَفَازُوا مَعَ ذَلِكَ بِسَعَادَةِ الْعُقْبَى، وَكَثِيرًا مَا يَفُوتُ الْمُرَائِيَ غَرَضُهُ مِنَ التَّقَرُّبِ إِلَى النَّاسِ وَامْتِلَاكِ قُلُوبِهِمْ وَتَسْخِيرِهِمْ لِخِدْمَتِهِ أَوِ الثَّنَاءِ عَلَيْهِ، وَيَفُوزُ بِذَلِكَ الْمُخْلِصُ الَّذِي يُخْفِي الْعَمَلَ مِنْ حَيْثُ لَا يَطْلُبُهُ وَلَا يَحْتَسِبُهُ، فَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ يَكُونُ لِلْمُخْلِصِ سَعَادَةُ الدَّارَيْنِ، وَيَرْجِعُ الْمُرَائِي بِخُفَّيْ حُنَيْنٍ، بَلْ يَكُونُ قَدْ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ، وَذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ، فَجَهْلُ الْمُرَائِينَ جَدِيرٌ بِأَنْ يُتَعَجَّبَ بِهِ ; لِأَنَّهُ جَهْلٌ بِاللهِ وَجَهْلٌ بِأَحْوَالِ النَّاسِ، وَلَوْ آمَنُوا وَأَخْلَصُوا وَأَحْسَنُوا وَوَثِقُوا بِوَعْدِ اللهِ وَوَعِيدِهِ لَكَانَ هَذَا الْإِيمَانُ كَنْزَ سَعَادَةٍ لَهُمْ، فَإِنَّ مَنْ يُحْسِنُ مُوقِنًا أَنَّ الْمَالَ وَالْجَاهَ مِنْ فَضْلِ اللهِ عَلَى الْعَبْدِ، وَأَنَّهُ يَنْبَغِي أَنَّ يَتَقَرَّبَ بِهِمَا إِلَيْهِ تَعْلُو هِمَّتُهُ فَتَهُونُ عَلَيْهِ الْمَصَاعِبُ وَالنَّوَائِبُ، وَيَكُونُ هَذَا الْإِيمَانُ الصَّحِيحُ عِوَضًا لَهُ مِنْ كُلِّ فَائِتٍ، وَسَلْوَى فِي كُلِّ مُصَابٍ، وَفَاقِدُ الْإِيمَانِ الْحَقِيقِيِّ عُرْضَةٌ لِلْغَمِّ وَالْيَأْسِ مِنْ كُلِّ خَيْرٍ عِنْدَمَا يَرَى خَيْبَةَ أَمَلِهِ، وَكَذِبَ ظَنِّهِ فِي النَّاسِ، فَإِذَا وَقَعَ فِي مُصَابٍ عَظِيمٍ كَفَقْدِ الْمَالِ وَلَا سِيَّمَا إِذَا ذَهَبَ كُلُّ مَالِهِ وَأَمْسَى فَقِيرًا، وَلَمْ يُنْقِذْهُ النَّاسُ وَلَا بَالَوْا بِهِ، فَإِنَّ الْغَمَّ وَالْقَهْرَ رُبَّمَا أَمَاتَاهُ جَزَعًا لَا صَبْرًا، وَرُبَّمَا بَخَعَ نَفْسَهُ وَانْتَحَرَ بِيَدِهِ ; وَلِذَلِكَ يَكْثُرُ الِانْتِحَارُ مِنْ فَاقِدِي الْإِيمَانِ، وَأَمَّا الْمُؤْمِنُ فَإِنْ أَقَلَّ مَا يُؤْتَاهُ فِي الْمَصَائِبِ هُوَ الصَّبْرُ وَالسَّلْوَى فَيَكُونُ وَقْعُ الْمُصِيبَةِ عَلَى نَفْسِهِ أَخَفَّ، وَثَوَاءُ الْحُزْنِ فِي قَلْبِهِ أَقَلَّ، وَأَكْثَرُهُ أَنْ تَكُونَ الْمُصِيبَةُ فِي حَقِّهِ رَحْمَةً، وَتَتَحَوَّلَ النِّقْمَةُ فِيهَا نِعْمَةً، بِمَا يَسْتَفِيدُ فِيهَا مِنَ الِاخْتِبَارِ وَالتَّمْحِيصِ، وَكَمَالِ الْعِبْرَةِ وَالتَّهْذِيبِ (أَقُولُ: وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِي تَفْسِيرِ آيَاتٍ مِنْ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ وَلَا سِيَّمَا قَوْلُهُ تَعَالَى: قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ 3: 137] ، إِلَى الْآيَةِ 141 فَتُرَاجَعُ مِنْ [ص 114 - 126 مِنْ جُزْءِ التَّفْسِيرِ الرَّابِعِ] ،
إِنَّ النِّعَمَ الْبَاطِنَةَ هِيَ الْمَصَائِبُ الَّتِي يَسْتَفِيدُ مِنْهَا الْمُؤْمِنُ زِيَادَةَ الْإِيمَانِ وَالِاعْتِبَارِ) عَلَى أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ الْمُحْسِنِينَ الْمُخْلِصِينَ يَكُونُونَ أَبْعَدَ عَنِ النَّوَائِبِ وَالْمَصَائِبِ مِنْ غَيْرِهِمْ، وَقَدْ يَبْتَلِي اللهُ الْمُؤْمِنَ وَيَمْتَحِنُ صَبْرَهُ فَيُعْطِيهِ إِيمَانُهُ مِنَ الرَّجَاءِ بِاللهِ تَعَالَى مَا تُخَالِطُ حَلَاوَتَهُ مَرَارَةُ الْمُصِيبَةِ حَتَّى تَغْلِبَهَا أَحْيَانًا، وَإِنَّ مِنَ النَّاسِ

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 5  صفحه : 84
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست