responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 5  صفحه : 50
عَلَى الْكَسْبِ، ثُمَّ تَحْمِلُهُ آلَامُ تِلْكَ الْأَمَانِيِّ عَلَى الْمَرْكَبِ الصَّعْبِ، وَهُوَ طَاعَةُ الْحَسَدِ بِالْإِيذَاءِ وَالْبَغْيِ، فَيَكُونُ مِنَ الْهَالِكِينَ.
(وَمِنْهَا) مَا يُنَالُ بِالْجِدِّ وَالسَّعْيِ كَالْمَالِ وَالْجَاهِ، وَهُوَ الْمَقْصُودُ بِالنَّهْيِ أَوَّلًا بِالذَّاتِ ; لِأَنَّ الْأَوَّلَ لِبُعْدِهِ عَنِ الْمَعْقُولِ، كَأَنَّ مِنْ شَأْنِهِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ، وَلَا يَشْتَغِلُ بِتَمَنِّي هَذَا إِلَّا ضَعِيفُ الْهِمَّةِ سَاقِطُ الْمُرُوءَةِ، جَاهِلٌ بِقَدْرِ اسْتِعْدَادِ الْإِنْسَانِ وَآيَاتِ الْجِدِّ وَالِاسْتِقْلَالِ، وَلَا يَرْضَى اللهُ تَعَالَى لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يَكُونَ هَكَذَا فَهُوَ يُرْشِدُهُ إِلَى عُلُوِّ الْهِمَّةِ وَهُوَ مِنْ شُعَبِ الْإِيمَانِ، وَيَهْدِيهِ إِلَى الِاعْتِمَادِ عَلَى مَا أُوتِيهِ مِنَ الْقُوَى فِي تَحْصِيلِ كُلِّ مَا يَرْغَبُ فِيهِ، فَالْجَاهُ الْحَقِيقِيُّ إِنَّمَا يُنَالُ بِالْجِدِّ وَالْكَسْبِ كَالْعِلْمِ النَّافِعِ وَالْمَنَاصِبِ وَعَمَلِ الْمَعْرُوفِ، وَكَذَلِكَ الثَّرْوَةُ الْأَصْلُ فِيهَا أَنْ تُنَالَ بِالْكَسْبِ وَالسَّعْيِ، وَالْمَوْرُوثُ مِنْهَا قَلَّمَا يَثْبُتُ وَيَنْمُو إِلَّا عِنْدَ الْعَامِلِينَ، وَالَّذِينَ يَتَرَبَّوْنَ عَلَى الِاسْتِقْلَالِ كَأَهْلِ أَمْرِيكَا وَإِنْكِلْتِرَا يَعْتَمِدُونَ عَلَى الطَّرِيفِ دُونَ التَّلِيدِ، حَتَّى إِنَّ بَعْضَ الْوَارِثِينَ مِنْهُمْ رَاهَنَ عَلَى كَسْبِ مِقْدَارٍ عَظِيمٍ مِنَ الْمَالِ يُضَاهِي ثَرْوَتَهُ الْمَوْرُوثَةَ بَعْدَ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ جَمِيعِ مَا يَمْلِكُ، وَضَرَبَ لِذَلِكَ أَجَلًا غَيْرَ بَعِيدٍ فَمَا حَلَّ الْأَجَلُ إِلَّا وَذَلِكَ الْمِقْدَارُ الْعَظِيمُ فِي يَدِهِ، وَكَانَ خَرَجَ مِنْ مَالِهِ كُلِّهِ حَتَّى ثِيَابِهِ وَابْتَدَأَ عَمَلَهُ الِاسْتِقْلَالِيَّ بِالْخِدْمَةِ فِي الْحَمَّامِ، وَهِمَمُ الرِّجَالِ لَا يَقِفُ أَمَامَهَا شَيْءٌ، وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ غَافِلُونَ عَنِ اسْتِعْدَادِهِمْ، يَتَّكِلُونَ عَلَى اجْتِنَاءِ ثَمَرَةِ غَيْرِهِمْ، وَلِذَلِكَ نَبَّهَنَا الْفَاطِرُ جَلَّ صُنْعُهُ بَعْدَ النَّهْيِ عَنِ التَّمَنِّي وَالتَّلَهِّي بِالْبَاطِلِ إِلَى الْكَسْبِ وَالْعَمَلِ، الَّذِي يُنَالُ بِهِ كُلُّ أَمَلٍ، فَقَالَ: لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ، فَشَرَعَ الْكَسْبَ لِلنِّسَاءِ كَالرِّجَالِ فَأَرْشَدَ كُلًّا مِنْهُمَا إِلَى تَحَرِّي الْفَصْلِ بِالْعَمَلِ دُونَ التَّمَنِّي وَالتَّشَهِّي، وَحِكْمَةُ اخْتِيَارِ صِيغَةِ الِاكْتِسَابِ عَلَى صِيغَةِ الْكَسْبِ أَنَّ صِيغَةَ الِاكْتِسَابِ تَدُلُّ عَلَى الْمُبَالَغَةِ وَالتَّكَلُّفِ، وَهُوَ اللَّائِقُ فِي مَقَامِ النَّهْيِ عَنِ التَّمَنِّي وَالتَّشَهِّي، كَأَنَّهُ يَقُولُ: إِنَّ مَا تَطْلُبُونَ
مِنَ الْفَضْلِ إِنَّمَا يُنَالُ بِفَضْلِ الْعِنَايَةِ وَالْكُلْفَةِ فِي الْكَسْبِ، لَا بِمَا تُثِيرُهُ الْبِطَالَةُ مِنْ أَمَانِيِّ النَّفْسِ، وَمَا قِيلَ مِنَ اسْتِعْمَالِ الْكَسْبِ فِي الْخَيْرِ وَالِاكْتِسَابِ فِي الشَّرِّ فَمَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ (2: 286) ، وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ مَعْنَى الصِّيغَةِ فِي شَيْءٍ وَإِنَّمَا اخْتِيرَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ لِلْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّ الشَّرَّ لَيْسَ مِنْ مُقْتَضَى الْفِطْرَةِ [رَاجِعْ 118 ج 2 ط الْهَيْئَةِ الْعَامَّةِ لِلْكِتَابِ] ، وَفِي التَّعْبِيرِ بِهِ فِي الْآيَةِ الَّتِي نُفَسِّرُهَا إِرْشَادٌ إِلَى الْمُبَالَغَةِ وَالتَّكَلُّفِ فِي طَلَبِ الزِّيَادَةِ مِنَ الْمَالِ وَالْجَاهِ وَكُلِّ مَا يَتَفَاضَلُ فِيهِ النَّاسُ بِأَعْمَالِهِمْ بِشَرْطِ الْتِزَامِ الْحَقِّ، وَإِرْشَادٌ إِلَى اعْتِمَادِ النَّاسِ فِي مَطَالِبِهِمْ وَرَغَائِبِهِمْ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللهُ مِنَ الِاسْتِعْدَادِ دُونَ الْكَسَلِ وَالتَّوَاكُلِ، وَاعْتِمَادِ كُلٍّ مِنْهُمْ عَلَى الْآخَرِ، وَالْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ مُؤَيِّدَانِ لِذَلِكَ، فَمَا أَجْدَرَ الْمُسْلِمِينَ بِأَنْ يَكُونُوا قُدْوَةً مَثَلًا لِلْمُسْتَقِلِّينَ، فَالْمُسْلِمُ بِمُقْتَضَى إِسْلَامِهِ يَعْتَمِدُ عَلَى مَوَاهِبِهِ، وَقُوَاهُ فِي كُلِّ مَطَالِبِهِ مَعَ الرَّجَاءِ بِفَضْلِ اللهِ وَتَوْفِيقِهِ ; وَلِذَلِكَ قَالَ بَعْدَ الْإِرْشَادِ إِلَى الِاكْتِسَابِ: وَاسْأَلُوا اللهَ مِنْ فَضْلِهِ، أَيْ: وَمَهْمَا أَصَبْتُمْ بِالْجِدِّ وَالِاكْتِسَابِ فَلَا يُنْسِيَنَّكُمْ ذَلِكَ حَاجَتَكُمْ إِلَى اللهِ تَعَالَى بِمَا عَلَيْكُمْ أَنْ تَسْأَلُوهُ مِنْ فَضْلِهِ

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 5  صفحه : 50
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست