responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 5  صفحه : 68
مِنَ الْهِبَاتِ الَّتِي مَنَحَهَا خَلْقَهُ وَعُرِفَتْ مِنْ سُنَنِهِ فِيهِمْ، فَلَأَنْ يَنْهَى عَنْ إِنْكَارِ وَجُودِهِ وَجَحْدِ أُلُوهِيَّتِهِ يَكُونُ أَوْلَى.
قَالَ: وَالْإِشْرَاكُ قَدْ ذُكِرَ فِي الْقُرْآنِ بَعْضُ ضُرُوبِهِ عِنْدَ مُشْرِكِي الْعَرَبِ، وَهُوَ عِبَادَةُ الْأَصْنَامِ بِاتِّخَاذِهِمْ أَوْلِيَاءَ وَشُفَعَاءَ وَوُسَطَاءَ عِنْدَ اللهِ تَعَالَى، يُقَرِّبُونَ الْمُتَوَسِّلَ بِهِمْ إِلَيْهِ، وَيَقْضُونَ الْحَاجَاتِ عِنْدَهُ كَمَا هُوَ الْمَعْهُودُ مِنْ مَعْنَى الْوِلَايَةِ وَالشَّفَاعَةِ عِنْدَهُمْ، وَالْآيَاتُ
فِي ذَلِكَ كَثِيرَةٌ وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (10: 18) ، وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللهِ زُلْفَى إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِيمَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ (39: 3) .
وَذَكَرَ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ دَخَلَ عَلَيْهِمُ الشِّرْكُ، فَالنَّصَارَى عَبَدُوا الْمَسِيحَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَبَعْضُهُمْ عَبَدَ أُمَّهُ السَّيِّدَةَ مَرْيَمَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، وَقَالَ اللهُ فِي الْفَرِيقَيْنِ: اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (9: 31) ، وَقَدْ وَرَدَ فِي تَفْسِيرِهِ بِالْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الْمَرْفُوعِ: أَنَّهُ كَانُوا يَضَعُونَ لَهُمْ أَحْكَامَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ فَيَتْبَعُونَهُمْ فِيهَا، وَسَبَقَ ذِكْرُ ذَلِكَ فِي التَّفْسِيرِ غَيْرَ مَرَّةٍ، (قَالَ) : فَالشِّرْكُ أَنْوَاعٌ وَضُرُوبٌ، أَدْنَاهَا مَا يَتَبَادَرُ إِلَى أَذْهَانِ عَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ أَنَّهُ الْعِبَادَةُ لِغَيْرِ اللهِ كَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ لَهُ، وَأَشَدُّهَا وَأَقْوَاهَا مَا سَمَّاهُ اللهُ دُعَاءً وَاسْتِشْفَاعًا، وَهُوَ التَّوَسُّلُ بِهِمْ إِلَى اللهِ وَتَوْسِيطُهُمْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ تَعَالَى، فَالْقُرْآنُ نَاطِقٌ بِهَذَا، وَهُوَ الْمَشْهُورُ فِي كُتُبِ السِّيَرِ وَالتَّارِيخِ، فَهَذَا الْمَعْنَى هُوَ أَشَدُّ أَنْوَاعِ الشِّرْكِ، وَأَقْوَى مَظَاهِرِهِ الَّتِي يَتَجَلَّى فِيهَا مَعْنَاهُ أَتَمَّ التَّجَلِّي، وَهُوَ الَّذِي لَا يَنْفَعُ مَعَهُ صَلَاةٌ وَلَا صِيَامٌ وَلَا عِبَادَةٌ أُخْرَى.
ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ هَذَا الشِّرْكَ قَدْ فَشَا فِي الْمُسْلِمِينَ الْيَوْمَ، وَأَوْرَدَ شَوَاهِدَ عَلَى ذَلِكَ عَنِ الْمُعْتَقِدِينَ الْغَالِينَ فِي الْبَدَوِيِّ " شَيْخِ الْعَرَبِ " وَ " الدُّسُوقِيِّ " وَغَيْرِهِمَا لَا تَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ، وَبَيَّنَ أَنَّ الَّذِينَ يُؤَوِّلُونَ لِأَمْثَالِ هَؤُلَاءِ إِنَّمَا يَتَكَلَّفُونَ الِاعْتِذَارَ لَهُمْ لَزَحْزَحَتِهُمْ عَنْ شِرْكٍ جَلِيٍّ وَاضِحٍ إِلَى شِرْكٍ أَقَلَّ مِنْهُ جَلَاءً وَوُضُوحًا، وَلَكِنَّهُ شِرْكٌ ظَاهِرٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَلَيْسَ هُوَ مِنَ الشِّرْكِ الْخَفِيِّ الَّذِي وَرَدَتِ الْأَحَادِيثُ بِالِاسْتِعَاذَةِ مِنْهُ، الَّذِي لَا يَكَادُ يَسْلَمُ مِنْهُ إِلَّا الصِّدِّيقُونَ، وَمِنْهُ أَنْ يَعْمَلَ الْمُؤْمِنُ الْعَمَلَ الصَّالِحَ مِنَ الْعِبَادَةِ لِلَّهِ تَعَالَى وَيُحِبُّ أَنْ يُمْدَحَ عَلَيْهِ أَوْ يَتَلَذَّذَ بِالْمَدْحِ عَلَيْهِ (مَثَلًا) .
أَقُولُ: ثُمَّ عَقَّبَ الْأَمْرَ بِالتَّوْحِيدِ وَالنَّهْيِ عَنِ الشِّرْكِ بِالْوَصِيَّةِ لِلْوَالِدَيْنِ فَقَالَ: وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا أَيْ: وَأَحْسِنُوا بِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا تَامًّا لَا تُقَصِّرُوا فِي شَيْءٍ مِنْهُ،
يُقَالُ: أَحْسَنَ بِهِ وَأَحْسَنَ لَهُ وَأَحْسَنَ إِلَيْهِ، وَقِيلَ: إِذَا تَعَدَّى الْإِحْسَانُ بِالْبَاءِ يَكُونُ مُتَضَمِّنًا لِمَعْنَى الْعَطْفِ، وَعِنْدِي أَنَّ التَّعْدِيَةَ بِالْبَاءِ أَبْلَغُ لِإِشْعَارِهَا بِإِلْصَاقِ الْإِحْسَانِ بِمَنْ يُوَجَّهُ إِلَيْهِ مِنْ غَيْرِ إِشْعَارٍ

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 5  صفحه : 68
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست