responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 5  صفحه : 46
فِيهِ وَالِاسْتِلْذَاذُ بِهِ، وَأَمَّا تَكْفِيرُ اجْتِنَابِ الْكَبَائِرِ لِلسَّيِّئَاتِ فَقَدْ بَيَّنَ الْغَزَالِيُّ أَنَّهُ يَتَحَقَّقُ بِالْقَصْدِ وَالْإِرَادَةِ، فَإِنَّ الِاجْتِنَابَ الَّذِي هُوَ تَرْكٌ يَتَحَقَّقُ عِنْدَ دَاعِيَةِ الْعَمَلِ بِعَمَلِ النَّفْسِ، وَهُوَ الْإِرَادَةُ الَّتِي تَكُفُّ النَّفْسَ عَنِ الْفِعْلِ الَّذِي حَصَلَتْ دَاعِيَتُهُ، وَمِمَّا أَتَذَكَّرُ مِنْ أَمْثِلَتِهِ فِي ذَلِكَ أَنَّ مَنْ دَخَلَ دَارَ رَجُلٍ أَوْ بُسْتَانَهُ بِقَصْدِ السَّرِقَةِ، ثُمَّ ذَكَرَ اللهَ وَخَافَهُ فَكَفَّ نَفْسَهُ عَنِ السَّرِقَةِ وَخَرَجَ، فَإِنَّ هَذَا الْكَفَّ عَنِ الْكَبِيرَةِ يُكَفِّرُ مِنْ نَفْسِهِ دُخُولَ مِلْكِ غَيْرِهِ بِدُونِ إِذْنِهِ ; لِأَنَّ شُعُورَ الْإِيمَانِ الَّذِي تَنَبَّهَ فِيهِ يَكُونُ قَدْ غَلَبَ شُعُورَ الْفِسْقِ الَّذِي حَرَّكَهُ أَوَّلًا لِقَصْدِ السَّرِقَةِ وَمَحَاهُ وَأَزَالَهُ، وَأَمَّا مَنْ دَخَلَ مِلْكَ غَيْرِهِ بِدُونِ إِذْنِهِ وَلَا الْعِلْمِ بِرِضَاهُ وَهُوَ لَا يَقْصِدُ إِلَّا الِاسْتِهَانَةَ بِحَقِّهِ، فَإِنَّ هَذِهِ السَّيِّئَةَ تُقَوِّي فِي نَفْسِهِ أَثَرَ الشَّرِّ وَدَاعِيَةَ التَّعَدِّي وَلَا يُكَفِّرُ ذَلِكَ وَيَمْحُوهُ كَوْنُهُ مُجْتَنِبًا لِشُرْبِ الْخَمْرِ مَثَلًا وَإِنِ اجْتَنَبَهُ بِقَصْدٍ مَعَ حُصُولِ دَاعِيَتِهِ، فَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْفُسَّاقِ يَضُرُّونَ بِبَعْضِ الْمَعَاصِي وَيَجْتَنِبُونَ غَيْرَهَا أَشَدَّ الِاجْتِنَابِ، فَهَلْ يَكُونُ لِهَذَا الِاجْتِنَابِ أَثَرٌ فِي تَزْكِيَةِ النَّفْسِ وَتَطْهِيرِهَا مِمَّا ضَرِيَتْ بِهِ وَأَصَرَّتْ عَلَيْهِ؟ بَلْ وَلَا مِمَّا فَعَلَتْهُ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَلَمْ تُتْبِعْهُ بِالنَّدَمِ وَالتَّوْبَةِ، وَلَكِنْ قَدْ تُكَفِّرُ مِثْلُ هَذِهِ الْحَسَنَاتِ الَّتِي تُصْلِحُ النَّفْسَ فِي مَجْمُوعِهَا، وَمَنْ فَهِمَ هَذَا لَا يَرَى إِشْكَالًا فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الْآيَةِ وَحَدِيثِ مُسْلِمٍ: الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ مُكَفِّرَةٌ لِمَا بَيْنَهَا مَا اجْتُنِبَ الْكَبَائِرُ وَإِنْ تَخَبَّطَ فِيهِ الْكَثِيرُونَ.
لِكُلِّ مَرَضٍ مِنَ الْأَمْرَاضِ الْبَدَنِيَّةِ دَوَاءٌ خَاصٌّ يُزِيلُهُ، وَلَا يُزِيلُ غَيْرَهُ مِنَ الْأَمْرَاضِ، وَأَمَّا تَقْوِيَةُ الْبَدَنِ كُلِّهِ بِالْغِذَاءِ الْمُوَافِقِ وَالرِّيَاضَةِ وَاسْتِنْشَاقِ الْهَوَاءِ النَّقِيِّ، وَالْبُرُوزِ لِلشَّمْسِ فَإِنَّهُ يُسَاعِدُ عَلَى شِفَاءِ كُلِّ مَرَضٍ إِذَا لَمْ يَكْثُرِ التَّعَرُّضُ لِأَسْبَابِهِ، وَإِنَّ أَدْوَاءَ النَّفْسِ وَأَدْوِيَتَهَا تُشْبِهُ أَمْرَاضَ الْبَدَنِ وَأَدْوِيَتَهَا، وَلِلَّهِ دَرُّ أَبِي حَامِدٍ حَيْثُ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ الطَّاعَاتِ الَّتِي تُكَفِّرُ الْمَعَاصِيَ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ مِنْ جِنْسِهَا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ أَمْثِلَتُهُ كُلُّهَا مُطَابِقَةً لِقَاعِدَتِهِ، وَحَيْثُ لَمْ يَنْسَ أَنَّ إِصْلَاحَ النَّفْسِ بِأَنْوَاعِ الطَّاعَاتِ قَدْ يُذْهِبُ بَعْضَ السَّيِّئَاتِ الَّتِي لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ هَذِهِ الطَّاعَاتِ، لِلَّهِ دَرُّهُ مَا أَدَقَّ فَهْمَهُ لِحِكْمَةِ الْقُرْآنِ وَتَطْبِيقَهُ عَلَى فِطْرَةِ الْإِنْسَانِ، وَمَنْ وَقَفَ عَلَى مَا ثَبَتَ عِنْدَ عُلَمَاءِ الْإِنْسَانِ بَعْدَ الْغَزَالِيِّ مِنْ تَعَدُّدِ مَرَاكِزِ الْإِدْرَاكِ فِي الدِّمَاغِ الَّذِي هُوَ آلَةُ النَّفْسِ، وَكَوْنِ كُلِّ
نَوْعٍ مِنْهَا لَهُ مَرْكَزٌ خَاصٌّ، وَجَعَلَ ذَلِكَ مُطَّرِدًا فِي أَنْوَاعِ الشُّعُورِ وَالْوِجْدَانِ، وَمَا تَكُونُ الْأَعْمَالُ مِنْ مَلَكَاتِ الْأَخْلَاقِ وَالْعَادَاتِ، فَإِنَّهُ يُعْجَبُ بِمَا أُوتِيَ هَذَا الرَّجُلُ مِنْ قُوَّةِ الذِّهْنِ وَنُفُوذِ أَشِعَّةِ الْفَهْمِ، وَإِذَا عَلِمَ أَنَّهُ قَدْ قَالَ: إِنَّ الْمَاءَ لَيْسَ عُنْصُرًا بَسِيطًا كَمَا تَقُولُ فَلَاسِفَةُ الْيُونَانَ بَلْ هُوَ مُرَكَّبٌ، فَإِنَّهُ يَحْكُمُ لَهُ بِالنُّبُوغِ فِي إِدْرَاكِ الْحَقَائِقِ الْحِسِّيَّةِ، كَمَا حَكَمَ لَهُ بِإِدْرَاكِ الْحَقَائِقِ الْمَعْنَوِيَّةِ.
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا فَقَدْ قَرَأَ الْجُمْهُورُ قَوْلَهُ: مُدْخَلًا بِضَمِّ

نام کتاب : تفسير المنار نویسنده : رشيد رضا، محمد    جلد : 5  صفحه : 46
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست