responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 5  صفحه : 78
إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ: هَذَا تَعْلِيلٌ أَوْ بِمَنْزِلَةِ التَّعْلِيلِ لِكُلِّ هَذِهِ الْوَصَايَا الْمُتَقَدِّمَةِ، وَالْمُخْتَالُ: هُوَ الْمُتَكَبِّرُ الَّذِي يَظْهَرُ عَلَى بَدَنِهِ أَثَرٌ مِنْ كِبْرِهِ فِي الْحَرَكَاتِ وَالْأَعْمَالِ، فَتُرَى نَفْسُهُ أَعْلَى مِنْ نُفُوسِ النَّاسِ، وَأَنَّهُ يَجِبُ عَلَى غَيْرِهِ أَنْ يَتَحَمَّلَ مِنْ تِيهِهِ مَا لَا يَتَحَمَّلُهُ هُوَ مِنْهُ، فَالْمُخْتَالُ: مَنْ تَمَكَّنَتْ فِي نَفْسِهِ مَلَكَةُ الْكِبْرِ، وَظَهَرَ أَثَرُهَا فِي عَمَلِهِ وَشَمَائِلِهِ، فَهُوَ شَرٌّ مِنَ الْمُتَكَبِّرِ غَيْرِ الْمُخْتَالِ، وَالْفَخُورُ: هُوَ الْمُتَكَبِّرُ الَّذِي يَظْهَرُ أَثَرُ الْكِبْرِ فِي قَوْلِهِ كَمَا يَظْهَرُ فِي فِعْلِ الْمُخْتَالِ، فَهُوَ يَذْكُرُ مَا يَرَى أَنَّهُ مُمْتَازٌ بِهِ عَلَى النَّاسِ تَبَجُّحًا بِنَفْسِهِ وَتَعْرِيضًا بِاحْتِقَارِهِ غَيْرَهُ، فَالْمُخْتَالُ الْفَخُورُ مَبْغُوضٌ عِنْدَ اللهِ تَعَالَى ; لِأَنَّهُ احْتَقَرَ جَمِيعَ الْحُقُوقِ الَّتِي وَضَعَهَا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَأَوْجَبَهَا لِلنَّاسِ، وَعَمِيَ عَنْ نِعَمِهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ وَعِنَايَتِهِ بِهِمْ، بَلْ لَا يَجِدُ هَذَا الْمُتَكَبِّرُ فِي نَفْسِهِ مَعْنَى عَظَمَةِ اللهِ وَكِبْرِيَائِهِ ; لِأَنَّهُ لَوْ وَجَدَهَا لَتَأَدَّبَ وَشَعَرَ بِضَعْفِهِ وَعَجْزِهِ وَصَغَارِهِ، فَهُوَ جَاحِدٌ أَوْ كَالْجَاحِدِ لِصِفَاتِ الْأُلُوهِيَّةِ الَّتِي لَا تَلِيقُ إِلَّا بِهَا وَلَا تَكُونُ بِحَقٍّ إِلَّا لَهَا، فَمَنْ فَتَّشَ نَفْسَهُ وَحَاسَبَهَا، عَلِمَ أَنَّهُ لَا يُعِينُهُ عَلَى الْقِيَامِ بِعِبَادَةِ اللهِ تَعَالَى وَيُطَهِّرُهُ مِنْ نَزَغَاتِ الشِّرْكِ بِهِ وَمُنَازَعَتِهِ فِي صِفَاتِهِ، وَيَسْهُلُ عَلَيْهِ الْقِيَامُ بِوَصَايَاهُ هَذِهِ، وَبِغَيْرِهَا إِلَى سُكُونِ النَّفْسِ وَمَعْرِفَتِهَا قَدْرَهَا بِبَرَاءَتِهَا مِنْ خُلُقِ الْكِبْرِ الْخَبِيثِ الَّذِي تَظْهَرُ آثَارُ تَمَكُّنِهِ وَرُسُوخِهِ بِالْخُيَلَاءِ وَالْفَخْرِ، إِنَّ الْمُخْتَالَ لَا يَقُومُ بِعِبَادَةِ اللهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّ عَمَلًا مَا لَا يُسَمَّى عِبَادَةً إِلَّا
إِذَا كَانَ صَادِرًا عَنِ الشُّعُوبِ بِعَظَمَةِ الْمَعْبُودِ وَسُلْطَانِهِ الْأَعْلَى غَيْرِ الْمَحْدُودِ، وَمَنْ أُوتِيَ هَذَا الشُّعُورَ خَشَعَ قَلْبُهُ، وَمَنْ خَشَعَ قَلْبُهُ خَشَعَتْ جَوَارِحُهُ فَلَا يَكُونُ مُخْتَالًا، إِنَّ الْمُخْتَالَ لَا يَقُومُ بِحُقُوقِ الْوَالِدَيْنِ، وَلَا حُقُوقِ ذَوِي الْقُرْبَى؛ لِأَنَّهُ لَا يَشْعُرُ بِمَا عَلَيْهِ مِنَ الْحَقِّ لِغَيْرِهِ، وَإِذَا كَانَ لَا يَقُومُ بِحُقُوقِ الْوَالِدَيْنِ وَفَضْلُهُمَا عَلَيْهِ لَيْسَ فَوْقَهُ فَضْلٌ إِلَّا اللهَ تَعَالَى، وَلَا بِحُقُوقِ ذَوِي الْقُرْبَى وَهُمْ بِمُقْتَضَى النَّسَبِ فِي طَبَقَتِهِ، فَهَلْ يَرَى نَفْسَهُ مُطَالَبًا بِحَقٍّ مَا لِلْيَتِيمِ الضَّعِيفِ، أَوْ لِلْمِسْكِينِ الْأَسِيفِ، أَوْ لِلْجَارِ الْقَرِيبِ أَوِ الْبَعِيدِ، أَوْ لِلصَّاحِبِ النَّبِيهِ أَوِ الْمَغْمُولِ، أَوْ لِابْنِ السَّبِيلِ الْمَعْرُوفِ أَوِ الْمَجْهُولِ؟ كَلَّا إِنَّ هَذَا رَجُلٌ مَفْتُونٌ بِنَفْسِهِ مَسْحُورٌ فِي عَقْلِهِ وَحِسِّهِ، فَلَا يُرْجَى مِنْهُ الْبِرُّ وَالْإِحْسَانُ، وَإِنَّمَا يُتَوَقَّعُ مِنْهُ الْإِسَاءَةُ وَالْكُفْرَانُ، انْتَهَى بِتَصَرُّفٍ وَزِيَادَةٍ.
وَأَقُولُ: لَيْسَ مِنَ الْكِبْرِ وَالْخُيَلَاءِ أَنْ يَكُونَ الْمَرْءُ وَقُورًا فِي غَيْرِ غِلْظَةٍ، عَزِيزَ النَّفْسِ مَعَ الْأَدَبِ وَالرِّقَّةِ، حَسَنَ الثِّيَابِ بِلَا تَطَرُّسٍ، وَلَا ابْتِغَاءِ شُهْرَةٍ، رَوَى مُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ: لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ، فَقَالَ رَجُلٌ: إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 5  صفحه : 78
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست